هدير محمود *
لم يتوقف التقارب الخليجي الإسرائيلي عند حدود تطوير العلاقات السياسية والعسكرية وتبادل الزيارات، بل تخطى ذلك ليصل إلى الوقوف إلى جانب الكيان فيما يخص القضية الفلسطينية. فبعد أن كان تسليم جزء من الأرض أو التنازل عنها أمرًا غير وارد وغير قابل للنقاش، أصبح الآن مطروحًا على الطاولة؛ في سبيل تعزيز هذه الدول مصالحها مع الكيان الصهيوني على حساب القضية الفلسطينية.
خطوة سعودية جديدة باتجاه الاحتلال
ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن جهات دولية نقلت مؤخرًا رسائل لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تفيد بأن “الدول المعتدلة” في المنطقة معنية بتغيير تعاطيها مع إسرائيل. وبحسب موقع القناة العاشرة الإسرائيلية، فإن هذه الدول وبينها السعودية ودول الخليج مستعدة للنقاش بتغييرات في مبادرة السلام العربية بشأن قضيتي الجولان السوري المحتل واللاجئين الفلسطينيين، إضافة لتعديل الحدود بشكل يشمل الإقرار بشرعية المستوطنات وتهويد القدس.
وفي ذات الإطار أفادت القناة العاشرة بأن هذه الرسائل نقلتها السعودية وبعض الدول الخليجية إلى الإسرائيليين عبر مبعوثين دوليين، منهم رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، وشملت الرسائل أن الدول العربية المعنية تنتظر ردًّا إسرائيليًّا رسميًّا على اقتراح التعديل، خاصة فيما يتعلق بإعادة هضبة الجولان وحق العودة المنصوص عليه في “مبادرة السلام العربية”. وذكرت القناة العاشرة أن مباحثات التعديل ستنطلق بقيادة مصرية فور حصول الدول العربية المذكورة على رد إسرائيل.
إحياء مبادرة السلام العربية
الاقتراح السعودي أعاد ما يسمى بمبادرة “السلام العربية” إلى الواجهة، وهي المبادرة التي اقترحتها المملكة العربية السعودية، ونالت موافقة الجامعة العربية عامي 2002م و2007م، وتهدف إلى الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967م، مع إمكانية تبادل الأراضي المتفق عليها بين الجانبين، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، مع حل عادل ومتفق عليه تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفقًا لقرار الأمم المتحدة رقم 194، وفي المقابل تقوم الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ مما يعزز شرعيتها دوليًّا.
لاقت هذه المبادرة رفضًا إسرائيليًّا في التعامل معها؛ كونها “غير مفيدة” حسب الرد الصهيوني حينها، وتفتقد للتفاصيل والآليات لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو ما جعلها تظل داخل أدراج جامعة الدول العربية طوال الـ14 عامًا الماضية؛ لتخرج المملكة السعودية اليوم بدعوة جديدة لتعديلها بدلًا من إلغائها، والمطالبة بالاعتراف الإسرائيلي بالحقوق الفلسطينية.
ترحيب إسرائيلي وتخوف فلسطيني
الأنباء عن تعديل المبادرة العربية لاقت ترحيبًا من الجانب الإسرائيلي؛ كونها تخدم مصالحه في المنطقة من خلال إقامة علاقات رسمية مع دول عربية كبيرة، إضافة إلى الضغط على هذه الدول لكسب الاعتراف بالكيان الصهيوني، لكن في المقابل هناك تخوف بالشارع الفلسطيني من هذه المبادرة التي رأى فيها العديد من الفلسطينيين تنازلًا مؤكدًا وتفريطًا في الحقوق، فهم يعتبرون البنود التي طرحت في مبادرة السلام العربية أساسيات لا يمكن التفريط فيها ولا حتى التنازل عنها، معتبرين أن أي تعديل في المبادرة سيمثل تنازلًا عن حقوقهم لإرضاء إسرائيل، تحت ذريعة تحريك عملية السلام والمفاوضات في المنطقة.
وفي هذا السياق قال القيادي في حركة حماس والنائب في المجلس التشريعي، فتحي القرعاوي، إن التوجه العربي الجديد لتعديل مبادرة السلام العربية مثير للقلق والتخوف، حول الرؤية العربية الجديدة التي ستحدد الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، وأضاف: أعتقد أن التعديلات التي ستجري على المبادرة لن تكون في صالح الفلسطينيين، بل ستصب في مجملها لصالح دولة الكيان، كون المبادرة لها 14 عامًا ساكنة، والرفض الإسرائيلي أصابها بالشلل التام.
التطبيع السعودي الصهيوني على قدم وساق
الأنباء عن اقتراح سعودي لتعديل مبادرة السلام العربية لم يفاجئ العديد من المراقبين والمتابعين لتطور العلاقات الخليجية، وخاصة السعودية الإسرائيلية، حيث شهدت الفترة الأخيرة تقاربًا كبيرًا في المواقف السياسية والعلاقات العسكرية والاستخباراتية بين دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية، وبين إسرائيل، وكان آخر دلائل هذا التقارب ما كشفت عنه وثيقة بنما المسربة، والتي أكدت تمويل الملك السعودي، سلمان بن عبدالعزيز، شخصيًّا للحملة الانتخابية الخاصة برئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ناهيك عن اللقاءات التي جمعت الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية، تركي الفيصل، ومستشار الأمن الإسرائيلي السابق، الجنرال يعقوب عميدور، في واشنطن مؤخرًا، ولقاء ولي ولي العهد السعودي، وزير الدفاع، محمد بن سلمان، مع رئيس الوزراء الصهيوني، بنيامين نتنياهو، في إبريل الماضي بالأردن.
ويأتي الحديث عن المبادرة اليوم في وقت من المفترض أن تتكاتف فيه الدول العربية ضد المخطط الصهيوني الهادف إلى تهويد الأراضي الفلسطينية المحتلة وطمس معالم الحضارة والثقافة العربية والإسلامية، والضغط على كيان الاحتلال لوقف وحشيته في التعامل مع الفلسطينيين وقتلهم بدم بارد، لكن تتجه الدول العربية إلى السعي للضغط على الجانب الفلسطيني؛ لتقديم المزيد من التنازلات والتعديلات على مبادرة السلام العربية؛ لجعلها ملائمة أكثر لمصالح كيان الاحتلال، خاصة وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يتجه إلى تشكيل حكومة أكثر تطرفًا وعنصرية، وهو ما اتضح في تحالفه مع زعيم حزب إسرائيل بيتنا المتطرف، أفيجدور ليبرمان، وزيرًا للجيش، الذي توعد بإنهاء المقاومة في القطاع، مراهنًا على مواقف بعض الدول العربية التي تخدم مصالح الكيان الصهيوني.
* نقلاًعن موقع البديل المصري
Next Post
قد يعجبك ايضا