عبدالله كمال
كانت الساعة تقارب الواحدة بعد منتصف الليل، وكان نزلاء مركز النور للمكفوفين يستسلمون لنوم يشوبه الكثير من الكوابيس، جراء هدير الطائرات الذي يملأ سماء العاصمة صنعاء، غير أن أحدا لم يكن ليتوقع أن تبلغ الحقارة مبلغها ويشن طيران العدوان حمم صواريخه على مركز يؤوي المكفوفين
في الخامس من يناير الماضي استيقظ نزلاء مركز النور من المكفوفين والذين من بينهم أطفال، ليلتها على أصوات دوي الانفجارات العنيفة، التي دمرت المبنى بشكل جزئي.. وفي ظلمات بعضها فوق بعض وجد النزلاء من ا?طفال المكفوفين أنفسهم يتخبطون بعد أن بلغ لهم الهلع والرعب مبلغه، لا يعرفون من هو لا يزال حيا منهم ومن كان قد قضى نحبه، ولا أين الطريق للنجاة من هذا الجحيم الذي نزل بهم دون ذنب اقترفوه.
لحظات من الجحيم
90 طالبا هو قوام الطلاب الذين كانوا ليلتها في المركز، ولنا أن نتخيل حجم الرعب الذي بثته صواريخ العدوان ليلتها، وحجم الفوضى والهلع الذي عم المكان. يقول محمد حجر، مشرف سكن الطلاب في المركز: كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشرة بعد منتصف الليل، وكان الطلاب قد خلدوا للنوم، أما أنا فكالعادة، أقوم بتفقد نزلاء السكن قبل النوم، وما هي إلا لحظات حتى أخذ المبنى يتزلزل بفعل القصف، واستيقظ الطلاب مذعورين وعلا صراخهم، بعد أن ثار الغبار والدخان حتى ملأ المبنى، وبتعبير مختصر فقد كانت لحظات من الجحيم.. كانت العيون كلها غائبة عن المشهد، فيما عين الله كانت ترقب هؤلاء المكفوفين وتحيطهم بالعناية وتحرسهم.
كان الأمر أشبه بورطة، فالطلاب أصبحوا عالقين داخل المبنى، وبحاجة إلى مساعدة لإخراجهم قبل أن يكرر الطيران المسعور غاراته كما هي عادته، ولم يكن بوسع مشرف السكن الذي روى لنا القصة بمفرده أن يخرج الطلاب المكفوفين، إذ تطلب الأمر التواصل مع بقية المشرفين وتدخل المواطنين الساكنين جوار المركز لإجلاء الطلاب من داخل المبنى وإنقاذهم.
إفلاس العدوان
هي حالة إفلاس وتخبط يعيشها العدوان، سيما بعد عام من حربه الجائرة على اليمن، والتي لم تحقق أيا من أهدافها المعلنة، بل إنها لم تحقق سوى أهدافها المضمرة التي تتمثل في قتل الشعب اليمني وتدمير مقدراته وبناه التحتية.
ذلك هو ما عبر عنه نائب المدير التنفيذ لصندوق رعاية وتأهيل المعاقين محمد الديلمي، بقوله إن قصف المركز دليل إفلاس لدول العـدوان بقيادة السعودية، التي بات نظامها يعيش حالة تخبط وفقدان لكل أخلاقيات الحرب وأعرافها.
وتساءل الديلمي: ما الذي فعله المكفوفون حتى يتم قصفُهم وتدمير منشآتهم؟، وأين المنظمات الدولية والمحلية والحقوقية والأمم المتحدة وكل الجهات المعنية من هذا العـدوان الهمجي؟!.. مؤكداً أن النظام السعودي بهذا التصرف الهمَجي يدُقُّ آخر مسمار في نعشه.
مهما بلغت بشاعة الحروب، ومهما تزايدت وحشيتها وهمجيتها، إلا أن ثمة ما توفره، وثمة قوانين وأعراف، ومعاهدات دولية، تحد من قذارة الحرب، وتكبح وحشيتها.. نعم الحرب قذرة، لكن الأقذر منها هو أن تتخطى كل تلك المواثيق والأعراف الدولية، ويتخلى أربابها عن كل معاني الإنسانية، وذلك هو ما تجلى في أبشع صوره خلال الحرب التي يرزح تحت وطأتها الشعب اليمني منذ عام.
على مدى عام وطيران العدوان مستمر في إثبات القدر الذي يمتاز به القاتل من همجية لم تقف عند حدود، ولم تراع حرمة محرم في قانون الحروب.. حيث أصبح كل شيء على هذه الأرض هدفا لها، فلم يفرق طيرانهم الهمجي بين حي سكني ومعسكر، بين مدرسة وثكنة عسكرية، بين موقع ومستشفى، بين جبهة قتال وسوق…إلخ.
إدانات واسعة
منظمات إنسانية وحقوقية دولية أدانت الجريمة، وعلى رأسها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والتي أدانت الجريمة، وأوضحت إن الجانبين السعودي والأمريكي لم يتجاوبا مع المنظمة التي تواصلت بشأن الحادثة.
بالإضافة إلى إدانات واسعة للجريمة عبرت عنها العديد من الفعاليات الوطنية والأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني،ومنها الجمعية الـيمـنية لرعاية وتأهيل المكفوفين ومركز النور، والمنتدى الـيمـني للأشخاص ذوي الإعاقة، ومنظمات المجتمع المدني، وكذا المجلس المحلي بمديرية الصافية بأمانة العاصمة وناشطون وحقوقيون وإعلاميون.
تساؤلات
قطعا لم يكن مركز النور لإيواء المكفوفين الواقع في حي الصافية بالعاصمة صنعاء ليصنف كهدف من أهداف الغارات الجوية، لو لم تكن الهمجية والإجرام والإيغال في سفك الدماء هي الدافع وراء استهدافه، فماذا عساه أن يخبئ هذا المركز الذي هو عبارة عن مبنى إيوائي مكون من ثلاثة طوابق، وأي سلاح ثقيل وخطير هذا الذي يمكن أن تحويه غرف وسلالم وممرات هذا المركز؟!
تلك أسئلة حول دوافع تلك الجريمة، يطرحها كل مواطن يمني أمام العالم والأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية ، حتى وإن لم يلق إجابة عليها، إلا أن التاريخ كفيل بحفظها والإجابة، شأنها شأن غيرها من الجرائم التي تفوقها بشاعة، والتي لا يمكن أن تسقط بالتقادم.