عبدالله بجاش
في هذه الأيام الرمضانية المباركة يجب علينا جميعا أن نبتهل إلى الله سبحانه وتعالى بأن يفيض على بلادنا من فيض رحمته وأن يحفظها من كل مكروه ببركة هذا الشهر الفضيل .. فالله عز وجل فرض على عباده المسلمين صوم رمضان لا ليعذبهم بالجوع والعطش والامتناع عن أداء الغريزة ( … ) بل ليسمو بأرواحهم إلى أقصى حد ويرتقي بمشاعرهم إلى أبعد غاية ويدفع بأغنيائهم إلى الإحساس بما عليه فقرائهم ويذكرهم بما عليه مريضهم وقويهم وضعفيهم وكذا ليجد الإنسان فرصة قوية لتدريب نفسه على السلوك الصحيح، فيبني ما تهدم ويعدّل ما مال ويقوّم ما اعوج وانكسر وإن كان من ذوي الغضب السريع فعليه أن يدرب نفسه على الصبر والتريُّث وإن كان من محبي النميمة والجدل فليعلم نفسه السكوت الحكيم الذي هو من ذهب وليتعود على أن يقول خيراً أو ليصمت وأن كان من المنساقين بعمى وقلة بصيرة وراء غرائزه فليقوي ذاته في مواجهة شهواته ولا يرهن نفسه لخدمة جسمه وليدرك أنه بالنفس لا بالجسم إنسان.
وفى كل الأحوال يعطينا رمضان فرصة لتجديد حياتنا، وليصبح كل واحد منا، إن صدقت عزيمته وسلمت نيته، إنساناً جديداً، لا يعبد الله على حرف، ولا يكتفي من الدين بطقوسه وقشوره، بل يتعمق في جوهره الأصيل وحكمته العميقة، ليصبح بحق المسلم الذي تنطبق عليه الآية الكريمة ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) ويعد المسلم الذي يباهي به الرسول الأمم يوم القيامة، وليس المسلم الذي لا يمثل سوى قطرة ضائعة في سيل من العرم.
ومن الملاحظ أن ما يجري في الواقع شيء غريب، فمعظم الناس في بلادنا وغير بلادنا حوّلوا رمضان إلى شهر للراحة وفي نفس الوقت إلى كسل وتناسوا أن الصحابة خاضوا معركة / بدر/ في رمضان وصلاح الدين هزم الصليبيين في رمضان .. كما حوّلوا رمضان إلى شهر للتسلية تتسابق فيه شاشات الفضائيات بالمسلسلات والأفلام والمسرحيات والإعلانات الترويجية للكماليات التافهة واللقاءات السطحية مع من هب ودب ليشمت كل من الأخر لدرجة أصبح الشهر الفضيل من العلامات المميزة لهذا العبث الإعلامي أكثر من علاماته الروحانية التي شرع الله من أجلها الصوم .. إلى ذلك فقد بات أكثر الناس يستهلكون برمضان أضعاف أضعاف ما يتناولون في الشهور التي تسبقه وتليه وحولوه من شهر الصوم إلى شهر للأكل مما أصبح لرمضان صورتان عند النسبة الغالبية .. صورة في النهار حيث الامتناع عن الأكل والشرب وغيره وصورة في الليل حيث يصبح الجسد سيداً، بخلاياه وغرائزه فتتوارى الروح في ركن من النسيان والإهمال.
هذا الفصام المزمن الذي طالما رصدته أقلام وعدسات الكاميرات أضر بصورة المسلمين إلى حد كبير، وجعلهم عبئاً على دينهم الذي ينطوي على قيم روحية سامية من دون أن يهمل الجسد لكن الخروج عن التوازن وتلك الوسطية يمنح للأدنى أولوية على الأعلى فتهمل المعاني الكبرى التي من أجلها شرع الله الصوم.