الإرهاب.. ذريعة الغرب للهيمنة على الشرق الأوسط
نعمان الصادق**
لفهم الضجة المحيطة بظواهر التطرف الإسلامي والإرهاب، نحن بحاجة لفهم النظام الاقتصادي العالمي السائد، ما توقعه الاقتصاديون البراجماتيون حول رأسمالية السوق الحر أصبح الآن حقيقة وواقعاً نعيشه سواء أحببنا ذلك أم لا.
صعود مجموعة “دول البريكس”، وهي مجموعة الدول صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم وتضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، في القرن الـ21 هو دليل على هذا التوجه.
دول البريكس تنمو اقتصاديا لأن العمالة في الاقتصاديات النامية رخيصة والنفقات محدودة والضرائب منخفضة، باختصار، مكاسب ضخمة للشركات متعددة الجنسيات.
دول البريكس تهدد الاحتكار الاقتصادي العالمي للكتلة الرأسمالية الغربية. وهنا نحن بحاجة لفهم الفرق بين القطاع الصناعي وقطاع الخدمات، قطاع الصناعات والإنتاج هو العمود الفقري لأي اقتصاد.
الأمر يستغرق عقودا لبناء والحفاظ على قاعدة صناعية ثابتة بدءا من توفير المواد الخام ومعدات الإنتاج إلى النقل والأيدي العاملة المدربة. لكن قطاع الخدمات، مثل المؤسسات المالية الغربية، يمكن أن تُبنى وتتفكك في فترة قصيرة نسبيا من الزمن.
إذا نلقي نظرة خاطفة على اقتصاد الكتلة الرأسمالية الغربية، رغم أنه ما زال يحتفظ ببعض من قاعدته التصنيعية العالية التكنولوجيا، ولكنه يفتقد إلى قاعدة تصنيع قوية مساوية وأرخص من التي تمتلكها دول البريكس النامية.
بغض النظر عن ذلك، يعتمد اقتصاد الكتلة الرأسمالية الغربية في أغلبه على المؤسسات المالية: البنوك الاستثمارية العملاقة، مثل بنك أوف أميركا، وبنك بي.ان.بي باريبا ومجموعة أكسا (فرنسا)، ومجموعة اليانز (ألمانيا)، وباركليز وإتش إس بي سي (المملكة المتحدة).
لكن ما هي تداعيات اقتصاد قائم على الخدمات المالية.. ماذا لو قرر تميم بن حمد آل ثاني (حاكم قطر) غدا سحب أسهمه من بنك باركليز؟ماذا لو سحب جميع شيوخ دول الخليج دولاراتهم البترولية من المؤسسات المالية الغربية، هل يمكن لقطاع الخدمات المالية الهش الذي تعتمد عليه الاقتصاديات الغربية الصمود أمام مثل هذا الفقدان للاستثمارات؟
في ابريل هذا العام هدد وزير المالية السعودي ببيع سندات خزانة وأصول أخرى بالولايات المتحدة قيمتها 750 مليار دولار “في حال إقرار الكونجرس لمشروع قانون يحمل المملكة مسؤولية في اعتداءات 11 سبتمبر 2001م
وبالنسبة للشرق الأوسط، إذا كان الاقتصاد الضعيف هو أكبر نقاط ضعفه، ما هي أكبر نقطة قوة للقوى الغربية؟ أكبر قوة للكتلة الرأسمالية الغربية تكمن في قوتها العسكرية وقدرتها على إنتاج صناعاتها الدفاعية. ولكن امتلاك القوة العسكرية هي شيء، واستخدام هذه القوة لتحقيق أهداف معينة هي شيء آخر.
الديموقراطيات الليبرالية الغربية مسؤولة أمام ناخبيها عن الانجازات والإخفاقات، وبالرغم من النفعية الشرسة، فإنه سواء النخب المكيافيلية أو المواطنين العاديين لا يمكنهم تجاوز تحيزاتهم الأخلاقية العتيقة دون مبررات.
ومن أجل تجاوز هذه المعضلة، أرادت المؤسسات السياسية الغربية ذريعة إنسانية لفعل ما يريدون القيام به على أسس نفعية واقتصادية. وجاءت هجمات 11 سبتمبر لتكون بمثابة رب ضارة نافعة للقوى الغربية، لأن ذريعة “الحرب على الإرهاب” أعطتهم صلاحيات مفتوحة وتفويضا مطلقا لغزو واحتلال أي بلد غنية بالنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ولا عجب بعد ذلك أن الضحية الأولى من ذريعة “الحرب على الإرهاب” بعد أفغانستان كانت العراق 2003م، الذي يمتلك 140 مليار برميل من الاحتياطي المؤكد من النفط الخام وتنتج أكثر من 3 ملايين برميل يوميا.
وكان السرد الأخلاقي الذي روجه وسائل الإعلام هي خدعة أسلحة الدمار الشامل لدى صدام وصلاته المزعومة بالقاعدة.
ثم مرة أخرى ما أخبرتنا به وسائل الإعلام الغربية عن ما يسمى بـ “التدخل الإنساني” في ليبيا عام 2011م.. احتجاجات سلمية من قبل ليبيين معتدلين ضد نظام القذافي ومسؤولية الغرب في حماية أرواح المدنيين والثورات المفترض ديمقراطية. مرة أخرى إنها ليست من قبيل الصدفة أن ليبيا تملك 48 مليار برميل من احتياطي النفط وتنتج 1.6 مليون برميل يوميا.
حقيقة الأمر هي أن الرأسمالية الاحتكارية الغربية والنظام الاقتصادي والسياسي العالمي الاستعماري الجديد هو القضية الحقيقية، في حين أن مكافحة التطرف الإسلامي والإرهاب هو القضية الثانوية.
هذه هي الطريقة التي عبرها تبني وسائل الإعلام الرئيسية روايات مصطنعة وتحاول إقناع الجمهور لتصديقها: خلال الحرب الباردة خلقت “الخوف الأحمر” وأخبرت الجمهور أن الشيوعية هي تهديد وجودي للعالم الحر.
ثم القوى الغربية ومعاونيهم في السعودية مولوا وسلحوا تنظيم “مقاتلي الحرية” الأفغاني واستخدموه كوكلاء ضد الاتحاد السوفياتي. وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي أعلنوا “مقاتلي الحرية” إرهابيين وتهديدا وجوديا آخر للعالم الحر.
ثم خلال الحرب الأهلية الليبية والسورية، أصبح الإرهابيون السابقون مرة أخرى مقاتلين من أجل الحرية – وهذه المرة قامت وسائل الإعلام بتسويقهم من خلال وصفهم ب “المتمردين المعتدلين”. كيف يمكن تسمية متشدد يحمل بندقية بمتمرد معتدل سلمي؟!.
وفي إطار السرد المتهالك لذريعة “الحرب على الإرهاب، تنظيم داعش- مثل سابقه تنظيم القاعدة- هو أيضا غول خلق جواً من الخوف لتبرير سياسة تدخلية غربية في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالطاقة.
في السنوات الـ 15 الأخيرة من ما يسمى بـ “الحرب على الإرهاب” أطاحت القوى الغربية نظاماً إسلامياً واحداً لحركة طالبان في أفغانستان، وثلاثة أنظمة قومية عربية – النظام البعثي لصدام حسين في العراق، نظام معمر القذافي في ليبيا وهم الآن في محاولة يائسة للإطاحة بالنظام المعادي للصهيونية لبشار الأسد في سوريا.
الإرهاب ليس سوى جريمة – جريمة بشعة بل جريمة – وليس عملا من أعمال الحرب، أولئك الذين يتعاملون معه باعتباره عملا من أعمال الحرب لديهم دوافع خفية. ومواجهة الإرهاب هي مهمة المؤسسات الأمنية والاستخباراتية والإجراءات السياسية لمنع وتقليل مثل هذه الحوادث من الوقوع.
الجرائم الإرهابية وغيرها مثل القتل والسرقة والسطو تحدث في كل المجتمعات سواء الإسلامية أو غير الإسلامية. معدل هذه الجرائم يقل في المجتمعات المزدهرة السلمية، بينما يرتفع في المجتمعات الفقيرة التي تعاني من صراعات. ولكن سيكون هناك دائماً مجرمون في كل المجتمعات.
جدير بالذكر أن التطرف يرتبط أكثر بعوامل الجغرافية السياسية أكثر من ارتباطه بالدين. فالعوامل الجذرية هي المسؤولة في المقام الأول عن وضع بذور التطرف في أي مكان في العالم ليس الدين ولكن الاقتصاد الاجتماعي والتمييز العرقي والتهميش والصراعات التي تلت ذلك. وكذلك التخلف الاجتماعي والثقافي للمناطق المتضررة والسيطرة المركزية الضعيفة للدول النامية الفقيرة على أراضيها.
مكافحة الإرهاب هي ذريعة التدخل في الشرق الأوسط كجزء من محاولات الحفاظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للكتلة الرأسمالية الغربية سواء بالتدخل العسكري كما حدث في أفغانستان، العراق، ليبيا، اليمن والصومال وسوريا، أو بالتسويات السياسية والتغاضي عن التجاوزات عندما يتعلق الأمر بتأمين 265 مليار برميل من احتياطيات النفط السعودية و 100 مليار برميل في كل من الإمارات العربية المتحدة والكويت، أي ثلث احتياطيات النفط الخام المؤكدة في العالم.
* اوراسياريفيو