التاريخ في عام

طه زبارة
نحن لا نتحدث عن شيء عابر، ولا عن ضجيج يتلاشى في الفضاء الرحب . نحن نتحدث عن تاريخ الأمم والشعوب ، عن تاريخ البشرية بأكمله، عن التاريخ الذي تبلور هناك بعيداً في آخر الخريطة ، حيث وضع العالم على عينيه غشاوة كي لا يشاهد ما يحدث، حيث اعتبروا الحصار خدمة مجانية، حيث صارت القنابل هدايا يومية، حيث اختلط الهواء بملح التراب، حيث مالت الدماء على ركام المنازل كأغصان الياسمين وعانقت الأشلاء بصمت ، حيث تُرسل الطائرات الموت بالجملة ، حيث أصبحت روح الشهيد كشجرة صنوبر يرتبط الجميع بها ويقتبسون منها معنى الشموخ والعلو. نتحدث عن العنفوان وعن العنقاء ، نتحدث عن الأساطير وعن الحقائق، فكلها تجسدت في شعب واحد ومواطن أوحد أصبح حديث العالم اليوم وإن كان في سريرتهم فقط ! إنه المواطن اليمني ، إنه التاريخ الذي يمشي على قدميه، إنه التاريخ الذي جار عليه أولاد الحاضر إنه الجغرافيا التي تطاولت عليه خيام الصحراء.
عام بأكمله وثلث العالم يحشد ويدبر ويفكر ويحاول جاهداً بأمواله ومقاتليه ومرتزقته ومؤامراته وتكنولوجياته إخضاع التاريخ ! يريدون أن يروا التاريخ مُذعنا وخانعا ولكن خاب ظنهم وباء مسعاهم بالفشل ! تجلى التاريخ أمامهم صامداً في موقف خرافي يكاد لا يوصف، وتجلت من ثنايا قدميه دروس تكفي أن تعلم البشرية جمعاء ماذا يعني الوطن وماذا تعني الرجولة ! رسم لوحة الصمود في برواز من الوريد، وأخذ سلاحه المتواضع وذهب ليعزف به سيمفونية الشرف أمام جحافل الغزاة . لا يمتطي سوى قدميه الحافيتين اللتين تلتصق بهما ذرات التراب ومن ثم تُخبر أقرانها أنه من هنا مر التاريخ وحيداً بلا جاه وبلا مال وبلا عتاد وبلا مجنزرات ، تخبرهم أن التاريخ مر وحيداً يحمل حضارته على كتفيه ويقاتل بها برابرة الدهر الذين لا تاريخ لهم ولا مستقبل . هذا التاريخ التي تذوب أمام بساطته أعتى الأسلحة وأكثرها ذكاءً يُصيبهم بالغيظ ويجعلهم يتساءلون كيف لا يموت ولماذا لم تقض عليه أسلحتنا ؟ لا يعلمون أن التاريخ لا يموت ولا يندثر وإنما هو حقيقة باقية ما بقيت الأرض وما بقي الإنسان وأن الفقاعات الصابونية التي ظهرت في حين غرة محاولة ابتلاع التاريخ هي من ستختفي بلمح البصر ولن يبقى من أثرها إلا الرذاذ الذي سينجلي في الفضاء .

قد يعجبك ايضا