الأمية الدينية وخطورة استغلالها

دكتور / محمد علي بركات

الأمية الدينية هي إحدى آفات المجتمعات الإسلامية التي تعتبر أخطر أشكال الأمية لما تشكله من خطورة .. فقد كانت سبباً في تفشي عدد من السلوكيات المذمومة التي انتشرت في مجتمعاتنا بصورة كبيرة .. كالانحراف والتطرف والغلو والتعصب الأعمى والانحطاط والرذيلة .. بعد أن جعلت الفرد ينجرف في التيار المعاكس بكل سهولة .. وهذا التيار يعتمد على التوجهات غير السوية باسم الدين والأفكار المضللة .. حيث يستغل ذلك القصور في الوعي الديني لتحقيق بعض المصالح الذاتية الدنيوية ..
وتعتبر هذه الأمية المقيتة والجهل بالدين سبباً لما تعانيه الأمة من ذل وهوان وتخلف وما تعيشه من مآسي وكوارث إنسانية .. وبالرغم من أننا نعيش عصر العلم وتعدد مصادر المعرفة وكثافة المعلومات .. العصر الذي انتشر فيه التعليم بمختلف الأشكال والوسائل متعددة الملامح والسمات .. إلا أن الجهل بالعديد من أمور الدين وقيمه النبيلة ومقاصده السامية مازال منتشراً في أوساط مجتمعاتنا بصورة جلية ..
وتفشي الجهل في أي مجتمع يؤدي إلى عواقب لا يحمد عقباها أخطرها الفـُرقة بين أفراده وسوء العلاقات الاجتماعية .. مما يضر بالمصالح المشتركة فيما بينهم ويهدد استقرارهم وتعايشهم وشؤونهم الحياتية ..
وهناك أسباب عديدة للأمية الدينية منها عدم العناية الكافية بتدريس التربية الدينية في المدارس والقصور الذي يشوب المناهج الدراسية .. التي يفترض أن تتناسب مع عقول الناشئة وتنسجم مع قدراتهم الذهنية .. إلى جانب عدم إعداد المعلم وتأهيله تربوياً وروحياً بصورة أساسية .. وكذلك الحال في إطار الأسرة والمحيط الذي يعيش فيه الفرد منذ طفولته وبالأخص إذا افتقد هذا المحيط المعرفة اللازمة بالضرورات الشرعية .. وواجبات الفرد وعلاقاته الإنسانية القائمة على أسس وتعاليم الدين .. يضاف إلى ذلك الوسائل الإعلامية التي كان يجب أن تعطي هذا الجانب مساحة كافية من الاهتمام لتبصير الناس بأمور الدين والدنيا بأسلوب منطقي مشوق ورصين ..
أما المسجد فقد افتقد دوره الأساسي ووظائفه التعليمية والتربوية في العديد من المجتمعات .. واتخذت الدعوة في الغالب مسارات أخرى أساسها المصالح التي تخدم إما الأفراد أو الأحزاب أو الفئات .. ولهذا فقد أصبحت الدعوة خافتة وباهتة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقاً لما جاء به الإسلام في القرآن العظيم .. وما أكدته السنة النبوية المطهرة للرسول الكريم .. مما جعل الناس يلجأون إلى المصادر غير الصائبة .. التي تضللهم بمفاهيم مغلوطة عن الدين الإسلامي وعن الحياة والمحيط الاجتماعي بصورة خاطئة وغير مناسبة .. وما عزز هذا الاتجاه غياب الدور الريادي للعلماء في مجال الإصلاح والإرشاد .. وبيان الحقائق للعباد في جميع أنحاء البلاد ..
وهناك من يعتقد أن حالة التخبط والتناقض التي يعيشها الناس بين معرفة الصواب من الخطأ تعود إلى تعدد الجماعات والمذاهب والطوائف .. وادعاء كل منها صواب التوجه وسلامة الرأي وبطلان أي توجه أو رأي مختلف .. وذلك تكريس للأمية الدينية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية ..
ولا شك أن الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الناس تمثل أيضاً أحد الأسباب المهمة للأمية الدينية نتيجة لانشغالهم بالبحث عن العمل لتلبية احتياجاتهم الضرورية .. وذلك بالطبع يصرفهم عن الاهتمام بالتعليم ومعرفة جميع أمور الدين مما يؤدي في الغالب إلى تفشي بعض مظاهر الانحرافات الأخلاقية .. أو إتاحة الفرصة للانتهازيين المضللين للدفع بأفراد المجتمع إلى التطرف والغلو وخاصة الشباب لخدمة أهدافهم ومصالحهم الذاتية ..
ويفترض أن تؤدي الجهات المعنية بالتوعية والإرشاد الديني دورها بجدية وفاعلية .. وكذلك العلماء والمرشدون ذوو الثقة في هذه الشؤون وخاصة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخ اليمن التي تعددت فيها الولاءات للأحزاب وللأيديولوجيات وللمصالح سواء الداخلية أو الخارجية .. ونظراً لما يشكله هذا الأمر من أهمية دينية وإنسانية ووطنية وقومية .. وتلك هي القضية .

قد يعجبك ايضا