حمدي دوبلة
كان أبناء حي فج عطان السكني صبيحة يوم الاثنين الـ20من ابريل 2015م يعيشون يوما اعتياديا تحت أزيز طائرات العدوان ودوي انفجارات الصواريخ التي تطلقها هنا وهناك في ارجاء مختلفة من العاصمة صنعاء على الرغم من أن الناطق الرسمي باسم تحالف العدوان كان قد أعلن عشية الأحد الـ19من ابريل عن انتهاء ما اسماها «عاصفة الحزم» بعد تحقيق أهدافها العسكرية بنجاح حسب قوله وبدء مرحلة جديدة تحت مسمى «إعادة الأمل» دون ان ينسى أن يؤكد تخلل هذا الأمل بعض العمليات العسكرية إذا ما تطلب الأمر واقتضت الضرورة ذلك بحسب لسان العدوان احمد عسيري لكن لم يكن يتصور احد من أهالي هذا الحي في ذلك الصباح أن لحظات قليلة تفصلهم عن كارثة مزلزلة ستحيل الأطفال ممن يلهون في جنبات الحي والبيوت والمحلات التجارية وكل مكوناته من شوارع ومرافق وطرقات إلى أطلال وخرابات والى أشلاء آدمية متناثرة في كل جنبات الحي.
الساعة كانت تشير إلى حوالي الثانية عشرة واقتراب موعد الظهر من ذلك اليوم المشؤوم وهو الوقت المحبب للطائرات لشن غاراتها على الناس والتي غالبا ما تتزامن عند كل آذان وصلاة حينها كانت طائرة معادية تحلق فوق الحي وما هي إلا لحظات من ألقائها ذلك الشيء المرعب على رؤوس السكان حتى تغيرت الحياة بالنسبة لهم إلى الأبد.
دوى انفجار عنيف هز كافة إنحاء العاصمة المترامية الأطراف وحتى ضواحي صنعاء وظن سكان كل حي في الأمانة بأن الانفجار على بعد أمتار فقط وما هي إلا لحظات وتصاعدت إلى عنان السماء سحابة من الحمم والأدخنة ذات الألوان المتعددة ..هذا المشهد الحي والمباشر أعاد إلى الأذهان تلك الصورة القديمة والنادرة لمدينة هيروشيما اليابانية بعد إلقاء الطيران الأمريكي عليها قنبلة نووية خلال الحرب العالمية الثانية وشيئا فشيئا بدأت تتكشف حجم الكارثة الناجمة عن هذه القنبلة التي قال عنها الخبراء العسكريون في وقت لاحق بأنها»فراغية»ومن الأنواع المحرمة دوليا.
هذه القنبلة المزودة باليورانيوم المستنفذ والتي ألقتها طائرة شبح أمريكية على حي ” فج عطان ” السكني في مستهل المرحلة الثانية من العدوان تحت شعار «كذبة» الأمل حصدت أرواح أكثر من 84 مدنيا بينهم أطفال ونساء ومسنون و قرابة 800 جريح في مساحة سكانية واسعة تمتد لأكثر من ثلاثة كيلومترات مربعة وخلفت دماراً هائلاً بالمنازل والعمارات والمنشآت الحكومية والممتلكات الخاصة في المنطقة . ورصدت الجهات الرسمية أكثر من 700 منزل وعمارة لحقت بها الأضرار الفادحة بفعل قوة ضغط الانفجار .
وظلت الأدخنة وألسنة اللهب تتصاعد من بيوت المواطنين والمحلات المدنية في الحي لعدة أيام في جريمة وصفها المتابعون بالأبشع في تاريخ المنطقة العربية.
شيع أبناء حي فج عطان السكني بمنطقة حدة شهداءهم وعجت مشافي العاصمة بجرحى الجريمة وبدأت الغالبية العظمى ممن تهدمت وتضررت منازلهم في لملمة الجراح وما تبقى من أغراضهم عازمين الرحيل إلى المجهول في فصل جديد مع حياة النزوح واللجوء.
لقد ظن اليمنيون ان حجم الكارثة وفضاعة الجريمة النكراء التي اقترفها العدوان بحق السكان في فج عطان كفيل بان يحيي قليلا من ضمائر وإنسانية قادة العدوان لكن تلك الظنون الجميلة لم تدم طويلا فبعد أيام فقط من جريمة عطان فوجئ الناس بجريمة أخرى مشابهة وهذه المرة كان مسرحها حي نقم السكني الأكثر فقرا شرقي العاصمة صنعاء والتي أطلق عليها صحفيون وسياسيون «نجازاكي»اليمن على غرار هيروشيما «عطان» وذلك عندما استهدفها الطيران العدواني بقنبلة «نيترونية»شديدة التفجير والتأثير مخلفة خسائر فادحة في أرواح المواطنين ومنازلهم والمرافق الخدمية على مساحات شاسعة من مركز الاستهداف.
عشرون يوما فقط كانت الفاصلة بين الجريمتين ففي مساء يوم الاثنين الـ12من مايو وتحديدا عند وقت صلاة المغرب حيث كان معظم أبناء حي نقم صائمين تقربا إلى الله وابتهالا إليه سبحانه لرفع الكرب والبلاء كانت الغارة الوحشية لطائرات العدوان والتي ألقت قنبلتها «النيترونية» التي هزت العاصمة صنعاء وضواحيها وأحالت حياة أبناء هذا الحي الفقير إلى جحيم مستعر والى ساحة حرب حقيقية تعج بجثث النساء والأطفال والرجال وبدمار وخراب لا يتصوره عاقل وبلغ إجمالي عدد الشهداء والجرحى جراء هذه القنبلة النيترونية 35 شهيدا ، و269 جريحا بحسب الإحصائيات الرسمية لوزارة الصحة العامة والسكان إلى جانب تضرر عشرات المنازل السكنية والمحلات والمرافق الخاصة والعامة في مساحة تربو على 3كيلو مترات مربعة..كما تسبتت في نزوح آلاف الأسر والعائلات تاركين بيوتهم وأموالهم تحت رحمة حمم هذه الأسلحة المحرمة وتجبر وغرور قادة دول العدوان ورغباتهم الشريرة في استباحة دماء الناس وحرماتهم.
وتوالت التصريحات وكثر الجدل عقب جريمة نقم الشهيرة حتى جاءت تأكيدات خبير عسكري أميركي يدعى غوردون دوف والذي كشف أن طائرة إسرائيلية مطليّة بألوان سلاح الجو السعودي هي التي ألقت القنبلة النيوترونية على جبل نقم في اليمن.
وجاء في تقرير نشر على موقع «فيترانز توداي»في الـ19من مايو قول الخبير الأمريكي غوردون داف إن جبل نقم في اليمن قصف باستخدام سلاح نيوتروني.
الخبير داف أكد أن طائرة إسرائيلية مطلية بألوان سلاح الجو السعودي هي التي ألقت القنبلة النيوترونية على الجبل، وهي أكبر بكثير من القنبلة التقليدية.
ويؤكد الخبير الأمريكي بان القنبلة النيترونية في نقم تعتبر القنبلة النووية الثانية التي تسقطها السعودية على اليمن – حد قوله ..في إشارة إلى فراغية عطان.
وتبقى هاتان الجريمتان شواهد حية على وحشية العدوان وانتهاكاته الصارخة للقانون الإنسان الدولي وقانون حقوق الإنسان العالمي وتجرد قادته من كل القيم والمشاعر الإنسانية وستظل دماء الضحايا الأبرياء من أبناء عطان ونقم مثل عشرات آلاف المدنيين في اليمن من ضحايا هذا العدوان الذي يختتم اليوم عامه الأول كابوسا يقض مضاجع القتلة وسيبقى كذلك حتى يُساق المجرمون إلى القصاص الرادع وتلف أعناقهم حبال المشانق العادلة جراء ما اقترفته أياديهم بحق أبناء هذا الشعب المسالم.