العلامة/ الدكتور طه المتوكل
شهر رمضان هو شهر الصيام وهو شهر الإخلاص العظيم لله رب العالمين (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) خلاصة الصيام التقوى وخلاصة الصيام ان يرجع الإنسان إلى ربه نقيا طاهرا..
* شهر رمضان هو شهر الإخلاص فما هو الإخلاص؟
الإخلاص هو من اعلى المعاني واجلها، الاخلاص لا يستطيع أحد مهما أوتي من الفصاحة والبلاغة ان يُعرِّفه، لكنني اقول ما قال الله عز وجل في الاخلاص حيث قال الله عنه في الحديث القدسي: “الاخلاص سرا من اسراري لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده استودعه قلب من احببت من عبادي” هذا هو الاخلاص، (وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين). لا لرياء ولا لسمعه إنما يراد به وجه الباري سبحانه وتعالى.
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يارسول الله إني اصلي لأعبد الله لكني اريد ان يقال فلان يعبد الله فيصلي لله، فما حكم الصلاة؟ فما إن سمع النبي السؤال إلا وجبريل عليه السلام قد نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا بالجواب يأتي من الله: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بعبادة ربه احدا).
لا يكن بجوار الله احدا.. لا ليقال فلان صلى ولا صام وترك.. فمن كان يرجو لقاء ربه ويعمل من اجل الله فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه احدا، ولذلك فإن من كان الاخلاص في قلبه كان اول الداخلين للجنة، من كان عاملا وعالما دخل الجنة اول الداخلين.
اسمعوا إلى النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يقول: “اربعة يدخلون الجنة اول الداخلين واربعة يدخلون النار اول الداخلين”.. لكن شتان بين اربعة واربعة، اربعة يدخلون بغير حساب واول الداخلين لأن عملهم كان عمل الاخلاص, كان عمل القرب, كان عمل الخشية من الباري سبحانه وتعالى.
“الأول إمام عادل اخلص لله واخلص لرعية الله, والثاني شاب طائع اخلص في طاعته لله واخلص في قلبه ومعاملته لله لم يدنس شبابه بالنظر ولا بمعاص ولا بفواحش”. إمام عادل وشاب طائع.. “وعالم عامل” لأن كثيرا من العلماء لا يعملون بما اعطاهم الله من العلم.
إمام عادل وشاب طائع ثم بعد ذلك عالم عالم “وامرأة مطيعة لزوجها اخلصت لله” واخلصت لزوجها واخلصت لنفسها فكانت من الذين يدخلون الجنة اول الداخلين.
واربعة يدخلون النار اول الداخلين “الزاني ولو مرة إلا ان يتوب، وشارب الخمر ولو قطرة إن لم يتب كان اول الداخلين إلى النار، وشاهد الزور ولو بكلمة، والعاق لوالديه ولو بلفظة”.v
هؤلاء تسعر بهم النار الذين ما اخلصوا في عملهم ولا في عبادتهم لله عز وجل ولذلك يقول الباري سبحانه وتعالى: (وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)، ويقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله..”، واجب ان يهجر الانسان المعاصي، واجب ان يهجر الانسان الكبائر، واجب ان يهجر الانسان الصغائر..
الهجرة كما قال النبي “لا هجرة بعد الفتح” لكن هناك هجرة الفواحش وهجرة المعاصي وهجرة الصغائر وهجرة الكبائر وهجرة الغيبة وهجرة النميمة وهجرة قطيعة الرحم وهجرة الامور المحرمة، لابد ان يهجرها الانسان، “إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”..
ايها الاكارم:
من اخلص لله عز وجل ومن كان قلبه معلقا بالله في كل عمل من اعماله يكون جزاؤه عند الله عظيما, الاخلاص في الصلاة الاخلاص في الصيام الاخلاص في العبادة الاخلاص في الاتقان للاعمال, في معاملتك للناس, في معاملتك لله عز وجل.. يكون الجزاء من الله عظيما.
قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة من الليالي فزعاً، فقيل له: يا رسول الله مالك الليلة قمت من منامك فزعا؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: رأيت الليلة اصنافا من امتي -حدث لهم ما حدث- ما الذي حدث لهم يا رسول؟, قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “رأيت رجلا من امتي قد احتوشته ملائكة العذاب, جاءته ملائكة العذاب اخذته ملائكة العذاب، فجاءه وضوءه فاستنقذه منهم، ورأيت رجلا من امتي قد احتوشته الشياطين واستفحلت عليه فجاءه ذكر الله فاستنقذه منهم، ورأيت رجلا من امتي قد بسط عليه عذاب القبر وجاء عليه عذاب القبر فجاءته صلاته فاستنقذته من ذلك، ورأيت رجلا من امتي عطشان في ارض المحشر يكاد يتقطع من العطش فجاءه صيامه في شهر رمضان فسقاه وشرب حتى لم يظمأ ابدا، ورأيت رجلا من امتي -يصف النبي اعمالا عملته بعض الامه فكان الجزاء عظيما- ورأيت رجلاً من امتي من فوقه ظلمة ومن تحته ظلمة وعن يمينه ظلمة وعن شماله ظلمة ظلمات من فوقه وتحته وإذا به يجد ذكر الله قد نور عليه ظلمته، ورأيت رجلا من امتي كان يمر على الانبياء وهم حلق فيطرد من عندهم فجلس بجواري جاءه غسله للجنابة فأُجلسه بجوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ورأيت رجلا من امتي على شفير جهنم يرتعد خوفا فجاءه خوفه من الباري سبحانه وتعالى ورجاؤه فيه فادخله الجنة”.
خف الله خوفا لو انك جئته بـأعمال اهل الدنيا باكملهم -كما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم-: “خف الله خوفا لو جئته بأعمال صالحة لأهل الارض لخشيت ان لا يقبلها منك”.. لابد من الخوف من الله سبحانه وتعالى.
ايها المؤمنون:
نحن قادمون على شهر الاخلاص شهر رمضان الشهر الكريم الذي تنقى فيه الاعمال، يدخل الانسان إلى مكان وإلى زمان يطهر فيه عمله، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “ثلاثة لا ترد لهم دعوة -دعوتهم مستجابة ودعوتهم من الله مقبولة- إمام عادل –ثم ماذا- ثم الصائم إذا دعا استجيب دعاؤه ولبى نداؤه لأنه دعا ربه سبحانه وتعالى.
إيها المؤمنون:
غريب الزمان.. ولا يأتي الزمان بأحسن كما يقال.. ما كان آباؤنا وأجدادنا يعملون ويفعلون؟
كانوا اذا جاء رمضان, كان الواحد منهم يرخي دمعه ويسيل بكاءه في محرابه ومسجده يعبد الله، فجاء الخلق من بعدهم، جاء أبناؤهم فجلسوا مع بعض يذكرون الله عندما يمضغون القات ويقرأون القرآن مع القات، تجد الآباء في رمضان وليالي رمضان إذا جلسوا مع بعضهم ذكروا الله وتكلموا عن شؤن الآخرة، لكن جاء جيل جديد, الجيل الجديد إذا جاءت ليالي رمضان, ما يصنعون؟ همهم أن يأتوا بالقات، ثم يأت التلفاز أمام اعينهم من قناة إلى قناة ومن خلاعة إلى خلاعة ومن دناءة إلى دناءة.. ماذا يعملون؟ لا قرآن ولا ذكر ولا عبادة.. إلى اين الزمن يأتي؟ إلى اين؟ إلى اي منحدر يساق إليه شباب اليوم؟ يساقون إلى اعمال لا ترضي الله ورسول الله.. لابد ان يعادوا إلى حضرة الاسلام لابد ان يرجعوا وينصحوا ويرشدوا ويعقلوا.. ويقوم الآباء والابناء والصغار والكبار فيهبوا لنجدة اولئك الشباب الضائعين.