إدارة التنمية .. أم تنمية الإدارة..؟!
عصام حسين المطري
عندما نلج من أبواب الاقتصاد العديدة تستوقفنا التنمية الشاملة كحلقة من حلقات الاقتصاد العام ومدلول حديث من مدلولات النهوض الاقتصادي الشامل حيث لا بد من التعريج في طياتها والوقوف عند ثناياها لاستلهام مولداتها الفعالة ومعرفة كنهها وسبر أغوار العملية التنموية الشاملة في إدراك تام لمعطياتها وعدم تجاهل للمعوقات أو الكوابح التي تعترض طريقها إن خاب الظن في جميع السياسات الاقتصادية وليس أدل على ذلك من تأخر العملية التنموية في أغلب الأقطار العربية والإسلامية لقاء تخبط التقعيد وغياب التخطيط السليم وهزال الرؤية التنموية وشيوع الفساد المالي والإداري والأخلاقي قال تعالى “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس لنذيقهم بعض الذي عملوا”.
وحتى نتمكن من النهوض التنموي الشامل متعدد المجالات علينا أن نثمن تجارب البلدان التي تعد في مصاف الدول المتقدمة وأن لا يكون ذلك بهدف الترف الثقافي والمعرفي كي نأخذ بأحسن التجارب التي تتماشى مع توجهاتنا وتطلعاتنا وتتوافق مع الأبعاد الدينية والثقافية صوب أسلمة الواقع التنموي مبتعدين ما أمكن عن التسطيح إذ لن يتأتي ذلك إلا من خلال إدارة كفؤة ومخلصة ونزيهة نذير أوجه النشاط الاقتصادي والتنموي بحنكة واقتدار وتدفع الأمة إلى رحاب العهود الحديثة والتي تفرض مضافرة الجهود وتحقيق أعلى معدلات النماء والنمو التنموي الراشد متنوع الميادين كي تنهض ببلداننا التي أكل عليها الدهر وشرب وعفا عليها الزمن.
وبالنظر إلى جوهر العملية التنموية الشاملة يتضح لنا جليا أن ثمة كوابح ومعوقات شديدة وكثيرة في طريق التنمية الشاملة متعددة الجوانب في يمن الإيمان والحكمة وفي مختلف الاقطار العربية والإسلامية حيث عجزت بلادنا ومنذ أربعة وخمسين عاماً من عمر الثورة السبتمبرية من إحداث نقلة تنموية شاملة في شتى الميادين ذلكم لأننا نعيش أزمة الإدارة التي فاقمت من حجم الخسارة على مختلف المستويات وكافة الصُعد وانتجت جيلاً هشاً ضعيفاً يعشق الارتجال ويهوى العشوائية ولا يلقي بالاً أو بيدي اهتماماً لكنز الوقت أو التخطيط والبرمجة الفعالة إلا من نزر بسيط يقدر قيمة الوقت ويثمن تثمينا عالياً مفتاح التحول والانبلاج والتحضر والتقدم ألا وهو التخطيط الواعي والبرمجة الفعالة في مختلف مراحل البناء والتنموية الشاملة.
لقد راعني التعريف الوظيفي البارز للتنمية والذي ينص على أن التنمية هي “تنمية الناس بالناس من أجل الناس” ليصبح الإنسان واستناداً في هذا التعريف البارز مجالاً ووسيلة وغاية للتنمية الشاملة الحديثة في إدراك ملموس لأهمية الإنسان فرداً وجماعة في سلم اهتمامات النهوض الاقتصادي والتنموية لعل ذلك ما يقرب حقيقة دامغة مفادها أن “تنمية الإدارة” هي التي يجب أن نبدأ بها أولاً كون إدارة التنمية عملية تالية ولاحقة العملية تنمية الإدارة التي هي في مسيس الحاجة إلى تنمية الإنسان .. تنمية تتواكب والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية والأمنية والإعلامية… الخ
ويسكنني ألم لاذع جراء تعافي النخب السياسية والثقافية والاقتصادية وأهل الحل والعقد عن حزمة الإجراءات الحديثة بغية تنمية وتحديث الإدارة التنموية عن طريق تنمية الإنسان الركيزة المثلى والدعامة الفضلى وذلك في جميع جوانب التنمية والإعداد والتأهيل على اعتبار أن الإنسان هو قطب الرحى في العملية التنموية والاقتصادية حيث إنه من المفيد التوصل إلى برنامج ثابت ومرن لتنمية وإعداد وتأهيل الإنسان محور الارتكاز للعمل التنموي والاقتصادي الشامل إذ من القمين أن نعطي الإدارة التنموية الشاملة والمتنوعة فرصة التنمية والإعداد والتأهيل الذي يصاحب العثرات التنموية والاقتصادية الشاملة.
والحقيقة التي لا تخطئها ملاحظة الأديب هي ضرورات إنشاء معاهد متخصصة للتنمية البشرية الشاملة ليس على غرار ما هو قائم اليوم بحيث تعطي هذه المعاهد المزمع علينا إنشاءها قيمة رفيعة للتنمية البشرية والقيادية بحيث تحصل في نهاية المطاف على مدير مؤهل تأهيلاً عالياً ولديه القدرة الفائقة على إدارة رحى التنمية الشاملة على أنه من الخليف توافر العديد من الخلال والصنعات الحميدة لمدير المستقبل مثل الأمانة والنزاهة والكياسة والذكاء علماً أنه من المستحسن تنمية وإعداد وتأهيل مدراء الإدارات ومدراء العموم ووكلاء الوزارات كلٌ حسب عمله ووضعه وموقعه فلنبدأ تدشين التنمية الشاملة من باب تنمية الإدارة تنمية فضلى في مختلف مجالات الحياة المتعددة والمتنوعة كمنظومة راقية تحفز على التألق والإبداع وتضع المجهود التنموي في سلم اهتمامها لتحدث تنمية إدارية وتنمية بشرية وتنمية اقتصادية تجمع الوسائل والآليات والفرص المتاحة والممكنة.. وإلى لقاء يتجدد: والله المستعان على ما يصفون.