22 ألف منشأة خاصة وعامة تضررت وخطة حكومية للإعمار والتنمية


إعداد/أحمد الطيار –
تعتبر قضية صعدة واحدة من أهم القضايا التي أثرت سلبا على الاقتصاد الوطني على مدى الثمان سنوات الماضية فقد استنزفت موارد الدولة من جهة وعرضت عدداٍ كبيراٍ من مواطني محافظتي صعدة وعمران لخسائر فادحة في تجارتهم وإنتاجهم الزراعي والحيواني وزاد على ذلك الخسائر في الأرواح والممتلكات وأدت لموجة من النزوح لآلاف المواطنين عن قراهم ومنازلهم وتركهم لمصادر عيشهم بقوة السلاح.
ورغم الكثير من الأقاويل والدعايات السياسية عن قضية صعدة لطرفي الصراع فإن تأكيدات العقل والمنطق التي أشار إليها الحكماء والمحللون تؤكد أن قضية صعدة كانت في شقها الحربي صراع قوى خفية محلية ودولية انتهكت حرمة سنوات قادمة على أقل تقدير.

تؤطر قضية صعدة في أدبيات الدراسات الاقتصادية على أنها إحدى بؤر التوتر السياسي في اليمن واستنزفت جولاتها الست إمكانيات مادية كبيرة وخلفت وراءها دمارا كبيرا في مديريات المحافظة وما جاورها في عمران في مديرية حرف سفيان ومحافظة الجوف وحدود العاصمة صنعاء بني حشيش حتى كانت الجولة السادسة التي امتدت إلى الحدود اليمنية السعودية.

خسائر بالمليارات
يصنف الاقتصاديون الخسائر جراء الحروب الست في صعدة وما جاورها على أنها أسوأ ما تعرض له اليمن منذ قرون فهي عبثية في المقام الأول ولهذا كانت خسائرها محدقة بالجميع لكن المواطن كان الخاسر الأكبر فيها ويقول الدكتور محمد العلاية المختص بالقضايا الاستراتيجية في الاقتصاد الدولي إن اليمن تكبدت اليمن خسائر اقتصادية تجاوزت بليون دولار جراء الحروب الست في محافظة صعدة حسب ما يؤكد خبراء دوليون لتحليلهم للوضع الاقتصادي اليمن منذ 2004م مؤكدين أن حروب صعدة والتي بدأت في 2004م واستمرت سبع جولات حتى نهاية العام 2009م أثرت سلباٍ في الاقتصاد اليمني وقدرت الخسائر الأولية الناتجة منها بنحو 1100 مليون دولار.
ويشير الدكتور العلاية إلى اعتقادات جازمة لدى خبراء معاهد الدراسات في أوروبا وأمريكا أن الحروب تسببت في إحداث خسائر بشرية وأضرار مادية بالممتلكات الخاصة والمنشآت العامة والبنية التحتية في محافظة صعدة وبعض مديريات عمران بالذات وأدت إلى شل حركة التنمية وأضعفت بنية الاقتصاد هناك ما يعني تراجع المحافظة في مؤشرات التنمية عدة درجات بشكل خاص وهذا بدوره أثر سلبا على الاقتصاد الوطني من جهة لأن الحكومة اليمنية دفعت بجزء كبير من مواردها الاقتصادية ومقومات البنية التحتية لصالح العتاد الحربي والعسكري وهكذا أصيب الاقتصاد الوطني بالجمود وتعرضت قطاعاته الإنتاجية لشلل شبه تام تجاوزت الخسائر ما بين 200-300 مليار ريال.
يبرز التأثير الاقتصادي السلبي لحروب صعدة على الموطن اليمني في المقام الأول فهو الذي تحمل ويلات الحرب من جهة وهو الذي تضرر اقتصاديا من جهة أخرى وللعلم أن المواطن هنا يقصد به الإنسان اليمني ينما كان فضية الخسارة الاقتصادية للوطن يعني كل اليمنيين فالواقع الاقتصادي لليمن ليس بالصلب الذي يمكنه من مواجهة الأزمات الكبيرة دون خسارة ولذا فهذه القضية كانت سببا في انحدار مؤشرات الحالة الاقتصادية وتضاعف الوضع المتردي معيشيا نتيجة ما تكبد المواطنون من خسائر وتبعات وتكاليف مالية ومادية ومعنوية عليه وعلى الدولة.

الإنتاج الزراعي
تعرض الاقتصاد الوطني لخسارة كبيرة في الإنتاج الزراعي نتيجة انخفاض الإنتاج من المحاصيل الزراعية والفواكه التي كانت صعدة مورداٍ كبيراٍ لها لأن كثيراٍ من المناطق الزراعية كانت مسرحا للحرب ويؤكد مدير مكتب الزراعة بصعدة أن الحروب الست ترتب عليها خراب ودمار وخسائر مباشرة استهدفت الشجر والحجر كالبساتين والأراضي الزراعية والمزارع الكبيرة التي تنتج وتشتهر بها محافظة صعدة من فواكه وخضروات فضلاٍ عن الحبوب والمحاصيل الزراعية المتنوعة الأخرى وتربية النحل وأدت لأضرار في البنية التحتية الزراعية مع أضرار البنية التحتية العامة كالمنازل والمنشآت الخدمية الحكومية والتجهيزات الفنية داخل البساتين من مضخات وشبكات المياه والري ووسائل النقل والإنتاج بحسب المناطق التي يتواجد الحرب وقد لحقت تلك الأضرار أيضاٍ بمواسم جني وبيع ثمار الفاكهة التي تمتاز وتشتهر بها محافظة صعدة.
تداعيات
أدت تداعيات الأحداث في صعدة حسب ما يشير الاقتصاديون إلى تأثيرات سلبية بشكل بالغ على الاقتصاد الوطني وخاصة على القطاع السياحي فهذا القطاع لفظ أنفاسه الأخيرة جراء حوادث الاختطافات التي تسببت في انتكاسات وأضرار اقتصادية تعرض لها هذا القطاع الحيوي خلال السنوات الخمس عشرة الماضية وخيمت حرب صعدة عليه بظلال قاتمة جعلت اليمن من وجهة نظر السياح غير مؤهلة لجذبهم من بلدانهم.

توتر
يجزم الاقتصاديون أن وجود قوى خارجية تحارب الاقتصاد اليمني كانت وراء عدم الاستقرار في اليمن والعمل على خلق التوترات بصورة مستمرة منذ العام 2004م من خلال الاختطافات والعمليات الإرهابية وتعتبر حرب صعدة جزءاٍ من هذا التكتيك الاستراتيجي للقوى المعادية لليمن ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور علي الوظاف عميد كلية المجتمع بعبس إن الأعمال الإجرامية والتخريبية التي تعرض لها اليمن على مدى العشر السنوات الماضية كانت تدار وفقا لأجندات دولية فحمى التهريب في الحدود وازدياد حركة التجارة المشبوهة أثمرت عصابات دولية خلقت بؤرة توتر مزمن في اليمن تهدف إلى إعطاء انطباع لدى المستثمرين بأن اليمن ليست من الدول ذات البيئة المستقرة الجاذبة للاستثمار.
مع اختتام العام 2012م وبعد التأكيد على أن التغيير في اليمن قد بدأ تؤكد الدولة أنها لن تقف متفرجة على الأوضاع والخسائر الاقتصادية التي لحقت بالأهالي في محافظة صعدة وما جاورها فحكومة الوفاق أكدت التزامها بإعمار صعدة ولهذا يواصل صندوق إعمار محافظة صعدة تنفيذ عمله للعام 2013 م ضمن خطة طموحة تستغرق عشر سنوات.

صندوق الإعمار
تم إنشاء الصندوق بالقرار الجمهوري رقم 130 لعام 2007م بهدف حصر الأضرار الناتجة عن الحروب المتكررة في محافظة صعده وإعادة الإعمار للمنشآت الخاصة والعامة المتضررة بالتنسيق مع السلطة المحلية وتم إعداد آليات فنية لعمل الصندوق تتسم بالشفافية والحيادية والتعامل مع جميع المتضررين بدون تمييز أو محاباة وتم إقرارها من مجلس إدارة الصندوق وباشر الصندوق مهامه في حصر الأضرار في شهر أغسطس 2008م بعد توقف الحرب الخامسة وخلال خمسة أشهر كان قد تم حصر 9730 منشأة خاصة وعامة متضررة في بعض مديريات محافظة صعدة بالإضافة إلى مديرية حرف سفيان محافظة عمران ومديرية بني حشيش محافظة صنعاء.
في يناير 2009م باشر الصندوق مهامه في إعادة إعمار المنازل والمزارع الخاصة المتضررة بطريقة البناء الذاتي وفيها يتم حصر الأضرار وحساب الكميات اللازمة لإعادة الإعمار أو الترميم وتسعيرها بأسعار تشمل تكلفة المواد والعمالة ومن ثم يتم توقيع عقد مع المالك يقوم بموجبه بترميم أو إعادة إعمار منزله أو تأهيل مزرعته وتدفع له المبالغ على دفعات حسب نسب الإنجاز وفي الأخير يوقع المستفيد إقرارا بإنجاز العمل واستلام جميع مستحقاته وبهذه الطريقة تم إنجاز العمل في عدد 1400 منزل و150 مزرعة بالإضافة إلى إعادة إعمار 60 منشأة عامة شملت المدارس والوحدات الصحية والمكاتب الحكومية والمجمعات في بعض المناطق المتضررة في مديريات سحار والصفراء ورازح وقطابر بمحافظة صعدة وبني حشيش محافظة صنعاء وتوقف العمل في محافظة صعدة أثناء الحرب السادسة وبعد توقف الحرب في فبراير 2010م عاود الصندوق نشاطه في مسارين الأول ويتمثل في حصر الأضرار الناتجة عن الحرب السادسة والتي شملت جميع مديريات محافظة صعدة ما عدا مديرية واحدة بالإضافة إلى مديرية حرف سفيان محافظة عمران وكانت الأضرار شاملة وكبيرة ونزح أكثر من نصف سكان المحافظة أثناء الحرب السادسة وما تم حصره حتى الآن وصل إلى أكثر من اثنين وعشرين ألف منشأة متضررة حسب تقريرها المعد بذلك.
والثاني يتضمن إعادة الإعمار في المناطق التي توقف العمل فيها أثناء الحرب السادسة في محافظة صعده واستكمال الأعمال في إعادة إعمار المنشآت الخاصة والعامة في مديرية بني حشيش.

خطة منظمة
في نهاية العام 2012م اقر مجلس إدارة الصندوق خطة عمل للعام 2013م التي شملت إعادة إعمار وترميم 6326 منزلا في جميع المديريات المتضررة 850 مزرعة في ثلاث مديريات هي سحار والصفراء ومجز بالإضافة إلى إعادة إعمار وترميم 276 منشأة عامة واستكمال حصر الأضرار في المناطق التي لم تتمكن فرق الحصر من دخولها من قبل وكذا استكمال الحصر في مديرية حرف سفيان وأقر مجلس الإدارة موازنة الصندوق البالغة 10,600,795,709 ريالات وباشر العمل في مديريات صعدة – الصفراء – سحار – وبلغ إجمالي المنازل الجاري العمل فيها من الخطة 2087 منزلاٍ بالإضافة إلى 477 مزرعة كمرحلة أولى كما تم تجهيز وثائق إعادة إعمار وترميم 120 منشأة عامة وسيتم الإعلان عن مناقصاتها قريباٍ والعمل يسير وفق البرامج الزمنية وبتنسيق كامل مع الأخ محافظ المحافظة والمجالس المحلية في المديريات المستهدفة وبتعاون جميع فئات المجتمع في المناطق المتضررة.

عوائق وآمال
يشير الصندوق لوجود جملة من العوائق التي تواجه الصندوق وتتركز في الحجم الكبير للأضرار واتساع المناطق المتضررة وصعوبة الوصول إلى كثير منها وقلة التمويلات والتكلفة الكبيرة لإعادة الإعمار فجميع التمويلات التي حصل عليها الصندوق حتى الآن من الموازنة العامة للدولة بالإضافة إلى مليون ومائتي ألف دولار منحة من البنك الإسلامي للتنمية على أمل تخصيص مبالغ كافية من تمويلات المانحين لتنفيذ برامج إعادة الإعمار وكذا الخطة التنموية الشاملة لمحافظة صعدة.
يأمل صندوق إعادة إعمار صعدة أن يخرج مؤتمر الحوار الوطني بحلول شاملة وعادلة لجميع الإشكاليات التي تعيق عودة النازحين إلى مناطقهم وتطبيع الأوضاع بما يكفل من إستكمال برامج إعادة الإعمار وتنفيذ خطة تنموية شاملة للنهوض بالمحافظة وحل الخلافات والتباينات بالحوار والتفاهم.

قد يعجبك ايضا