سماعهن للقصف وأحاديث نتائجه الكارثية يحيل حياتهن إلى رعب وكوابيس مستمرة

>الكفيفات.. قصص من وحي العدوان الهمجي!!
>الديملي: العدوان زاد من ذوي الإعاقة في اليمن ودمر أكثر من 300 جمعية ومركز
>شرهان: وضعنا برامج وجلسات نفسية للتخفيف من وطأة معاناة الكفيفة
تحقيق/ أسماء حيدر البزاز
يسمعن انفجارات الصواريخ التي تتبع بلحظات أزيز الطائرات، وأحياناً تسبق هذه الانفجارات الأزيز.. الفزع تحول في قلبوهن إلى طقوس معتادة منذ بداية العدوان، لكن استهداف دار المكفوفين في أمانة العاصمة حوَّل كل غارة إلى قيامةٍ من الرعب، يعشنها، ربما لأنهن لا يشاهدن أماكن الانفجارات وبراكين الأدخنة واللهب المتصاعد، ليأملن أنه بعيد عن أهداف الطائرات، ما جعل كل واحدة منهن تشعر بأن الموت صار اقرب منها وفي أي لحظة.. إحداهن قالت: لو كنا نرى  لخفف وهوّن ذلك على نفوسنا عذاب  الخوف والرعب»..
إنهن الكفيفات.. هذه الشريحة المنسية رغم قسوة الظروف، ورغم فداحة العدوان وصعوبة العيش إلا أنها تعيش اليوم معاناة استثنائية، لها أبعادها النفسية.. هذه الشريحة لا ترى مشاهد العدوان والقتل والدمار الذي يحل بالمجتمع اليمني من حولها، لكنها تسمع الجميع يتحدث عن سلسلة الجرائم التي تتكرر هنا وهناك بحق هذا الشعب البريء الأعزل.. سنتتبع في هذه المادة الصحفية بعض معاناتهن.
في بداية هذه القصص المؤلمة تحكي سلوى ضيف الله – 22 عاماً –تجربتها وواقعها بألم كبير قائلة: عامُ مرّ على العدوان البربري الغاشم على بلادي تأثرت كثيراً ودخلت في عزلة عن الآخرين وخوف شديد ينتابني فأنا لا استطيع أن أرى ما يحدث حولي ولهذا ما إن اسمع الصراخ والعويل والبكاء والتفجيرات أصرخ بلا شعور حتى يغمى عليَّ وأتخيل الأسوأ دائماً فما أن تمر أو تحلق طائرة تعود إليَّ تلك الحالة.
وتابعت ضيف الله: صُعبت حالتي كثيراً على نفسي وعلى أهلي الذين قرروا عرضي على دكتور متخصص بالأمراض النفسية لإيجاد حل لهذا الخوف والقلق الزائد الذي يغيبني عن الوعي بشكل مستمر وفعلاً حضرت عدة جلسات الشفاء ولا بأس هناك تحسن بسيط في حالتي.
كل المحاولات
أم الكفيفة حنان العزي  تروي قصة ابنتها الكفيفة (حنان) التي تبلغ من العمر 14 عاماً حيث قالت : «أنا قلقة كثيراً على حال ابنتي التي لم يستقر لها حال ولم يهدأ لها بال عندما تسمع صوت طائرة أو تفجير من قريب أو بعيد، حيث تصاب بحالة هستيرية وتصرخ بشكل جنوني قائلة: (خبّؤني.. سيقتلونا.. سيذبحونا.. هيا نهرب) ونحاول بقدر الإمكان تهدئتها إلا أنه كما تقول أمر خارج عن طور إرادتها فتتشنج وترتعش وتنتفض لوقت طويل قد استخدمنا معها كل الطرق لطمأنتها: أنه لا يوجد شيء يقلق وأن الأمور على ما يرام وأن التفجيرات أو الصواريخ لن تطالنا إلا أنها لم تصدق وتقول: أنتم تكذبون عليَّ أنا متأكدة أن هم قد قتلوا أطفال ونساء حارتنا وجيراننا وأن الدور الباقي هو نحن.
جثة هامدة
قصة مؤلمة ترويها لنا أم غالية فوزي عن ابنة أخيها الكفيفة روضة والتي منذ بداية العدوان على اليمن لما يقارب العام وهي مشغوفة بسماع الأخبار عن الضحايا وعن الذين استهدفتهم الضربات والغارات وهي أخبار مؤلمة يندى لها الجبين فتكبي وتتأثر بدرجة كبيرة، حاول أهلها منعها عن سماع الأخبار لكون حالتها النفسية ازدادت سوءاً وحيث بدأت تنطوي في عزلة عن الآخرين وما أن تسمع طائرة تحلق حتى تصرخ : (أنقذوني أنقذوني سأموت.. سيُنكل بجثتي.. سيحرقونني) وأحيانا تهرب من غرفتها وترتطم من الخوف بالجدار فتؤذي نفسها، حاول وحاول أهلها مراراً تهدأتها وأن الأمور لا تستحق كل ذلك وليس كما تتخيلها فالناس عائشون وصامدون ويذهبون إلى أعمالهم ولا يخفيهم كل ذلك فتهدأ قليلاً ثم تعود لسابق عهدها.
ومضت أم غالية بالقول: نهاية روضة لم يكن أحدٌ يتوقعها فبعد أن شن العدوان غارات على كلية المجتمع بصنعاء من قوة وشدة الضرب استيقظت من نومها مرعوبة متخيلة أن الصواريخ في حوش منزلهم تهرب وتصرخ.. لا إله إلا الله.. جاء الموت.. جاء الموت.. فسقطت من سلالم المنزل جثة هامدة في لحظة أفزعت أهلها وذويها وأحزنتهم كثيراً لنهاية مؤلمة وغير متوقعة.
برامج نفسية
وفي هذه الزاوية أوضحت لنا الأخت صباح حريش – رئيس جمعية الأمان لرعاية الكفيفات: أن ذوي الإعاقات البصرية يعشن اليوم واقعاً متدهوراً وخاصة في الجانب النفسي نتيجة الأوضاع الأمنية والحرب الواقعة على البلاد ولا بد من تكاتف لمساعدتهن للخروج من هذه المحنة بكافة الطرق والوسائل الممكنة.
وهو ما أكدته لنا الأخت سماح شرهان – المسؤولة الإعلامية في جمعية الأمان لرعاية الكفيفات واصفة الوضع بالصعب والمؤلم فالكفيفة – كما قالت – عندما تسمع الأخبار أو صوت الطائرات تشعر بالرعب ولا تستطيع التحمل فيقمن بسداد أذانهن لا يردن أن يسمعن شيئاً – نفسياتهن محطمة، فنحاول تهدأتهن بأن هذه هي طائرات استشكافية وأن الإعلام يهول وأن الواقع طبيعي جداً لكن لا فائدة ، فمنهن من انعزلت ومنهن من تركت وصيفتها واستسلمت للخوف فقررنا ملافاة هذه المشكلة بإعداد مشروع وبرنامج الدعم النفسي وإقامة جلسات نفسية واستشارية لأفراد وجماعات على أيدي مختصين للتخفيف من معاناتهن – والحمد لله – حققت تلك الجلسات نجاحات ملموسة.
300 جمعية ومركز
من جانبه أكد رئيس صندوق رعاية المعاقين محمد الديلمي في تصريحات صحفية سابقة إن كانت الحرب ألقت بظلال رعبها على كافة أبناء المجتمع اليمني على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والصحية وغيرها، فإن وقعها أشد على ذوي الإعاقة في اليمن، فضلاً عن أن الحرب زادت من عدد الأشخاص ذوي الإعاقة بعد أن تسببت الغارات الجوية والاقتتال الداخلي بإعاقات جديدة إلى جانب ذوي الإعاقة في البلد الذين يقتربون وفق آخر التقديرات الدولية من 3 مليون معاق.
وقال: إنه ومنذ بدأ الحرب على اليمن أغلقت أكثر من ثلاثمائة جمعية ومركز تعنى برعاية الأشخاص ذوي الإعاقة أبوابها، وتوقفت عن تقديم خدمات الرعاية والتأهيل والعلاج الطبيعي وغيرها من الأنشطة والفعاليات التي يحتاج إليها الأشخاص من ذوي الإعاقة، الأمر الذي ضاعف من معاناتهم وخاصة أولئك الذين هم بحاجة ماسة إلى جلسات العلاج الطبيعي كون ما يحدث من قصف وانفجارات وانعدام للمشتقات النفطية وتدمير للبنية التحتية ألقى بتبعاته الكارثية على كافة أفراد المجتمع بشكل عام وعلى ذوي الإعاقة بشكل خاص الذين يتصدرون قائمة ضحايا الحروب والنزاعات على الدوام.
كل ذلك فضلاً عن ما تسببه الحرب من أثر نفسي سلبي على ذوي الإعاقة الذين لا يستطيعون التحرك بذات الكيفية والسرعة التي تساعد بقية أفراد المجتمع على حماية أنفسهم من ويلات القصف والاقتتال والانتقال من منطقة لأخرى وبالتالي فإن الأشخاص ذوي الإعاقة هم الأكثر حاجة لبرامج الإغاثة الإنسانية في الحرب وهو ما يجب على الدولة وكافة منظمات الإغاثة تفهمه والعمل على تلمس احتياجات ذوي الإعاقة للتخفيف عن الآثار السلبية التي تلحق بهم جراء الحروب والاقتتال.

قد يعجبك ايضا