أحال أزياءهم المدرسية إلى أكفان ومدارسهم إلى قبور
صالح أحد 29 تلميذاً شهيداً وجريحاً قصف العدوان مدرستهم في ذمار
الثورة / ﺻﻘﺮ ﺃﺑﻮﺣﺴﻦ
ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎنت ﺛلة ﻣﻦ ﻃﻼﺏ ﻣﺪﺭﺳﺔ 22 ﻣﺎﻳﻮ ﻤﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﻏﺮﺑﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺫﻣﺎﺭ، تحاول ﺍﻟﻬﺮﺏ ﻣﻦ ﺻﻮﺕ ﺇﺣﺪﻯ ﻃﺎﺋﺮﺍﺕ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ، ﻛﺎن ﻗﺎﺋﺪﻫﺎ ﻳﻮﺟﻪ أحد ﺍﻟﺼﻮﺍﺭﻳﺦ ﻧﺤﻮ ﺭﺅوﺳﻬﻢ، ﻟﻴﺒﻌﺜﺮ ﺃﺟﺴﺎﺩﻫﻢ، ﺗﻤﺎﻣﺎً، ﻛﻤﺎ ﺑﻌﺜﺮ ﻛﺘﺒﻬﻢ ﻭﺩﻓﺎﺗﺮﻫﻢ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﻴﺔ، و»ﺻﺎﻟﺢ ﻋﺒﺪﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩﻱ- 17 ﻋﺎﻣﺎً» ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻷﻭﻝ ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻱ، ﺃﺣﺪ ﺷﻬﺪﺍء ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺤﺰﻳﻦ.
ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺗﺸﻴﺮ إﻟﻰ ﺍﻟﺜﺎمنة ﺻﺒﺎحاً ﻣﻦ الخامس يونيو العام الماضي حين اﺳﺘﻴﻘﻆ أهالي ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺫﻣﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺩﻭﻱ ﺍلاﻧﻔﺠﺎﺭﺍﺕ ﻭﺗﺘﺎﻟﻲ ﺃﺯﻳﺰ ﺍﻟﺼﻮﺍﺭﻳﺦ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺗُﻌﺮﻑ ﻟﻬﺎ ﻭجهة ﻏﻴﺮ ﺃﺟﺴﺎﺩ ﺍﻷﺑﺮﻳﺎء قذفتها غارات لطيران تحالف العدوان، ﻋﻠﻰ ﻋﺪﺓ ﺃﻣﺎﻛﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺰء ﺍﻟﻐﺮﺑﻲ ﻣﻦ ﻣﺪﻴﻧﺔ ﺫﻣﺎﺭ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ انقشع ﻏﺒﺎﺭ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ كانت محصلة أشلاء ودماء حصاد الغارات وصلت إﻟﻰ 12 ﺷﻬﻴﺪﺍً ﻭ17 ﻣﺼﺎﺑﺎً، ﺑﻴﻦ ﻃﻼﺏ المدرسة.
ﻣﺄﺳﺎﺓ ﻣﺪﺭﺳﺔ 22 ﻣﺎﻳﻮ، ﻛﺒﻴﺮﺓ، ﻓﻔﻲ ومضة غادرة انتقل العشرات من طلابها من على طاولات المشافي بين قتيل وجريح ينتظر بين الحياة والموت!
من هؤلاء «ﺻﺎﻟﺢ»، ﺫﻫﺐ إﻟﻰ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ لتسديد ﺭﺳﻮﻡ ﺍلاﺧﺘﺒﺎﺭﺍﺕ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻘﺼﻒ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺰ ﺗﺪﺭﻳﺐ ﺃﻓﺮﺍﺩ ﺍﻟﺸﺮﻃﺔ في المنطقة، ﻫﺮﺏ كغيره، ﻭﺑﻌﺪ ﻟﺤﻈﺎﺕ ﻟﻢ يعد له من أثر عدا بعض أشلاء وآلام فجيعة وفقد موجهة ترافق أقرباءه وزملاءه.
ﻗﺘﻞ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﺤﻈﺎﺕ «ﺻﺎﻟﺢ» ﻭﻃﻔﻞ آﺧﺮ ﻛﻤﺎ ﺃﺻﻴﺐ ﻋﺪﺩ آﺧﺮ، ﻟﻴﻀﺎﻓﻮﺍ ﺟﻤﻴﻌﺎ إﻟﻰ ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺿﺤﺎﻳﺎ ﺍﻟﺤﺮﺏ.
«ﻣﺘﻔﻮﻕ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍلإﻋﺪﺍﺩﻱ ﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺮﻛﺰ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ»، ﻗﺎﻝ ﺷﻘﻴق «صالح» ﻣﺮﺍﺩ ﻋﺒﺪﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻭﺯﺍﺩ: ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﻌﺎﻧﺎ ﺑﻴﻦ إﺧﻮﺗﻲ ﻣﺘﻔﻮﻕ ﻋﻠﻤﻴﺎً.
ﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﺍﻟﻮﺟﻊ ﻫﻨﺎ، ﺑﻞ اﻣﺘﺪ إﻟﻰ ﺍﻷﺳﺮﺓ جميعها، ﻓﻘﺪ ﺩﺍﻫﻢ ﻣﺮضي ضغط الدم والسكري ﻭﺍﻟﺪ «ﺻﺎﻟﺢ»، ﻛﻤﺎ ﺯﺭﻉ ﺍﻟﺤﺰﻥ ﻓﻲ ﺣﺪﻗﺎﺕ ﺃﻣﻪ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺎ ﺗﺰﺍﻝ ﻓﻲ حالة ﺻﺪﻣﺔ، ﺗﺴﺘﻴﻘﻆ ﻣﻦ ﻧﻮﻣﻬﺎ فزعة، ﻓﻌﻨﺪ ﻋﻠﻤﻬﺎ ﺑﺎﻟﺨﺒﺮ ﻟﻢ ﻳﻔﺼﻞ بين ﻳﻮﻡ ﻭﻻﺩﺗﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ اﺳﺘﺸﻬﺎﺩ اﺑﻨﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﺑﻀﻌﺔ ﺃﻳﺎﻡ.
«ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﻳﺸﺒﻪ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﺻﺎﻟﺢ، ﻛﻨﺎ ﻧﺮﻳﺪ أﻥ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﺻﺎﻟﺢ ﻟﻜﻦ ﻟﻜﻲ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﺧﺎﻟﺘﻲ – ﺯﻭﺟﺔ ﺃﺑﻲ- ﺗﻨﺎﺳﻲ ﺻﺎﻟﺢ أسميناه «ﻋﺎﺑﺪ»، ﻳﺴﺮﺩ «ﻣﺮﺍﺩ» ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻔﺎﺻﻴﻞ، ﻭﻟﺪﻯ اﺳﺘﺤﻀﺎﺭ ﺣﺎﻟﺔ ﺍﻟﺒﺆﺱ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﺎﻭﻝ ﻗﻮﻯ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﻣﺤﺎﺻﺮﺗﻨﺎ ﺑﻪ، اﺧﺘﺼﺮ ﺣﺪﻳﺜﻪ، ﻭﻗﺎﻝ: ﻇﻠﻢ ﻭﻋﺪﻭﺍﻥ، ﺧﺴﺮﺕ ﺃﺧﻲ ﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺠﺎﻧﻲ شخصاً ﻣﺎ ﻳﻜﻔﻴﻨﻲ فيه ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻘﺼﺎﺹ، ﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺳﻮى أﻥ ﻧﺮﻓﻊ أﻳﺪﻳﻨﺎ إﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺪﻋﺎء ﺃﻣﻬﺎﺕ ﺍﻟﺸﻬﺪﺍء ﻭﺻﺒﺮ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ، ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻦ ﻳﺨﺬﻟﻨﺎ”.
مراد تابع يبث أحزانه، قائلاً :”ﻛﺎﻥ ﺃﻛﺒﺮ إخوتي من زوجة ﺃﺑﻲ، ﻭﺃﺣﺒﻬﻢ إﻟﻰ ﻗﻠﺒﻲ،لاﺧﺘﻼﻓﻪ ﻭﺃﺧﻼﻗﻪ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﻭﺧﻠﻘﻪ ﺍﻟﻨﺒﻴﻞ، ﻛﺎﻥ ﻭﻣﺎ ﻳﺰﺍﻝ اﺳﺘﺸﻬﺎﺩﻩ غصة ﻓﻲ ﺣﻠﻘﻲ ﻣﺎ ﺣﻴﻴﺖ”.
ﻏﺎﺏ ﻋن ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ “ﺻﺎﻟﺢ”، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ جرت مواراته ﺍﻟﺜﺮﺍء ﻛﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﺰﺍﻝ ﻳﺘﻜﻔﻦ ﺑﻌﺾ ﺟﺴﺪﻩ ﺑﺜﻴﺎﺏ ﺍﻟﻤﺪﺭﺳﺔ، ﻛﺤﺎﻟﺔ ﻳﺘﻘﺎﺳﻤﻬﺎ ﺍﻟﻌﺸﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﻃﻼﺏ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺗﺤﻮﻟﺖ ملابسة المدرسية يومها إﻟﻰ أﻛﻔﺎﻥ ﻭﻣﺪﺍﺭﺳﻬﻢ إﻟﻰ ﻗﺒﻮﺭ، ﻫﻢ ﺿﺤﺎﻳﺎ ﻓﻲ ﺣﺮﺏ ﻟﻴﺲ ﻓﻲ ﻣﺨﻴﻠﺘﻬﻢ ﻣﺪﻯ ﺩﻣﻮﻳﺘﻬﺎ ﻭﻭﺟﻌﻬﺎ.
ﺍﻟﺘﺮﺑﻮﻱ ﻭﺍﻟﻤﺪﺭﺏ ﺍﻟﻮﻃﻨﻲ “ﺟﻤﺎﻝ ﺍﻟﻤﺼﻌﺒﻲ” يصف اﺳﺘﻬﺪﺍﻑ ﺍﻟﻌﺪﻭﺍﻥ ﻟﻠﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺍﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ التعليمية ﺑﺄﻧﻪ “اﺳﺘﻬﺪﺍﻑ أﺣﻼﻡ ﻭﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﺍﻷﺟﻴﺎﻝ ﺍﻟﻤﻘﺒﻠﺔ”، ﻣﺘﺴﺎﺋﻼ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻟـ(ﻗﻀﺎﻳﺎ ﻭﻧﺎﺱ): ﺃﻳﻦ ﺍﻟﻤﻨﻈﻤﺎﺕ ﺍﻟﺪﻭﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﺤﻘﻮﻗﻴﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﻣﻦ اﺳﺘﻬﺪﺍﻑ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻭﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﻟﻤﺎﺫﺍ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﻤﺖ ﺍﻟﻤﺮﻳﺐ ﻣﻤﺎ ﻳﺤﺪﺙ ﻓﻲ ﺍﻟﻴﻤﻦ.
أضاف: ﺍﻟﻤﺼﻌﺒﻲ “ﻫﻨﺎﻟﻚ اﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﺩﻭﻟﻴﺔ ﺗﺠﺮﻡ ﻗﺘﻞ ﺍﻷﻃﻔﺎﻝ ﻭﻗﺼﻒ ﺍﻟﻤﺪﺍﺭﺱ ﻭﺍﻟﻤﻨﺸآﺕ التعليمية، ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻻ ﻳﺘﻢ ﺗﻔﻌﻴﻠﻬﺎ؟، ﺃﻡ أﻥ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻟﻴﺴﻮﺍ ﺃﻃﻔﺎﻝ، ﻟﻜﻢ ﺳﺌﻤﻨﺎ ﻣﻦ ﺗﺪﺭﻳﺐ ﺗﻠﻚ ﺍلاﺗﻔﺎﻗﻴﺎﺕ ﻭﺇﻋﺪﺍﺩ ﻭﺭﺵ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻬﺎ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻸﺳﻒ ﺗﺤﻮﻟﺖ إﻟﻰ ﺣﺒﺮ ﻋﻠﻰ ﻭﺭﻕ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻌﻠﻖ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﺃﻃﻔﺎﻝ ﺍﻟﻴﻤﻦ.
ﻣﺆﻛﺪأ أﻥ ﺍﻟﺠﻴﻞ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ – من عمر الرابعة وحتى ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﻋﺸﺮة، ﺳتظﻞ ﺫﺍﻛﺮﺗﻪ مسكونة بآثار ﺍﻟﺤﺮﺏ وجرائم العدوان ﻭﻣﻦ ﺍﻟﺼﻌﺐ ﻣﺤﻮﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﺍﻟﺒﻌﻴﺪ.