صدام عبدالواسع المخلافي
غالبا ما تتحول الأفراح إلى أتراح ، والتهاني إلى مآسٍ ، بسبب مبالغة بعض العرسان في التعبير عن أفراحهم بطرق غير مشروعة وغير سوية بالمرة ، هكذا هو الحال في الأعراس التي تشهد اطلاق الأعيرة النارية وتعتبرها وسيلة سليمة للتعبير عن مدى الفرحة في المناسبات المفضلة، فتتحول معها المظاهر في غالب الأحيان ، من تهان الى تعاز ، ولم تجد التوجيهات المتكررة من قبل الأجهزة الحكومية من تلك الظاهرة أي تجاوب يقال ، وقد توالت أيضا صيحات المثقفين والناشطين ومنظمات المجتمع المدني مرارا وتكرارا ولا حياة لمن تنادي…
فقد تأصلت في عقول الكثير منا مثل هذه المظاهر السلبية الحمقاء وذلك تحت بند العادات والتقاليد المتوارثة ، حيث تعتبر تلك الظاهرة لدى الكثير من أبناء اليمن جزءاً لا يتجزأ من موروثهم الشعبي و ثقافتهم وهويتهم ، التي لا مناص منها في أفراحهم…
لكن الغريب في الموضوع أنك تجد غالبية من يمارسون مثل تلك العادات غير مرتاحين تماما لمثل هكذا عادات ، ولكنهم يفعلونها عن مضض وبدعوى العيب من ترك العادات والتقاليد حتى وإن كانت خبيثة للأسف ولا عجب…
تماما أنا لست ممن يهوى تلك النواميس المتدنية ليس غرورا بل هي الحقيقة..
وقد مررت أنا والكثير من زملائي بتجارب في منطقتنا، سنوات ونحن نحاول إقناع أهل منطقتنا أن هذه الظاهرة سيئة وسلبية جدا ويجب ألا ننصاع أو نستسلم لمثل هكذا ظواهر، وكانت غالب تلك المحاولات عقيمة… ولكن لا يأس مع الحياة…
وكانت تجربتي الأخيرة حقيقة مؤلمة في عرس ابن عمي قبل عدة أشهر ، بعدها أقسمت بالله أن لا أحضر أي عرس يتم فيه إطلاق الأعيرة النارية بعد تلك الليلة المفجعة ، حيث كانت الساعة التاسعة مساء والجميع يتوافد على المخيم من كل مكان احتفاء بالمناسبة وتعبيرا عن الفرحة للعريس ، لحظات وبدأت مكبرات الصوت تطرب الجميع وحركات الراقصين تبهرهم حتى امتزج المكان بصوت الموسيقى والتصفيق والتصفير ، شيئا فشيئا والفرحة تتقاسم ملامح الحاضرين صغارهم وكبارهم ، حتى بلغت النشوة الفرائحية أوجها لدى أحد الحاضرين فقام معمرا سلاحه الكلاشنكوف وبدأ يطلق الأعيرة النارية في الهواء تعبيرا عن فرحته وللأسف ، وما هي إلا لحظات وفقد ذلك الشخص توازنه وهوت يده التي فيها السلاح إلى الأسفل ، وكانت الكارثة يوم أن أصيب أحد الحاضرين إصابات متعددة لشظايا استقرت في ظهره ولله الحمد أنها لم تكن قاتلة..
قرأت يوما في أحد التقارير الصحفية مقولة لطفل فقد أخته بسبب هذه الظاهرة بعد أن قال له الراوي ما الذي حدث :
فرد بكلمات أبكتني كثيرا ، يوم أن قال : لا أعرف ما الذي حدث سوى أن جاري تزوج وشقيقتي قتلت….
مؤلمة هي تلك الكلمات التي صدح بها الطفل ، فهو يتحدث عن أنانية هذا الجار في التعبير عن فرحته وكيف أتم فرحته بحزن جيرانه وفاجعتهم…
أخيرا وليس آخراً ندعو الجميع ونرجو منهم ومنا أيضا أن نرتقي بأعراسنا وأفراحنا ومناسباتنا وأن نخلد منها كل ذكرى جميلة ، ولنستمع جيدا لصوت الحقيقة التي تنادي أعماقنا… لا تقتلونا بفرحتكم.. لا تزعجونا بمناسباتكم…ولنتشارك الأفراح دوما سوية دون أي أنانية مفرطة..
دمتم ودامت ديارنا بالخير والأفراح عامرة.