اسلام ابو العز
تشهد المنطقة مناخا من التكامل والتعاون بكافة أوجهه السياسية والاقتصادية والعسكرية بين دول عربية وإسرائيل، والذي وصل في الشهور الأخيرة إلى تلاقي سياسي عبر جامعة الدول العربية، متمثلا في قراراتها الأخيرة المتعلقة بتصنيف “حزب الله” اللبناني كمنظمة إرهابية، والذي يأتي في إطار سياسات التقارب والتكامل بين الكيان الصهيوني البادئ منذ أكثر من ثلاث سنوات بتوصيات استراتيجية تهدف إلى خلق مجالات تعاون استراتيجي تدمج تل أبيب في المنطقة بدافع من التصدي لخطر مشترك بينها وبين عواصم خليجية متمثل في إيران، بالإضافة لتعويض الغطاء السياسي والعسكري الأميركي في ظل التغييرات العاصفة التي تشهدها المنطقة المشتعلة من خمس سنوات، وفي سبيل تحقيق ذلك أصبح من الطبيعي أن تتواتر المبادرات وقنوات التعاون وإقامة العلاقات بين إسرائيل ودول عربية بخلاف مصر والأردن، بشكل موسع وعلني وعلى مستويات مختلفة، بل وتشجيع بعض من هذه الدول غير المُطبعة رسمياً مع إسرائيل وتحديداً السعودية، إلى توسيع وتعميق العلاقات بين القاهرة وعمان من جهة وبين تل أبيب، كإدارة غير مباشرة تهدف إلى تكامل سياسي شامل بين الدول العربية وإسرائيل لن ينتظر حتى تسوية شاملة مرتقبة للقضية الفلسطينية وقبول ساسة الكيان الصهيوني بالمبادرة السعودية التي باتت تعرف بـ”المبادرة العربية للسلام” من عام 2005م.
وبينما تقوم السعودية بقيادة هذا المسعى سياسياً فإن اللاعب المهم خلف الكواليس هو دولة الإمارات، التي لا تتفق فقط مع الرياض في الاستراتيجية سابقة الذكر، ولكن تتفوق عليها في مجالات التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، إلى الحد الذي أضحت فيه أبو ظبي أو عاصمة عربية بين دول مجلس التعاون الخليجي التي تستضيف ممثلية دبلوماسية للحكومة الإسرائيلية على أراضيها، وهي بذلك تتفوق حتى على قطر التي قطعت شوطاً في التعامل مع إسرائيل منذ سنوات، وإن بقى ضمن حدود التعاون الثنائي الغير ملزم لباقي دول مجلس التعاون وباقي الدول العربية، وهو على عكس ما تسعى إليه الرياض وأبو ظبي في اللحظة التاريخية الآنية والمتمثل في تعميمه على كافة الدول العربية. وفي هذا السياق يقول التقرير السنوي لمركز الخليج لتنمية الدراسات أن “الإمارات تتصدر قائمة الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل متفوقة حتى على كل من الأردن ومصر”، وهو ما يؤيده الباحث والخبير في الشئون الخليجية ومدير برنامج سياسات الخليج في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون في مقال له أواخر العام الماضي عن العلاقات الخليجية- الإسرائيلية ” إذا نحينا اغتيال المبحوح جانباً، فإن أوثق العلاقات الإسرائيلية في منطقة الخليج هي مع دولة الإمارات العربية المتحدة”، ويرى هندرسون أن هذه العلاقات لا تنحصر فقط في تنمية العلاقات الاقتصادية بين الدولتين ولكن بتعميمها على مستوى معظم الدول الخليجية والعربية. وتحقق ذلك تم عن طريق شراكات تجارية واقتصادية وإعلامية عابرة للحدود يُشرف عليها مسؤولين في أبو ظبي على رأسهم، محمد دحلان، الذي يشغل رسمياً منصب المستشار الأمني والسياسي لولي عهد أبو ظبي، والذي ورد أسمه في تحقيقات صحفية عن دور الإمارات وأموالها في شراء عقارات وأراضي في القدس وبيعها إلى مستوطنين صهاينة.
ويمكن اعتبار عام 2010م كان بداية لتمثيل إسرائيل في فعاليات رسمية في الإمارات كان أولها مؤتمر للوكالة الدولية للطاقة المتجددة “ايرينا” أقيم في أبو ظبي بتمثيل إسرائيلي رسمي من قِبل وزير البنية التحتية آنذاك، عوزي لانداو، تبعه في ذلك عام 2013م زيارة في نفس الإطار عام 2013م، وما لبس أن توج هذا المسار بافتتاح ممثلية دبلوماسية تابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية في أبو ظبي في نوفمبر من العام الماضي. وفي هذا السياق نشر موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية مؤخراً خبراً عن حصول شركة إسرائيلية عاملة في مجال المياه والري تدعى “ديسالتيك” على جائزة في مؤتمر عُقد في أبو ظبي منذ أيام. وجدير بالذكر أن مجالي المياه والطاقة المتجددة استحوذا علي جانب كبير في التعاون المُعلن بين إسرائيل والإمارات، وذلك على مستوى الشراكة بين حكومات البلدين وليس على مستوى الأعمال الخاصة.
ويأتي السابق على الرغم من حظر الإمارات “رسمياً” دخول أراضيها لمن يحمل جواز سفر إسرائيلي، إلا أن زيارات من مسؤولين إسرائيليين تمت تحت غطاء “إيرينا”، التي رأى البعض أن اختصاص مقرها في أبو ظبي أتى كفرصة للتواصل بين إسرائيل والإمارات، حتى يتثنى للأولى أن يكون لها تواجد علني ورسمي في الثانية دون الحاجة إلى مزيد من السرية التي لم تعد مناسبة للطرفين، خاصة وأن كون إسرائيل عضو في “إيرينا” فإن ذلك يمنحها تمثيل في الوكالة في مقرها بأبو ظبي، التي أيدت تل أبيب أن تكون مقر للوكالة عوضاً عن ألمانيا قبل ستة أعوام، لتبدأ في 2010م كسر الحظر الإماراتي الرسمي والمعلن، بزيارة وزير البنية التحتية آنذاك عوزي لانداو لأبوظبي للمشاركة في المؤتمر الدوري للوكالة، ليسجل أول زيارة رسمية لمسؤول إسرائيلي للإمارات، أعقبها بأسابيع حادثة اغتيال القيادي في حركة حماس، محمود المبحوح في أبو ظبي على يد الموساد الإسرائيلي.
وتشير صحيفة “هآرتس” في تقرير لها في نوفمبر من العام الماضي، إلى أن الدبلوماسي الإسرائيلي، دوري جولد، الموكل رسمياً بإدارة العلاقات الدبلوماسية بين تل أبيب والدول الخليجية، زار أبو ظبي ومكث فيها ثلاثة أيام تحت غطاء المشاركة في اجتماع لـ”إيرينا”، وأن الهدف الحقيقي للزيارة هو مناقشة وترتيب فتح ممثلية دبلوماسية رسمية لإسرائيل في الإمارات، ونقلت الصحيفة عن مسئول إسرائيلي قوله إنه تم تعيين دبلوماسي إسرائيلي يدعى رامي حتِّان كرئيس للممثلية الدبلوماسية في الإمارات. ولا يقتصر التعاون بين الإمارات وإسرائيل على المستوى الثنائي فقط، بل دعم الأولى للأخيرة في المحافل الدولية، حيث صوتت الإمارات بجانب مصر العام الماضي بالموافقة على عضوية إسرائيل في لجنة استخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية” التابعة للأمم المتحدة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فإن التعاون الاقتصادي بين إسرائيل والإمارات يعد الأكبر دون سواه بين تل أبيب وأي من الدول العربية بما فيها مصر والأردن، وليس فقط على مستوى شراكات رؤس الأموال العابرة للجنسيات، ولكن حتى على المستوى الحكومي في مجالات الطاقة والري والأغذية وصناعة الدواء، وهي شراكات تصل لمستويات المسئولين رفيعي المستوى في أبو ظبي، فعلى سبيل المثال لا الحصر كُشف منذ أيام عن كون شركة يمتلك الحصة الأكبر من أسهمها الشيخ منصور بن زايد شقيق رئيس الإمارات تعد المورد الأكبر للحوم لإسرائيل.
وعلى الصعيد الأمني والعسكري، فلا يخفي على أحد دور الإمارات في التنسيق الأمني مع إسرائيل والذي أودى بحياة أحد قادة القسام، محمود المبحوح عام 2010م، والذي سربت السلطات الأمنية في الإمارات تواجده هناك للإسرائيليين الذي استغلوا هذه المعلومة للقيام باغتياله عبر دخول عناصر من الموساد إلى اراضيها بجوازات سفر مزورة، وقبل هذا الكشف عن فشل صفقة عسكرية للطائرات بدون طيار بين تل أبيب وأبو ظبي، وأخيراً العام الماضي وتصريح وزير الخارجية البحريني خالد بن محمد آل خليفة عن عزم دول مجلس التعاون الخليجي شراء منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، بالإضافة إلى التعاون بين الدولتين في نقل أفراد يمنيين من الطائفة اليمنية إلى إسرائيل قبل ثلاثة أشهر، وذلك عبر نقلهم إلى الإمارات التي تتولى دوراً رئيسي في العمليات العسكرية الأرضية في اليمن إلى تل أبيب، عبر خط طيران سري قد دشن قبل عامين بحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، التي ذكرت في ديسمبر 2014م تفاصيل عن هذا الخط الجوي السري وأفق استخداماته.
وفيما تتجه الأنظار إلى تسوية مرتقبة للسلام “الشامل الدافئ” بين دول عربية وإسرائيل، فإنه بات من الأكيد أن الإمارات سيكون لها دوراً هاماً في ضبط وإدارة العلاقات العربية-الإسرائيلية، ليس فقط كونها أكثر الدول العربية تطبيعاً في كافة المجالات مع إسرائيل، ولكن كونها على المستوى السياسي صاحبة رؤية وباع ومقدرة على تعميمها على مستويات عدة وخاصة تجذيرها على مستوى الشعوب. والسؤال الذي يفرض نفسه الأن ليس متعلق فقط بالمدى الزمني الذي ستصبح فيه علاقات الإمارات بإسرائيل رسمية ومعلنة، ولكن عن كيفية انعكاس هذا الأمر وتأثيره على ملفات مهمة على رأسها القضية الفلسطينية.
* نقلاً عن موقع البديل المصري