Saif Almarsumy
الباحث في تاريخ حركات التحرر الثورية المقاومة للاستعمار والاحتلال على مر العصور (حتى تلك الأكثر تطرفاً) يجد أن غالبيتها كانت تمتلك أذرع عسكرية تتولى مهمة محاربة المستعمر على الأرض، وأخرى سياسية تتولى الجانب السياسي من القضية فتتحرك وتتواصل مع الآخرين لتوضيح القضية وتوحيد المواقف ومواءمة الرؤى للوصول إلى أفضل الحلول الممكنة للمشكلات التي تعانيها المجتمعات الخاضعة للاحتلال والاستعمار.
لكل ذراع من أذرع حركات التحرر والثورة مهماته الخاصة، وسياقاته المختلفة في العمل، التي تهدف بالمحصلة النهائية إلى تحقيق الهدف المركزي المتمثل بالخلاص من الاستعمار والاحتلال وما أنتجه وأفرزه من ظواهر في المجتمعات.
تاريخنا العربي المعاصر وتاريخ بقية الأمم غني بأمثلة تثبت هذا الأمر ومن أراد البحث لن يجد صعوبة في إيجاد الأمثلة الكثيرة والتي منها على سبيل المثال لا الحصر:
الجبهة القومية في جنوب اليمن.
جبهة التحرير الجزائرية.
الجيش الجمهوري الايرلندي السري.
الثائرون ضد الاستعمار والاحتلال في كل زمان ومكان عليهم أن يكونوا ماهرين في إدارة الصراع في مختلف مجالاته العسكرية والسياسية والاجتماعية والشعبية والثقافية، وعليهم أن يواكبوا العصر وتطوراته المتسارعة وإلا سيسقطون في مأزق الجمود الذي سوف يؤدي بدوره إلى الاضمحلال والتلاشي بعد ذلك، خصوصاً وأنهم في الغالب يقارعون قوى تتفوق عليهم في الإمكانيات.
الثائرون ضد الاستعمار والاحتلال عليهم التقدم بحذر وإقدام وذكاء وأن يتجنبوا الخسائر غير المبررة قدر الإمكان؛ لأن إمكانياتهم مهما عظمت فهي تبقى محدودة في مواجهة الخصم الذي غالباً ما يكون ذا إمكانيات وموارد هائلة.
الثائرون ضد الاستعمار والاحتلال عليهم أن يضعوا التكتيك في خدمة الإستراتيجية حتى تحقيق الهدف المركزي، ولا بد لهم من المناورة ونقل الصراع من مستوى إلى آخر، ومن ساحة إلى أخرى، ومن مجال إلى مجال مختلف حتى تحقيق الهدف المركزي المتمثل بتحرير الأوطان من الاستعمار والتبعية وكل ما خلفه من آثار وتعقيدات.
الثائرون ضد الاستعمار والاحتلال ليسوا أصحاب أطماع ويبحثون عن المنافع والمكاسب بل هم رجال حق ومبادىء؛ لأنهم ولو كانوا أصحاب أطماع وباحثين عن منافع ومكاسب لما تجشموا عناء معارضة قوى غاشمة تتفوق عليهم في كل شيء، وتبطش بكل من يعارضها بلا رحمة، وإلا اختاروا الانصياع لهذه القوى الغاشمة والانضواء تحت جناحها كعملاء منذ البداية.