صعدة.. الحرب العبثية


كتب/حمدي دوبلة –

لم تشهد اليمن في تاريخها المعاصر وربما عبر التاريخ مطلقاٍ حرباٍ عبثية غامضة الأسباب ومبهمة الأهداف كتلك التي جرت في صعدة من خلال ست جولات دامية أتت على الأخضر واليابس وخلفت خسائر فادحة بات لزاماٍ على أبناء الشعب تحمل تبعاتها وأوزارها لعقود طويلة..

إنها حرب صعدة أو ما عرفت خلال الـ10 السنوات الماضية بمواجهة الحوثيين في شمال البلاد والبداية كانت منتصف العام 2004م حين اندلعت المعارك ولم تتوقف إلا بعد 3 أشهر بعد أن خلفت خسائر كبيرة في صفوف قوات الجيش ومناصري الحوثي وكلاهما من أبناء هذا الشعب الذي وجد نفسه يدفع ثمناٍ باهظاٍ من خيرة أبنائه في حرب هي الأكثر غرابة في تاريخ الحروب والمواجهات بين أبناء البشر لتتوالى بعد ذلك جولات هذه المعركة العبثية لتندلع الجولة الثانية في مارس من العام 2005م وتستمر شهرين قبل أن تستأنف الحرب في جولتها الثالثة في آواخر العام 2005م وحتى بداية العام 2006م لتأتي بعد ذلك الجولة الرابعة والتي كانت أطول من سابقاتها حيث انطلقت في فبراير من العام 2007م واستمرت لنحو خمسة أشهر وعلى الرغم من إعلان وقفها في يوليو من العام نفسه إلا أن المواجهات غير المعلنة استمرت بشكل متقطع حتى استأنفت الحرب مجدداٍ في جولتها الخامسة في مارس من العام 2008م لتتواصل حتى يوليو في نفس السنة حيث توقفت مؤقتاٍ حتى اندلاع الجولة السادسة والأخيرة من هذه الحرب في أغسطس من العام 2009م.

خسائر وأضرار
ليس من المبالغة القول بأن الخسائر الناجمة عن حرب صعدة والتي خاض غمارها الوطن اليمني دون طائل على مدى عقد من الزمان كانت الأفدح على المستوى البشري والمادي فقد سقط في هذه المواجهات يمنيون من جميع محافظات الوطن وليس من المبالغة التأكيد بأنه لم تبق منطقة في أرجاء البلاد إلا وقدمت نصيباٍ من دماء شبابها ورجالها في هذه الحرب..
وإذا كانت المعلومة الرسمية والحقيقية ما تزال الغائب الأبرز في هذه المواجهات الطويلة نظراٍ للغموض والتعتيم الذي اتسمت به المعارك طيلة هذه الفترة فإن من المؤكد كما يقول المحللون والمتابعون للشأن اليمني أن الآلاف من الجنود والمواطنين في صعدة وغيرها من المناطق المتاخمة التي امتدت إليها نيران المواجهات قد سقطوا بالفعل في الحرب التي لم تستثن حتى الأطفال والنساء والشيوخ ناهيك عن تشرد مئات الآلاف من السكان عن منازلهم.. ويقدر مسؤولو الوحدة التنفيذية للإشراف على مخيمات النازحين أعداد من فقدوا مساكنهم بمئات الآلاف ممن باتوا يعيشون ظروفاٍ إنسانية صعبة.
وتؤكد الوحدة التنفيذية بأن أعداد المسجلين لديها من ضحايا حرب صعدة بأكثر من 365 ألف شخص وهؤلاء من تشملهم المساعدات الغذائية والإيوائية التي تقدمها الوحدة لهؤلاء المتضررين النازحين من صعدة وبعض المناطق المجاورة والمتأثرة بالصراع..
ويقول أحمد الكحلاني رئيس الوحدة التنفيذية المشرفة على مخيمات النازحين بأن هناك أعداداٍ كبيرة من المتضررين الذين لم يتم تسجيلهم ضمن كشوفات الوحدة.

الدمار الشامل
الأضرار التي أسفرت عنها حرب صعدة في جولاتها الست لم تتوقف عند الخسائر البشرية والمادية بل امتدت لتشمل كافة مرافق الحياة فدمرت المنازل والأحياء السكنية وخربت المرافق الخدمية العامة وهدمت الجوامع والمدارس وتعرضت الأراضي الزراعية الشاسعة لخراب واسع أدى إلى وقوع المزارعين في دوامة الخسائر المتلاحقة ليصاب القطاع الزراعي الذي يعد من أكثر الموارد الطبيعية للمحافظة بالشلل التام الأمر الذي أثر بصورة مباشرة على الأوضاع المعيشية للمزارعين وعلى الاقتصاد الوطني عموماٍ.
وبالرغم من مرور نحو عشر سنوات على هذه الحرب العبثية إلا أن الأرقام والإحصائيات الدقيقة عن حجم الخسائر والأضرار التي خلفتها ما تزال غائبة كما أن الجهود الخاصة بإعادة الإعمار وترميم البنى التحتية المدمرة لا تزال بطيئة ولا تتواءم مع حجم وفداحة الكارثة التي حلت بمواطني هذه المحافظة التي تعتبر بوابة اليمن الشمالية ورمزاٍ علمياٍ ودينياٍ وتراثياٍ لليمن بأسره.

الحوار الوطني
مؤتمر الحوار الوطني الذي انطلقت فعالياته الواعدة في الـ18 من مارس المنصرم أعطى حيزاٍ رئيسياٍ لقضية صعدة وجعل إزالة التوتر الأمني في المحافظة ومعالجة أسبابه أحد أهدافه الرئيسية.
ويعول أبناء صعدة ومعهم جميع اليمنيين كثيراٍ على نتائج مؤتمر الحوار ومخرجاته المنتظرة في معالجة القضية بصورة جذرية ولملمة الجروح النازفة وإعادة هذه المحافظة الواقعة على بعد 234 كيلو متراٍ شمال صنعاء وعلى مساحة تزيد عن 11 ألف كيلو مربع إلى مكانتها الطبيعية وإعادة البسمة المهاجرة من شفاه أكثر من 700 ألف نسمة عدد سكان هذه المحافظة الشهيرة بماثرها التاريخية ومنتجاتها الزراعية الرائجة.

قد يعجبك ايضا