المتسللــون الأفارقـة.. تحـدٍ أمني يُجابـه بالترحيـل!

تقرير/ محمد الفائق

مشكلة لاتزال تؤرق اليمن وتضيف عبئاً إلى أعبائها وظروفها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة تتمثل في تدفق النازحين من القرن الأفريقي بشكل يومي إلى السواحل اليمنية.
أكثر من مليون ونصف المليون أفريقي نزحوا إلى اليمن، أغلبهم دخلوا بطرق غير شرعية بواسطة عصابات تهريب متخصصة وفقاً لتقارير محلية.
فيما تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن “عدد اللاجئين الأفارقة المسجلين في اليمن لا يتجاوز الـ058 ألف شخص أغلبهم من الصومال ثم يأتي بعدهم اللاجئون من أثيوبيا وأريتريا من حيث العدد”.

محطة التهريب
المحطة الأولى في رحلة النازحين الأفارقة هي ميناء بيساسو الصومالي، حيث يلتقي الآلاف من الراغبين في الهجرة من مختلف دول أفريقيا بعصابات التهريب عبر القوارب، ومن ثم تتم المساومة على تكلفة الرحلة إلى اليمن.
بعض الأفارقة يلجأون لحفظ بعض الكلمات العربية وبعض المناطق الصومالية حتى ينتسبوا إليها، باعتبار أن الصوماليين لهم مميزات القبول لاجئين في اليمن على غيرهم من الدول الأخرى.
تبدأ رحلة الهجرة إلى اليمن بعد استلام العصابات مبالغ مالية تقدر بألف دولار على كل شخص، ومن بين هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين نساء وأطفال، يتحملون عناء السفر في عرض البحر غير آبهين بالمخاطر التي قد تواجههم.
بعد الاقتراب من السواحل اليمنية يقوم أفراد تلك العصابات بإنزال المهاجرين وإجبارهم على السباحة حتى الوصول إلى البر، لكن الكارثة أن الغالبية يلقون حتفهم غرقاً، حيث سجلت الإحصائيات الرسمية والدولية الأخيرة “أكثر من 800 مهاجر أفريقي لقوا حتفهم في عرض البحر خلال شهر واحد”.
اليمن ترانزيت
الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين ظلوا يعتبرون اليمن ملاذاً لهم من سعير الأوضاع في بلدانهم، لكن كثيرين منهم يرون أن هذا الاختيار كالمستجير من الرمضاء بالنار، خصوصاً واليمن يشهد ظروفاً اقتصادية صعبة مع الحصار الجائر والعدوان الظالم المتواصل عليه.
آلاف آخرون صاروا يعتبرون اليمن محطة ترانزيت للعبور منها إلى دول الخليج البعض منهم ينجحون في العبور، والبقية يكونون وقوداً للهيب الصحراء وعناء السفر وصيداً سهلاً لرصاصات حرس الحدود في دول الجوار، والبعض منهم يكونون صيداً سهلاً للاستقطاب والتجنيد لدى الجماعات الإرهابية، وهو الخطر الأكبر بين كل المآلات الأخرى، إلى جانب استخدامهم في تهريب الأسلحة والمخدرات.
حملات ضبط
إشكالية نزوح وتسلل المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين إلى اليمن، تفاقمت مؤخراً لدى السلطات المحلية في اليمن وهو ما اضطر الأجهزة الأمنية إلى تنفيذ حملات مكثفة لضبط وترحيل المتسللين إلى بلدانهم.
منذ بداية العام الجاري، تحفظت أجهزة الأمن على أكثر من ثلاثة آلاف مهاجر غير شرعي يتواصل ترحيلهم على دفعات متفاوتة بالتعاون مع مكتب المفوضية السامية لشؤون الهجرة واللاجئين.
الخميس الفائت رحلت السلطات اليمنية 100 لاجئ صومالي إلى بلدهم بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية.
وقالت سلطات الهجرة إن من بين المرحلين الصوماليين 36 أنثى و3 أطفال و61 من الذكور، تتراوح أعمارهم بين 25-45 عاماً.
السلطات أوضحت أنه جرى ترحيلهم على متن سفينة انطلقت من ميناء الاصطياد في محافظة الحديدة باتجاه ميناء بصوصو الصومالي.
مشيرة إلى أن الفترة القادمة ستشهد ترحيل عدد من اللاجئين الصوماليين غير الشرعيين الراغبين في العودة إلى بلدهم.
ترحيل متواصل
سلطات الهجرة رحلت أيضاً 242 متسللاً أثيوبياً إلى بلدهم، وقالت مصلحة الهجرة والجوازات والجنسية: إن ترحيل الأثيوبيين جرى على متن سفينة انطلقت من ميناء الحديدة الدولي.
ليس هذا كل شيء، وفق مصلحة الهجرة جرى ترحيل قرابة ألف مهاجرغير شرعي من منطقة القرن الأفريقي إلى بلدانهم خلال شهر مارس الماضي.
وكانت شرطة مديرية بني سعد في محافظة المحويت أوقفت في مارس الماضي 31 متسللاً أثيوبياً لدخولهم إلى الأراضي اليمنية بطريقة غير شرعية وأرسلتهم إلى محافظة الحديدة لاتخاذ الإجراءات القانونية.
شرطة بني سعد “المتسللين الأثيوبيين المضبوطين جميعهم من الذكور، وتتراوح أعمارهم بين 20-40 عاماً”، موضحة أنها ضبطت منذ مطلع شهر مارس الماضي حوالي 100 متسلل أفريقي”.
مشكلة كبرى
تشير إحصائيات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى أن “المشمولين برعايتها وخدماتها في اليمن يقدرون بنحو 850 ألف لاجئ” إلا أن هناك الآلاف من اللاجئين الذين لا تستطيع الأمم المتحدة الوصول إليهم وفقاً لمراقبين ومختصين، يؤكدون أن “العدد يتجاوز المليون ونصف المليون نازح أفريقي في اليمن”.
الباحثون والمهتمون بهذا الشأن يتفقون في أن “القضية تعد مشكلة كبيرة لليمن، سواء أكانوا عشرة آلاف لاجئ، أو مليوناً خصوصاً واليمن يواجه ظروفاً صعبة نتيجة العدوان السعودي والحصارعلى اليمن منذ أكثر من عام.
فعلياً كرر اليمن توجيه نداءاته إلى الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية من أجل النظر في قضية اللاجئين، وتقديم الدعم والعون لاستيعابهم في ظروف أفضل، وسعى لعقد مؤتمرات دولية في هذا الشأن “لكن الاستجابة ظلت دون المستوى المأمول” بحسب المختصين والباحثين.
انعدام الدعم
طول الشريط البحري لليمن المقدر بــ”2500كم” يسهل تسرب النازحين إلى اليمن بشكل يومي، وما يفاقم الوضع انعدام القدرة على استيعاب هؤلاء  في إطار ما تقدمه مفوضية اللاجئين من خدمات.
لكن المشكلة تبدو بنظر مراقبين “أكبر من قدرات اليمن وأكبر من قدرات مفوضية اللاجئين التي لا تسمح لها ربما إمكانياتها بتأهيل هؤلاء اللاجئين، وتوفير الخدمات الضرورية لهم”.
وكان اليمن بجانب التزامه الأخلاقي والديني على الاتفاقية الدولية الخاصة باللاجئين في 18 يناير 1980م، ولكنها وفقاً لقانونيين لا تلزم اليمن بتوفير الحماية للاجئين فحسب، بل ترى “ضرورة أن تحترم الإنسان الذي اختار بلدك ليكون لاجئاً فيها”.
وترجع قضية النازحين الأفارقة في اليمن إلى مطلع التسعينيات من القرن الماضي حيث بدأ الصوماليون بالتدفق إلى اليمن إثر اندلاع الحرب الأهلية في بلادهم عام 1991م وتواصلت عملية تدفق اللاجئين إلى اليمن ليصل معدل الواصلين إلى نحو 14 ألف شخص سنوياً، حسبما تفيد الدراسات المختصة.
خارطة النازحين
تعود أصول ما يقارب من80% من اللاجئين الصوماليين في اليمن إلى الأجزاء الجنوبية ووسط الصومال، في حين أن باقي الصوماليين الذين يمثلون20% تعود أصولهم إلى منطقة أرض الصومال و”البونتلاند” في شمال الصومال.
ويقيم حوالي 22% فقط من اللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مخيم خرز بمحافظة لحج/ بينما يقيم باقي اللاجئين في المناطق الحضرية الكبيرة خاصة في صنعاء وعدن.
أما مجموعة اللاجئين الأثيوبيين فتتكون أساساً من أفراد وضباط البحرية الأثيوبية الذين وصلوا إلى اليمن أثناء سقوط حكومة “منجستوهيلا مريام”، بالإضافة إلى بعض الحالات الفردية ذات الخلفية العرقية التي تنتهي إلى جماعة “أورومو”.
وتقول مفوضية اللاجئين: إن الهدف الأساسي لعملياتها وأنشطتها في اليمن يكمن في ضمان توفير المعايير الأساسية من الحماية الدولية بحسب ما ورد في بنود اتفاقية 1951م وإيجاد الحلول الدائمة للمشاكل التي تواجه اللاجئين”.
وبعد:
يبقى الثابت أن اليمن بقدر التزامه الأخلاقي والديني بإيواء النازحين الهاربين من الموت واللاجئين المسجلين، بقدر ما يتعين على المجتمع الدولي تقديم الدعم اللازم لمتطلبات الإيواء والتأهيل والإعاشة، ولا يعني التزام اليمن الأخلاقي أن يفرط بأمنه واستقراره وسلامة نسيجه المجتمعي بأي حال.

قد يعجبك ايضا