سيد الكلام
د. أحمد صالح النهمي
كان الشعر هو العصا السحرية التي يتكئ عليها العربي القديم في استنفار فرسان القبيلة واستنهاض وجدانهم وإلهاب حماسهم للدفاع عن الشرف والذود عن الحمى، باعتباره أكثر الفنون التعبيرية تأثيرا في نفوسهم، وأنصع السجلات تخليدا لبطولاتهم التي يشيدونها على أطراف أسنة الرماح، ويعبرِّون من خلالها عن ميلهم الفطري إلى القيم النبيلة كالأنفة والعزة والشجاعة والكرم والفروسية والتضحية بالنفس والمال في سبيل الدفاع عن الشرف والحفاظ على المجد وحسن الذكر. وما يزال الشعر اليوم هو الأكثر حضورا بين فنون الكلام المختلفة في حياة العربي المعاصر، والأشد تأثيرا في وجدانه، والأقدر على ملامسة مشاعره واستنهاض حساسيته للدفاع عن الأوطان ضد الغزاة المعتدين .
الثلاثاء الفائت شهدت قاعة فلسطين بجامعة ذمار ندوة فكرية برعاية رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور طالب النهاري بعنوان (عام من الصمود اليمني الأسطوري في مواجهة العدوان السعودي الأمريكي)، أدارها الأستاذ محمد زيد الموشكي وقدمت فيها ثلاث أوراق ، ألقى الورقة الأولى الدكتور عبدالله صلاح بعنوان (دور الجامعات والمؤسسات التربوية والتعليمية في مواجهة العدوان) وتناول الدكتور أحمد النهمي في الورقة الثانية (التحول الديمقراطي في اليمن والمخاوف السعودية الأمريكية) أما الورقة الثالثة فقد تناول فيها الأستاذ عبد الحافظ أبو خلبة (التدخلات السعودية في اليمن منذ مطلع القرن الماضي حتى التسعينيات منه)، ومع أهمية الطرح الذي حملته هذه الأوراق، فقد كان الشعر هو الأشد تأثيرا في وجدان الحاضرين، والأكثر إثارة لتفاعلهم، فقد افتتح الفعالية الشاعر المبدع (محمد حمود زيد الموشكي ) ببعض قصائده التي ألقاها بأسلوب مثير اجتذب انتباه المتلقين واستثار عواطفهم فتفاعلوا معه، واشتعلت القاعة هتافا وتصفيقا، واختتمت الفعالية بقصيدة رائعة ألقاها الشاعر الشاب الكفيف (الحسين الشوكاني) بتمكن لغوي وتصوير إبداعي أثار الإعجاب، وأدهش الحضور.
الشعر أيضا لم يغب عن أوراق العمل المقدمة، بل ربما كان هو الأكثر إدهاشا في التعبير عن الأساليب التي انتهجتها السعودية منذ منتصف القرن الماضي لسلب القرار السياسي اليمني وفرض الوصايةـ عليه، من خلال تسخير الأموال الكبيرة لشراء ولاءات بعض القوى اليمنية السياسية والاجتماعية والدينية النافذة، لتصبح أدوات بيدها تستخدمها ضد وطنها وشعبها، فقد تناولت بعض الأوراق أبيات شاعر اليمن الكبير الأستاذ عبدالله البردوني في قصيدته الذائعة الصيت (الغزو من الداخل):
أمير النفط نحن يداك نحن أحد أنيابك
ونحن القادة العطشى إلى فضلات أكوابك
ومسؤولون في (صنعا) وفراشون في بابك
ومن دمنا على دمنا تموقع جيش إرهابك
ومثلما فضحت هذه الأبيات البردونية الخالدة دور قوى الارتزاق في التعاون مع العدوان في إجهاض أحلام الوطن، فقد تناولت بعض الأوراق في الفعالية أبيات الشاعر اليمني الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح في قصيدته المعنونة بــ (رسالة إلى الزبيري) التي يعود تاريخها إلى عام 1970م وفيها فضح الستار الديني الزائف الذي تلفعت به أنظمة إسلام البترودولار لتزييف وعي الجماهير في اليمن بتشويه مفاهيم الثورة والجمهورية والديمقراطية والتعددية السياسية ، وترويج تباينها مع الإسلام، يقول المقالح :
ثعبان مكة يلوي عنق خيبته من حوله ، وهو في الشطرين مقبور
أتى بأذنابه للدين يرجعنا والدين في يمن الإسلام مشهور
الله نعرفه حبا ونعبده حبا فما تبتغي منا الزنابير
أفكارهم في بنوك الغرب مودعة ودينهم ــ عندنا ــ زيف وتزوير
من كان يعطي لأمريكا قيادته فليس يغنيه تهليل وتكبير
يبغي العبور إلى صنعاء فيذهله صمودها ، وعلى الأبواب مدحور
الخلاصة أن الشعر كما كان يمثل العصا السحرية الفاعلة في تثوير وجدان العربي قديما فما يزال هو الأكثر حضورا في حياة الإنسان العربي المعاصر والأشد تأثير في وجدانه، كما تجلى ذلك في هذه الفعالية التي أقامتها جامعة ذمار، وكان حضور الشعر اللافت من أبرز إيجابياتها، فيما كان غياب المرأة الباهت في المشاركة والمداخلة من أهم الملاحظات عليها.