وجوه بلا ملامح : عن الهويات المفقودة

عرفات الرميمة
قبل الولوج مباشرة في الموضوع حريُ بنا من الناحية العلمية والمنهجية أن نوضح معاني المفردات الواردة في العنوان وأهمها مفهوم الهوية . فالهوية  في ابسط معانيها هي الماهية – أو الذاتية بلغة المناطقة، فالقانون الاول من قوانين الفكر يسمى قانون الذاتية ومعناه ان الشيء هو ذاته ولا يمكن ان يكون شيئاً آخر غير ذاته –  وهي الجواب عن سؤال من أنت ؟ وتعرفها المعاجم بالقول : الهوية : مأخوذة من ( هُوّ …هُوّ ) بمعنى جوهر الشيء وحقيقته المشتملة على صفاته اشتمال النواة على الشجرة وثمارها … وهوية الشيء ( أو الفرد أو المجتمع ) هي ثوابته التي تتجدد ولا تتغير … إنها البصمة بالنسبة للإنسان التي يتميز بها عن غيره .
يوجد للهوية مظهران أساسيان يعبران عنها بكل وضوح : المظهر الأول شكلي أو خارجي وهو عبارة عن الاسم الذي يُميز كل إنسان عن غيره وهو ما يُعرف بالهوية ( البطاقة ) الشخصية .
المظهر الآخر يُعرف بالمضمون أو الجوهري وهو شيء معنوي غير ملموس – يمكن أن نسميه الروح ، الأنا ، الذات ، الشعور – وهو كل ما يُميز كل إنسان عن غيره ويشبه بصمة اليد او بصمة العين او الصوت والرائحة ، كل ما يجعل منك شخصية فردية متميزة عن غيرك فكراً وسلوكاً .
يمكن أن نقول بكل ثقة ان كل هوية تتأسس و تبنى على الوعي الكامل والواضح بالخصوصية الذاتية التي تتميز عن غيرها وكذلك بمعرفة الاختلاف الذي يُميز كل ذات عن الآخر المختلف عنها والمتميز عنها كذلك في الشكل والمضمون .
ويرى الجابري – في دراسته عن العولمة والهوية الثقافية – أن للهوية مستويات ثلاثة : فردية وجمعية وقومية ، جميعها متغيرة تتأثر بالظروف الخارجية والصراعات والمصالح المجتمعية وهي تزداد ثراء بتجارب أهلها ومعاناتهم وانتصاراتهم وتطلعاتهم ويضيف احتكاكها – بشقيه السلبي والإيجابي – مع الهويات الثقافية الأخرى تنوعاً وثراءً وتجدداً .
هل أصبحت تعز مدينة بلا هوية ؟
تحكي الأسطورة أن غراباً أراد أن يتحول الى حمامة ، فبدأ بتقليد مشي الحمام وحركاتها وهجر عيشة الغربان والاختلاط معهم وجلس مع الحمام ، لكن الحمام نفرت منه ولم تقبله لأنه ليس من جنسها  ، فرجع إلى الغربان لكنها نفرت منه وطردته لأن حركاته لم تعد مثلهم ، فعاش وحيداً لأنه لم يصبح حمامة ولم يعد غراباً كما كان . هذا هو حال تعز التي كانت مدّنية وحاولت أن تُقلد القبائل -بتوجيه من مشائخ حزب الإصلاح – وتعيش شخصيتها وسلوكها ،فلبس بعض ابنائها السلاح واحتكموا للمشايخ – الذين ظنوا المشيخة مغنماً دوماً وأخذاً من الناس وليس عطاءً لهم – لكنهم لم يستطعوا الوصول الى أخلاق القبيلة وأعرافها، قلّدوا القبيلة شكلاً ولم يصلوا لمضمون القبيّلة .  في أثناء ذلك نسيت تعز قيم المدنّية والاحتكام للنظام والقانون ، فلا هي بقيت دولة مدنّية كما كانت ولم تتحول الى القيم القبلّية
التي أراد لها مشايخ الإصلاح  أن تكونها ، حالها يشبه حال الغراب الذي فقد هويته وخسرها – تشبه إنساناً بلا وجه أو ملامح معروفة  – هذا هو المدخل الصحيح لمن يُريد أن يفهم ما حدث مؤخراً في تعز من إهدار للقيم الدينية والوطنية والأخلاقية ، تصورا إنساناً مسخاً بلا ملامح وجه معروفة أو بطاقة شخصية ( هوية ) لا يعرف من هو وماذا يُريد ، كيف سيكون سلوكه في المجتمع ؟ أكيد أنه سوف يتصرف من دون وازع أو ضمير أو خوف من العقاب لأنه غير معروف الهوية كي يُحاسب  وسوف يعمل أعمالاً تناقض قيم المجتمع المتعارف عليها . هذا للأسف هو حال تعز  الآن مدينة بلا هوية ، لا تعرف من هي وماذا تريد ؟ حملت السلاح ضد الدولة وضد المخالفين لكنها لم تحمل قيم وأخلاق من يحمل السلاح من أبناء القبائل ، عندما تحمل سلاحاً ولا تحمل معه أخلاقا وفهما وفكراً يوجهك ، فأنت حتما سوف تتحول إلى داعشي بامتياز .
جرائم القتل والسحل والصلب التي حدثت وتكررت في تعز فقط  من المدن اليمنية  للمخالفين العُزّل ونهب بيوتهم وحرقها ، تدل على صحة ما قلناه ، مسوخ بشرية بلا هوية وبلا هدف وبلا قيم ولا أخلاق ولا دين ولا قبيلة توقع منهم كل ما حدث وأكثر . القبيلي الذي لا يحتكم للدولة تردعه أخلاق القبيلة ويستحي إذا قلت له أنا بوجهك، أما المسخ الذي بلا هوية مدنية أو قبليّة فلن يردعه إلا مسخ مثله ، الحمد لله على نعمة القبيلة .

قد يعجبك ايضا