تعز / سلطان مغلس –
العلاقة بين (تعز) العاصمة الثقافية للجمهورية اليمنية ومدينة العلم والعلماء (زبيد) ليست باللحظية العابرة فالعلاقة ممتدة منذ الدولة الرسولية وحتى اليوم وتمتاز بنكهة خاصة جذورها متوطدة في مختلف المجالات لاسيما مجال التبادلات الفكرية والثقافية والتنويرية وجسدت ذلك ندوة أقامتها مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة بمدينة تعز بالتنسيق والتعاون مع مكتبة زبيد العامة كان عنوانها ” العلاقات الثقافية المعاصرة بين مدينتي زبيد وتعز ” في نهاية الشهر الماضي وقدمت فيها عدد من أوراق العمل الهامة تركزت في مجملها على أفق تطوير العلاقات بين المدينتين مستقبلا واستعراض جذور العلاقات الاجتماعية والعصرية وكذا الصلات العلمية كما أتت توثيقاٍ لمراحل مهمة من تاريخ المدينتين إذ أنها خلاصة أبحاث جادة وأكاديمية قدمها نخبة من الباحثين بدعوة من مؤسسة السعيد ومكتبة زبيد العامة وصاحبها عرض فيلم وثائقي يتناول أهم المعالم التاريخية للمدينتين ولأهمية الندوة ومضموناتها لخصت “الثورة” أبرز ما تضمنته أوراق العمل في هذه المادة:
العلاقات الثقافية المعاصرة
❊ وفي الورقة الأولى التي تضمنت العلاقات الثقافية المعاصرة بين زبيد وتعز وأفق تطويرها في المستقبل وقدمها مدير مكتبة زبيد العامة أ.هشام عبدالله ورو أشار من خلالها إلى أن العلاقات التاريخية بين حواضر اليمن بعضها البعض لم تكن مجرد لمحات عابرة استطاع أن يجسدها نخبة من رجال العلم والفكر والثقافة مشيرا إلى إن تعز وزبيد مثلت عاصمتين ثقافيتين على امتداد عدد من الدويلات المستقلة وكان ذلك الامتداد المعرفي يمثل نسيجاٍ فكرياٍ امتد ازدهاره منذ الدولة الرسولية حتى اليوم وقال : مدينة زبيد مدينة العلم والعلماء التي ارتبطت روحياٍ بهذه المدينة مثلت أربطة زبيد العلمية وجامعتها الاشاعر ومدارسها العلمية امتداداٍ لنفس النهج التعليمي منوها بأن علاقات اليوم امتداد للماضي مستعرضا فتح مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة دفتي كتابها ليسطر فيه العالم علاقات مفتوحة مع الجميع فشكلت منذ العام 2009م مع مكتبة زبيد العامة علاقات علمية عبر ندوات وأنشطة مختلفة مثلت القضية الثقافية والفكرية فكان احتضان مكتبة زبيد العامة لمحاضرة حول دور مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة في تفعيل جزء من المشهد الثقافي في الوطن وتكريم رائدها الأخ فيصل سعيد فارع بمنحه درع مكتبة زبيد مضيفا أن مؤسسة السعيد احتضنت عدداٍ من الفعاليات الثقافية لأدباء وشعراء زبيد في أكثر من مناسبة ويعد التواصل الثقافي لزبيد ضمن البرنامج السنوي للمؤسسة ومكتبة زبيد فلا يمر عام إلا وزبيد حاضرةٍ في قلب المشهد الثقافي للمؤسسة ولتعز فقد شاركت المؤسسة ممثلة بمديرها في مسابقة شاعر زبيد للشباب 2012م وشارك أدباء زبيد في احتفالات جائزة الحاج المرحوم هائل سعيد أنعم للعلوم والآداب.
عوامل التعليم ومقوماته من القرن الثالث الهجري إلى القرن العاشر الهجري
❊ وفي الورقة الثانية التي قدمها د.عبدالغني علي المسلمي – رئيس وحدة البحوث والدراسات بدائرة تطوير الأداء الأكاديمي وضمان الجودة- جامعة تعز – هدفت لتقصي عوامل التعليم ومقوماته في الفترة التاريخية من القرن الثالث الهجري إلى القرن العاشر الهجري في اليمن وأثره على النهضة الفكرية والعلمية في زبيد خاصة واليمن عموماٍ وإمكانية الاستفادة من ذلك في واقعنا الراهن .
وتوصلت الورقة إلى عدة نتائج أهمها – وجود عدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية أسهمت في صناعة التعليم خلال الفترة التاريخية المذكورة وأثرت فيه بدرجات مختلفة في كل منها – توافر للتعليم في تلك الفترة التاريخية مجموعة من المقومات المتصلة بالطالب والمعلم والمنهج والمبنى والإدارة والتمويل مما أسس حركة علمية رائدة في نواح متعددة.
العلاقة التاريخية
❊ أما الورقة الثالثة فاستعرضت العلاقة بين زبيد وتعز للباحث والمؤرخ الأخ أ.عبده علي هارون رئيس مركز الأشاعر للدراسات والأبحاث وقال الباحث إن جهود علماء تعز وزبيد في تدوين التاريخ قد شملت كل أنماط التدوين التاريخي وهو عمل يستحق الإجلال والإكبار لاولئكم الأفذاذ الذين وهبوا أنفسهم لخدمة العلم والمجتمع إذ أنهم قدموا خدمة جليلة لنا وللثقافة العربية الإسلامية ولولاهم لما عرفنا شيئاٍ عن الحياة العلمية والاجتماعية والثقافية والحضارية والاقتصادية والسياسية إلى غير ذلك من العلوم والمعارف الأخرى التي احتسبها لهم التاريخ رصيداٍ فكرياٍ ونتاجاٍ علمياٍ ثقافياٍ .
كما استعرضت جهود علماء تعز وزبيد المتمثلة في مؤلفاتهم الخاصة بالتاريخ المشمولة بالتاريخ العام والتاريخ المحلي والطبقات والتراجم والتاريخ الإقليمي والأنساب الخاصة وكذا العامة وكذلك المناقب.
مراحل العلاقات الاجتماعية
❊ وفي محور العلاقات الاجتماعية بين المدينتين قال الأخ داود سالم بازي: إن العلاقات دل عليها وجود العديد من أبناء محافظة تعز عاشوا في زبيد وأصبحوا يشكلون جزءاٍ من مجتمعها وهم يأتون في المرتبة الثانية بعد أبناء وصاب من حيث الكثرة امتزجوا وتمازجوا وتواشجوا وذابوا وغابوا جسداٍ ودما وروحاٍ وقلباٍ منذ مئات السنين مشيرا إلى أن هذه التواشيح كانت أكثر وضوحاٍ في الفنون الشعبية خصوصاٍ في ” أغان المهد وألعاب الطفولة ” والتي اختارتها هذه الدراسة للتوقف عندها .
واستعرضت الورقة أيضا ” الألعاب الشعبية ” التي كان يؤديها الأطفال في مجتمع زبيد في ” مرحلة الطفولة المتأخرة ” ومقارنتها بما يؤدي من ألعاب في محافظة تعز والتشابه فيما بينهما من حيث الأداء كما استعرض الألعاب المشتركة بين زبيد وتعز من حيث الأداء والحركة ومنها لعبة تسمى عندنا ” واقصبة نودي نودي ” بينما نجدها في محافظة تعز ” تسمى ” واغيمة سودي نودي ” ولعبة تسمى عندنا ” المحجلة ” بينما تسمى في تعز باسم ” الذيب وابه الذيب ” نفس الحركة وتختلف عنها في الأداء الصوتي ولعبة تسمى باسم ” من كبته طيار ” وهي من ألعاب الأولاد الذكور ومنتشرة وأيضا من ألعاب البنات لعبة تسمى ” بلاحمي بلاحم ” لافتا بأن العلاقات لم تتوقف عند هذا الحد بل أنها تتجاوز الحدود الجغرافية لليمن إلى عدد من الدول العربية مثل مصر والكويت مركزاٍ على أوجه التشابه والاختلاف.
الصلات العلمية
❊ واستعرضت الأخت ياسمين يحيى القاضي مراحل ازدهار الحياة العلمية لمدينتي زبيد من تأسيسها وقالت: في عهد الدولة الزيادية مروراٍ بالنجاحية والأيوبية وصولاٍ إلى عهد الدولة الرسولية كانت زبيد هي حاضرة تهامة والمعهد العلمي الشهير وهي مصنع العلماء والأدباء والفقهاء حيث أصبحت في تلك الفترة ثالثة المدن العلمية بعد مكة والمدينة تضاهي المدن الأخرى بمكانتها العلمية وهذا ما جعل العلماء يفدون إليها من جميع أنحاء العالم ولذلك خلفت زبيد سمعة طيبة لليمن ورفعت من شأنها واستعرضت الورقة أيضا المكانة العلمية لمدينة تعز في تاريخ اليمن الحضاري التاريخي وقالت الباحثة بأن تعز ظهرت في بداية الدولة الأيوبية حيث أصبحت عاصمة لليمن بأكمله ثم تألقت كزهرة في سماء اليمن ثم اكتملت واستقرت مع وجود الدولة الرسولية.
واستعرضت الورقة أسباب ربوع صيت اليمن خاصة مدينتي زبيد وتعز وما جعل العلماء يوفدون إليها وازدهار الثقافة والأدب ولخصتها بـ” اهتمام ملوك وأمراء الدولة الرسولية بهما من حيث إنشاء المؤسسات العلمية وكذلك قيامهم بوقف أموال عظيمة وأراض خيرة على تلك المؤسسات العلمية مما مكنت الكثير منها من الاستمرار في أداء وظيفتها ورسالتها العلمية وأيضا ” أن الاهتمام بالعلم لم يكن قاصراٍ على فئة معينة بل كان يقوم بها الملوك والأمراء والوزراء والفقهاء والأعيان وحتى النساء كان يقمن بمثل هذه الأعمال الخيرية في البلاد ” وكذلك ” لم تكن المؤسسات العلمية تلزم طلبة العلم بأي واجبات مالية بل كانت تتكفل بكل ما يمكن إعاشتهم وإسكانهم” بالإضافة إلى تطور المؤسسات العلمية التخصصية العلمي وجدت مدارس تعليم الفقه ومدارس لتعليم الحديث الشريف ومدارس لأصحاب المذهب الشافعي ومدارس لأصحاب أبي حنيفة وغيرهم” .
مدينة زبيد .. ظروف النشأة.. والمنحى الفكري والسياسي فيها
❊ وفي هذا المحور تطرق د.عبدالله اليوسفي لظروف وملابسات اختيار مدينة زبيد وحدها عاصمةٍ سياسيةٍ لأكثر من مرحلة تاريخية من القرن الثالث الهجري حتى القرن العاشر بينما بقية الدويلات اليمنية لم تكن عاصمةٍ إلا لفترة تاريخية واحدة وعمرها قليل جدٍا وارجع ذلك لطبيعة الفراغ الفكري والمذهبي وتنوعه إلى درجة أن زبيد احتضنت أربعة مذاهب مختلفة في آنُ واحد فضلاٍ عن الفكر الصوفي الذي امتد إلى مختلف أنحاء اليمن وما زال إلى اليوم كما تطرقت الورقة للصراع الفكري بين زبيد وبقية الأطراف التي كانت تحكم وفق رؤية فكرية مغايرة كالفكر الزيدي والإسماعيلي وعن علاقة زبيد بمدينة تعز وحواضر العالم الإسلامي المختلفة كما وضحت الظروف التي أعاقت مدينة زبيد لتكون عاصمة سياسية لليمن في العصر الحديث.
نماذج من المصكوكات الرسولية المضروبة في مدينتي تعز وزبيد
❊ وقدم الباحث ناظم الدبعي رئيس قسم المصكوكات في مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة نماذج من مسكوكات الدولة الرسولية المضروبة في مدينتي تعز وزبيد وقدم دراسة عن النقوش والزخارف المستخدمة زمن السلطان المنصور عمر ودراسة التنوع في المصكوكات التي ضربها السلطان المجاهد وبدأ بتغيير طراز المصكوكات الرسولية وأضاف إليها صور لحيوانات وطيور وغيرها ترمز لكل منطقة وتختلف عن غيرها كما ناقشت الورقة المقدمة استمرار سلاطين الدولة الرسولية من بعد السلطان المجاهد بضرب النقود في المدن اليمنية مستخدمين صور الحيوانات ومن ضمنها مدينتا تعز وزبيد واشتملت أيضا على عينة البحث على ثمانية دراهم رسولية مختارة من مجموعة خاصة للحاج محمد قاسم الدبعي معروضة في مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة واعتمد الباحث في ورقته على المنهج الوصفي التحليلي والمنهج التاريخي.
(عبداللطيف بن أبي بكر الشرجي الزبيدي – نحوياٍ)
❊ وقدم د.علي محمد أحمد الزبيدي عميد كلية الآداب بجامعة الحديدة (سابقا) ورقة بحثية عن العالم عبداللطيف الشرجي وقال بأنه يعد من أشهر العلماء الذين ظهروا على ساحة المعرفة بما قدموه من مؤلفات قيمة ومن خلاله من تخرج على أيديهم من تلاميذ نخباء نقلوا المعارف وارتقوا بها أضاف : لعل أهم ما قدمه الشرجي في مجال علوم اللغة العربية مؤلفه القيم ((ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة)) فمن خلال هذا المصنف تظهر لنا مكانة الشرجي الذي قال عنه السخاوي ((صار شيخ النحاة في عصره بقطره وقرأ عليه الملك الآشرف بعطى لقانيفه)).
كما تضمنت الورقة مقارنة بسيره الشرجي النحوي ومكانته من خلال مصنفه الآنف الذكر وكذلك محولة جادة لتوضيح الحياة العلمية في ذلك العصر من خلال التعرف إلى شيوخ الشرجي وتلاميذه وقدم الباحث عرضا موجزاٍ لكتاب ائتلاف النصرة وأهميته في المدونة اللغوية النحوية العربية.
(أوقاف نساء بني رسولي في تعز زبيد أنموذجاٍ)
وفي الورقة الأخيرة تطرق أستاذ التاريخ الإسلامي المشارك بجامعة تعز الدكتور عبدالحكيم عبدالحق سيف الدين إلى (أوقاف نساء بني رسولي في تعز زبيد أنموذجاٍ) وقال بأن الأوقاف كانت ولا تزال مورداٍٍ مهماٍ للتنمية في كثير من البلدان ومجالاٍ للتكافل الاجتماعي والشراكة المجتمعية في التنمية وقد أسهمت الأوقاف بدور كبير في النهضة التي شهدتها البلاد الإسلامية لأنها تمثل الدور المجتمعي في التنمية.
وأردف بأن للمرأة في العصور الإسلامية المبكرة كان لها دور في الأوقاف ولعل أهمها أوقاف زبيدة زوج الخليفة هارون الرشيد على إجراء الماء من الطائف إلى الحرم في مكة وقد أسهمت عدداٍ من نساء بني رسول في بناء المدارس وإيقاف أراضي وعقارات على منافعها وكان من هؤلاء النساء على سبل المثال : الدار النجمي أخت الملك المنصور عمر بن علي بن رسول – والتي أسست ثلاث مدارس في جبلة ومريم بنت الشمس بن العفيف زوجة الملك المظفر يوسف إذ أسست ثلاث مدارس في زبيد وحافة الحْميراء وذي عقيب والدار الشمسي ابنة الملك المنصور التي شيدت مدرستين في تعز وزبيد .
كما تضمنت محاور الورقة – التعريف بالأوقاف وبدورها في التنمية – وحاجتنا إلى إحياء دورها – صورة عن أوقاف المرأة قبل العصر الرسولي بالإضافة لحيثيات أوقاف المرأة في العصر الرسولي ومجالات أوقاف المرأة الرسولية علاوة على حجم أوقاف المرأة الرسولية في تعز وزبيد وآثار أوقاف المرأة الرسولية على التنمية في المدينتين.