ن ..والقلم ..يا نفس ما تشتي !!
عبدالرحمن بجاش
أمس أو اليوم أو غدا, يا نفس ما تشتي, وهو يوم تقليدي صنعائي بامتياز, والحقيقة لا أدري على الأقل أنا شخصيا, كيف بدأ ومن رسخه في حياة الناس وبالذات النساء, لكنه على كل حال يظل يوما للفرح, وهو ما كان يلون نهارات صنعاء ولياليها, في تعز يفرح الناس استعدادا لاستقبال سيد الشهور رمضان, من جمعة رجب, حيث يتدفقون كالسيل إلى الجند في رحاب معاذ ابن جبل, يحتفلون في أول جمعة, تتجاوب صنعاء مع الأمر, فتتدفق النسوة إلى الأفران بالكعك, كان ينالني من الخير جانباً, فتمتلئ جيوبي كعكا, والجيب الأصغر زبيب ولوز .
كانت صنعاء تفرح من قلبها, وكانت تتفنن في اجتراح المناسبات, كما كنا ذات لحظة نختلق الأعذار من بينها الاحتفال بعيد الميلاد عشر مرات في موسكو مدينة الذهب .
تستطيع المدن أن تفرح, لم لا ؟ تكبر على جراحها, لم لا, فتبتهج الحديدة بالشعبانية, حيث على اضواء القمر تتوزع أكباش الفل إلى فوق الركب, تتجاوب معها تعز: (( يا مسا …..يا مسا الخير يا مسا …يا مسا…أسعد الله المسا )), يكون القمر قد تربع ناصفة على شمسان تتجاوب بالفرح مع حجه, يعلو الأذان من صعدة مرحبا بالصلاة ومقدم رمضان .
اليقين الذي ما بعده يقين أن مدننا ستعود رغم كل الليل إلى الفرحة, تلك حكمة الدنيا, وديدن الإنسان أن يتجاوز الجرح مهما كان عميقا, فينزف ياسمينا ونسيمات تلفح وجوه الذين يقاتلون من أجل الحياة .
يا نفس ما تشتي أحد وجوه الفرح, وصنعاء التاريخية حيث يحيي سرور تؤسس للفرح دائما أكبر دولة, فتتجمع النسوة بكل الألوان ابتهاجا, ويتجمع الرجال بانانيتهم المفرطة الدائمة قاتا يلوكونه خارج السور, لينتجوا كل حالات الاكتئاب, والاحباط, ولذلك يقررون دائما حروبهم وسط دخان دواوين القات .
يا نفس ما تشتي يجب ألا تنسينا حالة الفقر التي وصل إليها, بل وتجاوزها اناس كثيرون, وتكون المناسبة مدعاة لتذكر هؤلاء, وبالذات عزيزي النفوس, من يتسللون في الأهازيج الاخيرة من الليالي المظلمات إلى أقرب برميل للقمامة, ينبشون فضلات الاسراف !! .
جدير بنا هذا العام بالذات أن نحرص على كل حبة ارز, وتمر, وسكر, فنأخذ أقل ما يكفينا من حقنا, لنوفر للجار المحتاج ما ينقصه, فأي نفس يمكن أن ترضى بأن تصاب معدتها بالتخمة وجار قريب أو بعيد يتضور هو وأولاده جوعا .
ليتذكر الجميع أن رمضان ليس فرصة لملء البطون بكل أنواع الأكل, ليحلى السمر, بل هو صوم ليتذكر القادر غيره من لا يقدر, وإلا لا فائدة من الصيام .
تحاول مدننا أن تستعيد حالة الفرح بمقدم الشهر الكريم, لكن علينا أن نتذكر أن الفرحة لا تتم إلا متى ما أكل الجائع .
لله الأمر من قبل ومن بعد .