القوة الثالثة!!

عبد الله الأحمدي

كان مفهوم القوة الثالثة في نهاية الستينيات على أولئك النفر الذين لا يؤيدون إحدى القوتين المتصارعتين؛ الملكيون والجمهوريون. وكان موقفها بالتأكيد سلبياً. ونستطيع القول أنهم كانوا بدون موقف، بل وترجح كفة موقفهم باتجاه قوى القديم. اليوم في خضم هذه الحرب، وهذا العدوان كم نحن محتاجون إلى قوة ثالثة تقف على النقيض من القوتين المتصارعتين، بما يمكن الوطن من الخروج من هذه المحنة. معلوم أن الحرب تدور بين قوى الماضي التقليدية، والطائفية. من الدينيين والعسكر، والمشايخ، وهناك من يستقوي بالأجنبي. وإذا كانت القوى التقليدية هي من تشكل المشهد، فأين قوى الحداثة؟!.
أنا واحد من الذين كانوا يرون أن تشكل قوى الحداثة الموقف النقيض لما يجري في الواقع من قبل القوى أتقليدية. في البدء كان هناك بصيص أمل من الأحزاب التي قدمت موقفا ضد الحرب والعدوان، لكن هذا الموقف سرعان ما تلاشى، وخطفت القوى التقليدية أحزاب الحداثة إلى معمعة الحرب. كنا نحبذ أن تشكل أحزاب اليسار والقوميين والماركسيين، ومن يعادون الحروب قوة ثالثة، تقدم برنامجاً للإنقاذ الوطني، برؤية إحداثية تحمل في طياتها هموم وطموحات الناس في بناء دولة مدنية ديمقراطية، لكن هؤلاء الحداثيين ضاعوا في معمعة الحرب، ولم يستطيعوا تمييز أنفسهم في موقف واضح، بل أن الكثير منهم انخرط في الحرب معبرا عن موقف هذا، أو ذاك من قوى الحرب والصراع،ليس هذا فقط، بيد أن الكثير من الحداثيين سلموا مواقعهم للقوى التقليدية التي تخوض الحرب، بل وحدث تشرذم لأحزاب كانت تدعي الحداثة، وتقف ضد الحرب. اليوم المشهد يكاد يكون تقليديا ماضويا، تسيطر عليه قوى في بعض المواقع كانت إلى ما قبل الحرب تعتبر منبوذة اجتماعيا، ورسميا؛ مثل القاعدة وداعش، لتي أصبحت لاعباً مهماً في بعض المحافظات، فارضة تواجدها بالقوة، تارة باسم المقاومة، وأخرى باسم الشرعية. قوى الحداثة هي الخاسر الأكبر، وسوف تخرج من المولد بلا حمص _ كما يقال_ معروف أن القوى التقليدية لا تعترف بأحد، ولا تقبل بالآخر، بل أن بعضها يكفر الآخر ، ويستبيح حقه في الحياة. لقد بدأت بوادر الإقصاء تتجسد على الواقع بما حدث من انقلاب على محافظ الجوف من الجماعات الدينية. وجود قوى ثالثة كان كفيلا بقلب الموازين، أو على الأقل بتيجاد بعض التوازنات في الحراك السياسي. المؤمل من قوى الحداثة أن تعيد النظر في موقفها على ضوء ما يحدث على الأرض من تفاعلات، ذلك ما نراه، والعاقبة للمتقين.

قد يعجبك ايضا