حقائق مؤلمة عن حجم الأضرار في مدينة صنعاء التاريخية جراء العدوان

سماح علي أحمد تلها *
مدينة صنعاء القديمة إحدى جواهر الحضارة الإنسانية (كما وصفتها منظمة اليونيسكو)، مدينة التاريخ والتراث والثقافة، وأقدم مدن العالم المأهولة بالسكان، والتي تم إدراجها ضمن قائمة مواقع التراث العالمي في العام 1986م، تتعرض اليوم لأضرار كبيرة وكارثة حقيقية تستوجب  أن يتم إطلاق  نداء لكل العالم كي يقف مع هذه المدينة ويعمل على إنقاذها ووقف المعاناة الإنسانية التي يعانيها الشعب اليمني جراء الحرب التي تقودها قوات ما تسمى بالتحالف منذ مارس 2015م.
وانطلاقاً من أهدافنا في إدارة تنمية المرأة في مديرية صنعاء القديمة ومن أهداف مؤسسة حماية التراث الثقافي والطبيعي التي تشرفت بكوني عضوة فيها وسعينا إلى الوقوف أمام التحديات التي تواجه التراث الثقافي والتراث الطبيعي والاهتمام بشؤون المرأة في كل مجالات الحياة من حيث قضاياها وتنميتها وتطوير مهارتها والقيام بعمل دراسات وبرامج للفئات الضعيفة في المجتمع و بالأخص المرأة و الطفل و إيجاد الحلول المناسبة لانتشالهم من مكامن الضعف والفقر وكذلك الأسر المتضررة من الكوارث الطبيعية أو مما تخلفه الصراعات و الحروب والنزاعات المختلفة من آثار سلبية في نفوسهم ومادية على مستوى حياتهم المعيشية.
ولهذا الغرض تم تشكيل فريق علمي للرصد البيئي للتحديات التي تواجهها مدينة صنعاء القديمة بالتعاون مع منتدى كوكب الأرض وجامعة صنعاء ممثلة بالدكتور خالد عبد الله الثور وتم الاستعانة والتنسيق مع بعض الجهات الحكومية المركز اليمني للإستشعار عن بُعد ونظم المعلومات الجغرافية، والهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية، والهيئة العامة للآثار والمتاحف، ووزارة الثقافة والهيئة العامة لحماية البيئة – وزارة المياه والبيئة ومع الأهالي، وتم عقد عدد من  اللقاءات التشاورية، والنزول الميداني والالتقاء بالمجتمع المحلي ووسائل الإعلام وعدد من المختصين، كما تم تشكيل فريق عمل لرفع تقرير أولي، وعقد لقاء تشاوري ثاني لمناقشة الأضرار وحجم الدمار الذي خلفه  القصف الجوي سواء كانت الأضرار مباشرة أو غير مباشرة. وعلى ضوئه تم تشكيل فرق متخصصة من الجهات ذات العلاقة وبمشاركة المجتمع المحلي والمؤسسات المعنية بعملية الرصد البيئي الأولي للمخاطر التي تواجه المدينة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وتم إعداد أول تقرير متخصص يحوي العديد من الصور والخرائط والمرئيات الفضائية والجداول التي أظهرت نتائج مؤلمة .
تأثيرات قصف القاسمي
بتاريخ 12 يونيو 2015م حدث قصف جوي مباشر لقوات العدوان على البيوت التاريخية والأثرية الواقعة بين مقشامة بروم من إتجاه الشمال، ومقشامة القاسمي من اتجاه الجنوب وتضرر إجمالي عدد 13 بيتا، المدمر منها بشكل كلي خمسة بيوت، وقد قتل كل من كان ساكنا هناك حيث وصل عدد الشهداء الى خمسة أفراد وهم الدكتور شوقي وأيضا عبدالله المنصور وابنه وكذلك حسن المنصور وزوجته. أما البيوت المتضررة في حي القاسمي نتيجة القصف وكان التدمير فيها كبيرا  وصل عددها إلى ثلاثة بيوت، حيث تدمرت أجزاء مهمة فيها، وأصبحت آيلة للسقوط ولاتصلح للسكن، وعدد خمسة منازل تضررت بشكل متوسط وخفيف. وبلغت مساحة المنطقة المتضررة حوالي 1430 متراً مربعاً.
قصف الفليحي
تكرر التدمير المباشر على المدينة  بتاريخ  19 سبتمبر  2015م عندما عمل العدوان على قصف البيوت التاريخية والأثرية الواقعة في حارة الفليحي، وألحق  أضراراً بالغة أكبر من تلك الأضرار التي خلفها القصف على حارة القاسمي، حيث بلغ إجمالي عدد المباني المتضررة جراء قصف الفليحي ( 292 )حيث تدمر بشكل كلي بيت ومبنى بئر المسجد، وعدد 150 بها تشقق وأضرار حادة ومتوسطة ، والمباني التي تأثرت بالضغط والإهتزاز الناتج عن عملية التفجير وتكسرت فيها الزجاجات والقمريات وصل عددها إلى 140 مبنى، وهذه المباني موزعة على  9 حارات (الفليحي – العلمي – القزالي – معمر –  الجوافة – كباس – محمود – نعمان – الزمر)، وكانت مساحة المنطقة المتأثرة حوالي 72,255 متراً مربعاً.
وكما هو معلوم بأن معظم البيوت مأهولة بالسكان حيث استشهد  10 أفراد من أسرة كاملة من بيت حفظ الله العيني، واثنان من بيت قصبة وصهرهم ابن الزواحي وكان المجموع ثلاثة عشر فردا ، إضافة إلى الآثار النفسية الكبيرة والذهول على كل أهالي مدينة صنعاء القديمة.
أضرار حياتية مختلفة
هناك أضرار كبيرة على جوانب حياتية مختلفة حاول التقرير الإشارة اليها فهناك الأضرار النفسية التي وصلت إلى عدد كبير من الأطفال والنساء وكبار السن وقد تم وضع خطة لعمل دراسة تفصيلية بهذا الخصوص على مستوى مدينة صنعاء القديمة بالتنسيق مع كوادر متخصصة في هذا الجانب منهم الدكتورة فوزية العمار ومختص علم النفس علي محمد الكبسي، وبينت المؤشرات الأولية إلى ظهور عدد من الحالات المتؤثرة نتيجة استمرار الحرب انعكست على الصحة البدنية والنفسية.
من جانب آخر برزت قضية النازحين من داخل مدينة صنعاء القديمة نتيجة القصف على بعض الحارات أو النازحين من محافظات متضررة، حيث أدى  والقصف الجوي والاشتباكات في العديد من المناطق اليمنية  إلى نزوح الكثير من سكان المناطق الأكثر ضررا الذين اجبروا على مغادرة منازلهم أو أماكن أقامتهم إلى المناطق الأقل حدة مما أدى إلى حدوث العديد من الأضرار والمشاكل مثل (الأمن الغذائي) كما أشارت إلى ذلك تقارير صادرة من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أو تحذيرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة من “تفاقم المجاعة” في اليمن، ومن المسح الميداني الذي قمنا به حتى نهاية شهر ديسمبر 2015م للحالات المتضررة  وللنازحين بلغ إجمالي عدد النازحين في مدينة صنعاء القديمة ( 499) منهم (273) من الإناث وعدد 226)  من الذكور، موزعين على 28 حارة من إجمالي عدد حارت صنعاء القديمة التي تصل إلى 70 حارة (حسب التقسيم الإداري للمديرية). وهذه ليست كل الحالات في المدينة ولازالت عمليات التسجيل مستمرة. وهذه الظروف أدت إلى زيادة الطلب على الغذاء الذي أسهم بجانب الحصار المفروض على اليمن في ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية مثل الدقيق والقمح وكذلك الزيادة في  أسعار الغاز المنزلي وانعدامه في بعض الأوقات.
ومن المشاكل أيضا في (الجانب الصحي) نتيجة العمليات العسكرية والحصار المفروض وعدم توفر أساسيات الحياة كالماء الصالح للشرب والكهرباء إلى جانب انعدام الوقود (كالديزل والبترول والغاز) اللازم لتشغيل المولدات إلى جانب عدم توفر الأدوية والمستلزمات الصحية بسبب الحصار وقد عانت المستشفيات والمراكز الصحية في الوفاء بالتزاماتها (يوجد بصنعاء القديمة أربعة مراكز صحية فقط)، كما أن المواد المنبعثة للهواء سواء من العمليات العسكرية أو من المباني المهدمة ومن النفايات المتراكمة أو التي تم حرقها لها تأثيرات على الأهالي.
ومن المشاكل التي برزت أيضا (الحماية) ففئات مثل الأطفال وكبار السن والأمهات الوحيدات وأصحاب الإعاقات هي الأكثر استضعافا والأكثر حاجة للحماية، فقد قتل أطفال ونساء داخل البيوت جراء القصف الذي حصل على مدينة صنعاء القديمة كما هو الحاصل في عدة مدن يمنية.
وهناك قضية (التعليم)  فنسبة كبيرة من مدارس اليمن تم إغلاقها قبل نهاية العام الدراسي، وهناك طلاب المراحل الدراسية المختلفة أدوا امتحانات الشهادة العامة للمرحلة الإعدادية والثانوية في ظروف صعبة وغير آمنة، كما أن وجود العديد من النازحين الذين يعيشون في المدارس قد شكل أزمة كبيرة سواء أثناء أداء الامتحانات النهائية أو عندما يتم استئناف الدراسة خلال العام الدراسي الجديد.
وهناك تأثير كبير على الجانب (الاقتصادي) حيث أن التأثيرات الاقتصادية هي  الأبرز  بعد الآثار الاجتماعية، ونظرا للوضع الأمني في البلد الناجم عن هذه الحرب نتج عنها شلل تام في الحركة الاقتصادية والصناعة في البلد وهذا بدوره انعكس على الوضع الاجتماعي والبيئي في الجمهورية اليمنية بشكل عام نتيجة للوضع القائم في البلد وانعدام وسائل الطاقة والمواصلات والوضع الأمني، ففي صنعاء القديمة  ذكرت الدراسة بعض الحالات منها مثلا  صاحب مقشامة القاسمي الذي يعول أسرة كبيرة وفقد مصدر دخله الوحيد نتيجة ما لحق بالمقشامة من خراب ودمار حتى أثر على حالته النفسية وتوفى بعد أشهر من حادثة القاسمي.
حارات تحتاج  للمسح
بالتعاون مع  مدير إدارة الاستشعار عن بُعد واستخدام التقنيات الحديثة للحصول على المعلومات في المركز اليمني للاستشعار عن بعد التابع لوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات المهندس سامي محب الدين والتي اعد معنا هذا الجانب من الدراسة التي  بينت وصول تأثير القصف في عدة مواقع وحوادث في أمانة العاصمة إلى مدينة صنعاء القديمة مثل ما حصل في استهداف منطقة عطان أو نقم أو القصف عدة مرات على العرضي والذي أثر بشكل واضح على العديد من البيوت وهناك حارات كان التأثير واضحا فيها.
وهنا لن ننسى فريق العمل الذي عمل بكل إخلاص لوضع صورة أولية وإظهار النتائج بشكل إحصائي وبلغة الارقام يعكس الواقع العام نتيجة القصف المباشر ووضع كافة القطاعات الحكومية والمنظمات المحلية والدولية على الأضرار نتيجة القصف ومعرفة حجم المعاناة التي يعيشها المجتمع اليمني. والتي تتطلب خطوات فورية لإيقاف الحرب العدوانية وحماية المدينة التاريخية وأهلها، وبهذا الصدد ندعوا المجتمع الدولي العمل على إيقاف الحرب ووقف تدمير البنية التحتية المتواضعة لليمن .
* مدير إدارة تنمية المرأة
بمديرية صنعاء القديمة

قد يعجبك ايضا