قات وسجائر ومضايقات وإهمال ومظاهر أخرى لا تليق بحدائق ومتنفسات للأسرة والمجتمع
غياب الإدارة واللوائح المنظمة للزيارات أحالت الحدائق من متنزهات للأسر إلى مقايل مزعجة
حديقة السبعين تشهد زحاماً غير مسبوق ومظاهر العبث تصادر الفرح
انتشار شرطوي إيجابي لكنه لا يكفي وأمانة العاصمة مطالبة بتمدين الحدائق
تحقيق / عبدالله كمال
رغم الصعوبات التي تعيشها الأسرة اليمنية داخل المدن المكتظة بالسكان وعلى رأسها أمانة العاصمة، إلا أن مظاهر الفرح العيدية، فلا حرب ولا تحليق طائرات ولا عدوان بإمكانه أن يوقف السيل البشري إلى الحدائق المتنزهات، وهو ما عكسه زحام الحدائق والمتنفسات في كل مناطق أمانة العاصمة.. غير أن الأصوات باتت ترتفع أكثر بضرورة إعادة النظر في نظام الحدائق وقوانين الزوار في الأعياد والمناسبات الأخرى، حيث يشكو معظم الناس من المضايقات السيئة للزوار خصوصا الأسر والعوائل، وعدم القدرة على التحكم بالحفاظ على الأطفال بسبب الزحام، وكذلك تدنى مستوى النظافة والخدمات الصحية داخل الحدائق..
صحيفة الثورة زارت بعض الحدائق والمتنزهات، والتي من أهمها حديقة السبعين وتلمست مظهرها العام، ومحشرها اليومي بل الساعاتي ونقلت هذه المشاهد، لكن البداية من ظروف العيد المادية التي عكست نفسها زحاماً على الحدائق العامة والشوارع المطلة على العاصمة…. إلى التفاصيل:
من جولة ريماس ونفق السبعين شمالاً، إلى جولة المصباحي غربا، ميدان السبعين شرقاً، يحف حديقة السبعين محشر من البشر والمركبات والضوضاء غير المسبوقة.. كل هذا الزحام ليس هو المهم، فالأهم هو أن حديقة السبعين تحولت من الداخل إلى علب كبريت تضيق زحاما بالبشر.. وليس وحدها حديقة السبعين بهذه الصورة فحديقة الحيوان وحديقة الثورة وحديقة برلين، والحدائق الخاصة، وكذا الشوارع المطلة على العاصمة كشارع الخمسين وعصر، وغيرها.. هذا الزحام البشري يعكس مدى الظروف المعيشية الصعبة التي تشهدها البلاد جراء الحرب والعدوان، حيث عجزت كثير من اﻷسر عن استغلال إجازة العيد للسفر إلى القرى والمحافظات اﻷخرى سيما المحافظات الساحلية، كنوع من الترفيه والاستماع بتغيير الجو، وكسر رتابة الحياة، فلم يكن أمامهم سوى الحشر الفرائحي إلى الحدائق والساحات العامة في العاصمة صنعاء.. ناهيك عن كون بعضهم قضوا الإجازة في بيوتهم رغم سيل البشر الذي نشاهده في كل اتجاه..
زحام قاتل
يقول محمد الجوفي، موظف: كنت معتادا على السفر لقضاء إجازة العيد في القرية بين اﻷهل واﻷقارب في محافظة إب التي تمتاز بالأجواء البديعة والمناظر الخلابة، إلا أنني في هذا العيد وجدت نفسي غير قادر على السفر، وذلك للظروف المادية، حيث لم يعد لي من دخل سوى الراتب، وهو ما لم يعد يغطي الاحتياجات اﻷساسية. ويضيف محمد: لم نعد ننظر للكثير من الحاجات كضرورة، فقد تسبب الوضع المادي في إسقاط الغالبية من محدودي الدخل للكثير من الاحتياجات، ومن بينها الترفيه، إلا أن اﻷمر مختلف في العيد، والذي يعد مناسبة سعيدة، ومن اللازم الترويح على النفس والأهل، وهو ما لم يعد متاحا، حيث وجدت نفسي أنا وأسرتي كما لو كنا رهن اﻹقامة الجبرية.. ليس فقط بسبب الظروف المادية بل وأيضاً هروباً من الزحام القاتل الذي تشهده الحدائق في أمانة العاصمة..
شعور بالعجز
يرى ماجد زرق، موظف، أنه حتى وإن توفرت له فرصة الإجازة، إلا أنه يجد نفسه عاجزا عن الاستمتاع بها والسفر إلى مناطق لم يزرها من قبل أو محافظات أخرى، وذلك نتيجة لما يتطلبه السفر من تكاليف تفوق قدرة الموظف البسيط والمواطن محدود الدخل. ويضيف ماجد: لو أني فكرت بالسفر أثناء إجازة ما، بما فيها إجازة العيد، فإنني أحتاج إلى مبلغ كبير، ليس من السهل عليًّ كموظف بسيط توفيره، ولا سيما في فترة العيد، وهي المناسبة التي تعتبر مكلفة على أي مواطن، نتيجة ضرورة شراء متطلبات ومستلزمات العيد، وفي مثل ظروفنا المعيشية، التي تعج بالأزمات، فإن العبء يزداد، فالمواطن بالكاد يستطيع تأمين ما يحتاجه هو وأسرته من المتطلبات الضرورية، فضلا عن أن الكثيرين يعجزون عن الوفاء بها كلها، فمن كان هذا حاله فإنه بلا شك لن يفكر مجرد التفكير في التنزه والترفيه والسفر.
تبعات الحرب
لم يكن محمد الجوفي وأسرته إلا نموذجا واحدا من بين اﻵلاف من الأسر التي كانت معتادة على السفر أثناء إجازة العيد، ولكنها في هذا العيد أسقط في يديها، وبقيت حبيسة المنازل غير قادرة على مغادرتها. سلطان يعقوب، يقول: لم يعد في اعتبارنا أن نسافر في إجازة العيد، رغم اعتيادنا على ذلك في الأعياد، فبالنظر للحالة المادية أولا، ثم الحالة اﻷمنية، غدا السفر غير ممكن لنا، فقد كنا نزور محافظتنا تعز، لقضاء اﻹجازة بين اﻷهل وزيارة الأرحام، غير أننا هذا العيد وبحسبة بسيطة وجدنا أن ظروفنا المادية لم تكن لتفي بالغرض، إضافة إلى اﻷوضاع اﻷمنية في محافظة تعز والتي تدور الحرب في أنحاء متفرقة منها.
متنزهات طالها العدوان
وعن البدائل الممكنة مادام تعذر السفر في إجازة العيد، يقول سلطان: يبقى الوضع المادي هو العقبة فيما لو فكرنا ببدائل أخرى، إلا أن افتقار العاصمة إلى حدائق ومتنزهات تفي بالغرض يبقى عائقا آخر، ففي حين توجد حديقتان عامتان فقط في أمانة العاصمة صنعاء، وهو ما يجعل هاتين الحديقتين غير قادرتين على استقبال مئات اﻵلاف من سكان العاصمة، مما يجعل الذهاب إلى الحديقة العامة مجرد ضياع للوقت دون الحصول على أي ترفيه، إذ قد لا يجد الزائر للحديقة مكانا مناسبا للجلوس، فالمكان كله يكون مزدحما ولا يخلو من المضايقات نتيجة لذلك. شكلت الظروف المعيشية الصعبة عائقا أمام سكان العاصمة، حال دون السفر لقضاء إجازة العيد، وفي الوقت نفسه وجد الناس أن الحدائق والمتنزهات هي الأخرى لم تكن مستعدة لاستقبالهم، فمنها ما دمره طيران العدوان في خضم مسلسل القصف والتدمير الذي طال الكثير من المنشآت العامة والخاصة والبنى التحتية، ومن ذلك ما طال منتجع فرح لاند، وحديقة السبعين وحديقة عطان ونادي ضباط القوات المسلحة، ونادي ضباط الشرطة… وغيرها من المنشآت الترفيهية، بالإضافة إلى عدد من المنشآت السياحية في محيط العاصمة، التي دمرها العدوان، والتي بلغت بحسب تصريح لمحافظ محافظة صنعاء 17 موقعا ومنشأة سياحية، أبرزها: حمام جارف ببلاد الروس، واستراحة شقروف في مناخه، وكهوف بلاد الروس، وحصن مرمر، واستراحة بوعان في بني مطر، واستراحة بني السياغ في الحيمة الداخلية، بالإضافة إلى تضرر أجزاء كبيرة من دار الحجر في مديرية همدان. ما أحدث دمارا هائلا في هذه المنشآت وجعلها تغلق أبوابها أمام المواطنين، بعد أن كانت تكتظ بالزوار في مثل هذه المناسبات.
زحام خانق.. وإهمال واضح
لم تقتصر اﻷضرار التي طالت منشآت الترفيه في العاصمة صنعاء جراء الظروف التي تمر بها البلاد منذ عام ونصف على ما دمره طيران العدوان منها، فما بقي منها هي الأخرى، ونتيجة للأوضاع التي خلفتها الحرب، لم تعد مؤهلة لاستقبال رواده من طالبي الترفيه. فقد بدت حديقة الثورة أشبه بسوق مركزي مزدحم، حيث ملأ الصخب والضوضاء المكان، ولم يعد الجو جو نزهة بالمطلق، فالطوابير الطويلة من الأطفال أمام كل لعبة على قلتها، كل ينتظر دوره لساعات، والعوائل لم تجد مكانا مناسبا تخلد فيه للهدوء والراحة، في ظل وضع بائس تشهده الحديقة من حيث النظافة والاعتناء بالأشجار وغيرها.
يقول علي حيدر، مواطن، والذي التقيناه في حديقة الثورة بالعاصمة صنعاء: لم تعد الحديقة مؤهلة للترفيه، فحالها كما ترى، أرض جرداء، بلا عشب ولا مسطحات خضراء ولا أشجار، بالإضافة إلى اﻷلعاب التي أكلها الصدأ، وكذا عدم النظافة، فالقمامة والمخلفات هنا في كل مكان.
تكثر المعيقات أمام المواطن اليمني، وتغيب الخيارات، في سبيل حصوله على إجازة مثالية من خلال فرصة الترفيه عن النفس والاستمتاع بوقت الإجازة التي نادرا ما يحصل عليها، ففي حين يشكو البعض من الكلفة الباهظة للسفر إلى مناطق أخرى لقضاء إجازة ممتعة، والتي يصعب على الكثير من الناس توفيرها، يشكو آخرون من عدم توفر المتنزهات المتنفسات والحدائق اللازمة في إطار المدينة الواحدة، فنظراً لعجز الحدائق والمتنفسات عن استقبال الكم الكبير من الزائرين، نتيجة للكثافة السكانية وقلة هذه المتنفسات، وأيضا عدم توفر خدمات مثالية وجاذبة في هذه الحدائق على قلتها، تنعدم الخيارات أمام الكثيرين، فيرضخون للأمر الواقع، المتمثل في البقاء في البيوت، والدفع بالأطفال إلى الشوارع لإشباع حاجتهم إلى اللعب كيفما اتفق.
مضايقات ومقايل
في حديقة السبعين تجسدت كل مظاهر السوء والمضايقات التي تطال الأسر والأطفال نظرا لتحول الحديقة إلى مقيل لمن هب ودب، فالمشاهد التي ترى أمام الزائر تجعله يحرم النزهة خوفاً على أطفاله من الضياع في هذا الزحام وخوفا على عائلته من عصابات النشل والمضايقات، وبهذه المظاهر السيئة لم يعد ما يغري المواطن بالتنزه في الحدائق العامة..
يقول المواطن علي عقبة: في الحقيقة ليس هناك ما يغري في حدائقنا لزيارتها أيام العيد أو غيرها من أيام الإجازات، بهدف التنزه، فالخدمات في الحدائق العامة شبه منعدمة، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فإننا إذا ما قارنا هذه الحدائق بالعدد الكبير من الزائرين لهذه الحدائق والمتنفسات التي لا تكاد تتسع للكم الكبير من الناس، فسنجد أن المواطن يفضل البقاء في بيته، وقضاء الإجازة بأي شكل كان، على الازدحام والتدافع وانعدام الخدمات في حدائقنا العامة، والمضايقات التي تطال الزائرين بعد أن تحولت الحدائق إلى مقايل مزعجة.. ويوافقه في الرأي المواطن علي الحاج، لكن أضاف على الزحام والمقايل والمضايقات ضرورات تنبه أمانة العاصمة إلى مسؤولياتها الأخلاقية والاجتماعية تجاه إعادة النظر -وبسرعة عاجلة – في القوانين واللوائح المنظمة للترفيه الاجتماعي والتنزه الأسري في الأعياد إن كان لدينا قوانين.. مطالبا أمانة العاصمة بضرورة سن قانون يمنع تعاطي القات في الحدائق العامة، فبدون ذلك فإن ظواهر المضايقات والنشالة ستزداد عاما بعد عام..
وأضاف الحاج: هذه المظاهر السيئة لا تعني في حقيقة الأمر عدم وجود أمن مدني واحترازات وتجهيزات فهناك نشاط شرطوي كبير وجهود غير عادية من قوات الأمن نساء ورجالاً، غير أن ذلك لا يكفي إذا لم تبادر أمانة العاصمة بإعادة النظر في لوائح وقوانين وأنظمة إدارة الحدائق والمتنزهات، والتحكم بالتدفق البشري وفق الطاقة الاستيعابية لكل حديقة، وإصدار قانون خاص يمنع تعاطي القات في الحدائق منعا باتاً..
تصوير/ فؤاد الحرازي