الشيخ/ حسن فرحان المالكي
مادة الفيلم المسيء وغيره معظمها موجود في كتب أهل الحديث، وأهل الحديث هم في غالبهم تيار أموي داخل الصف الإسلامي، كان لهم الغلبة لغلبة بني أمية في القرن الأول، والله يمحص المؤمنين بغلبة الفجار، يمحص علومهم وضمائرهم وإيمانهم. وأعداء النبي ومشوهو صورته موجودون من الطلقاء وغيرهم، وكان لهم الصولة والجولة والتدوين والتأسيس الثقافي. وهم قد شوهوا القرآن وتفسيره وهو آيات بينات فكيف لا يشوهون السيرة والسنة ؟؟
نعم, يظن أكثر المسلمين أن النبي صلوات الله عليه وسلامه ليس له أعداء من داخل الصف الإسلامي من قديم من جيل الصحابة نفسه، وقد تحدث عنهم القرآن بإسهاب تحت عناوين مختلفة مثل : ( الذين في قلوبهم مرض) والذين ( يسارعون في الكفر) و ( المنافقين) الخ. هؤلاء الذين في قلوبهم مرض تمكنوا ودونوا سيرة النبي وسنته بدهاء ودسوا فيها ما شرعن لهم التفرد بالسلطة وانتهاك حقوق الإنسان والتوسع في الملذات والعصبية، فقد حاولوا أن يجعلوا النبي قدوتهم في المنع والعطاء، في التمييز والعنصرية، في الجنس واللذات، في العنف والتطرف، في التوسع والغزو، … الخ. وأصبحت هذه التشويهات راسخة.. لا يستطيع أحد أن يشكك فيها إلا اتهم بالبدعة والضلالة .. فانظروا كيف أغلقوا الأبواب على أنفسهم وعلى غيرهم.. وأتباع الذين في قلوبهم مرض قد صدقوا سلفهم الذين في قلوبهم مرض بأن قلوبهم صافية كالثلج وأنهم إنما يريدون الله ورسوله وأنهم أصدق الناس وأعلم الناس وأتقى الناس.. ولو أن هؤلاء الأتباع حاكموا سلفهم إلى القرآن الكريم لوجدوا أنهم أمكر الناس وأكذب الناس وأطمع الناس، وربما يجدون أن بعضهم أحمق الناس وأبلد الناس وأطوع الناس للناس وأعصاهم للخالق ..
لقد تحدث القرآن الكريم عن أعداء للنبي وعصاة وحسدة من داخل أصحابه.. وفئات في قلوبهم مرض، ومرجفين، ومنافقين، ومسارعين في الكفر، ومترددين، وشكاكين، وسماعين للمنافقين … الخ, فأين ذهبت هذه المجموعات كلها؟؟ هل انتهت بموت النبي صلوات الله عليه أم كانت لها المشاركة الفعالة في الحكم والرواية وترسيخ الثقافة التي تريد السلطات بثها والاحتجاج بها ؟ هذا سؤال كبير.. لماذا جعلنا النبي وكأنه السبب في وجود المنافقين فلما مات صلح الناس! لماذا لم نتتبع هذه الحشود من الفئات التي ذمها الله في كتابه؟ لماذا لم نعرف أشخاصهم وصفاتهم وأفعالهم وتزيينهم ومخادعتهم لله وللمؤمنين ؟؟ إن الله يعاقبنا بغيرنا، عندما أهلمنا تحذيره الشديد من المنافقين، وتلك الفئات المشار إليها سابقاً، إن التوقف عن البحث فيهم وفي آثارهم هو الذي ضلل المسلمين وجعلهم يصدقون أعداء النبي وشانئيه كما يصدقون متبعيه ومحبيه على حد سواء، فجاءت ثقافة خليطة هجينة فيها الشيء وضده، وما كثر منها أسوأ مما قل. وبهذا ترسخت في أذهان المسلمين صورة ذهنية مشوهة عن النبي إلا أنهم يسمونها صورة جميلة.. ويجبرون الناس على تسميتها (جميلة). وأتت الأجيال بعد الأجيال تحمل هذه الصورة المشوهة لكنهم يسمونها جميلة.. كالأطفال الذين يعلمهم أساتذتهم أن اللون الأسود يقال له (أبيض).. ويضربون أيديهم إن خالفوا هذه التسمية. والأساتذة أخذوا هذه التسمية من المناهج .. والمناهج كتبها من يريد تدمير هذا العقل وهذا الضمير لينشر البلاهة والبلادة لأن قيادة البله أسهل، ودفعهم للظلم أيسر.. والقادة الذين يريدون تدمير العقل والضمير ( الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25) …… ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) [محمد/25-29] هذه الآيات في سورة اسمها (محمد)، ولاسم السورة علاقة بالموضوع، فتنبه لهذا. لقد خجلت عندما أرسل لي بعض الإخوة بعض الأحاديث في الصحيحين وغيرهما يسألاني ما إذا كانت صحيحة أم لا.. وهي تشكل المادة الأساسية للفيلم المسيء للنبي صلوات الله وسلامه عليه.. لذلك أقول: هل نحن معشر المسلمين جادون في الدفاع عن النبي (ص) بالحق والعدل والشجاعة والمعرفة والعلم والإنصاف؟ أم نريد فقط إظهار الحماس والمزيدات؟ صحيح أن الفيلم المسيء زاد على الأكاذيب بأكاذيب مخترعة فاحشة وتدمي القلوب. لكن صدقوني لو انتبه المسلمون الأوائل لما دسه أعداء النبي صلوات الله عليه في التراث لما كان هناك فيلم مسيء ولا كتابات سلمان رشدي ولا رسومات الدنماركيين.. معظم مادة هؤلاء هي أحاديث موجودة عندنا لكننا تعصبنا للحديث وأهل الحديث وللعقائد الفارغة والسلف الأحمق التابع للسلف الماكر الذين سول لهم الشيطان وأملى لهم، هذا التعقيد كله هو الذي ورطنا في هذه الورطة، فلا نستطيع أن نتقدم ولا أن نتأخر. وكما تحدثنا سابقاً بأن الشيطان له (خطوات) استراتيجية ولذلك قال الله ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان) فالشيطان لا يضل الإنسان بخطوة واحدة.. وإنما بخطوات، بعضهم يستطيع إضلاله بالتكتيك السريع، وبعضهم يعد له إعداداً بعيد المدى. فالشيطان قد يدفع أولياءه لتشويه الشرع والنبي تشويهاً لا يتم اكتشافه مبكراً، وإنما يخرجه الشيطان وأولياؤه في صورة زاهية جميلة في الظاهرليستغله بعد ألف سنة أو ألفي سنة … في محاربة الإسلام ونبي الإسلام، هذا لا يهم، فالشيطان طويل النفس في التضليل، ولا يهمه أن تظن أن هذا القبح جمال، إنما يهمه أن تشوه الدين تشوه نبي الإسلام تقتل الأبرياء وتبغض الصالحين وتدخل النار وكفى، لا يهمه رأيك أنك ترى هذا الأمر ديناً أو كفراً.. فيوحي إلى أوليائه بوضع هذه الأخبار المسيئة في العنف والجنس والغدر والاضطراب في المواقف والتناقض ..الخ, ومع القوة العسكرية للدول الإسلامية في عصورها الاستبدادية التي أشغلت المسلمين عن المعرفة والعلم بالفتوحات والقتال والمباهاة بالوصول للمشرق والمغرب..
ومع هذا الاهتمام العسكري والسياسي لا يشعر المسلمون بأن هذه إساءات لأن عقولهم مسلوبة أيضاً فالعقل عندهم مذموم وإنما يشيعون بين أتباعهم بمشروعية التسليم والتسليم يورده الشيطان وأولياؤه في غير موقعه فيؤدي هذا للتسليم بالباطل والزيف والكذب ويصبح التشكيك في الكذب جريمة وبدعة وضلالة ويتم تصنيف الكتب وتقرير العقائد واستقرار الثقافة وقتل المخالفين. ثم يدور الزمن دورته، ويصبح ما صححوه بالأمس وقتلوا عليه الناس يصبح اليوم هو ورطتهم الكبرى، فلا يتقدمون ولا يتأخرون، وإنما (مكانك سر) فلا يستطيعون تخطئة السلف ولا حسن الدفاع عن النبي صلوات الله عليه.
ومن هنا فأنا أدعو لوقفة صادقة مع كل التشويهات الموجودة في التراث الحديثي والروائي بل هناك للأسف تشويهات كثيرة ودسائس لم ينتبه لها لا سلمان رشدي ولا القس اليهودي ولا الرسام الدنماركي ولا الأقباط, التشويه متين وله اصوله وقواعده الراسخة. وهذا يستوجب وقفة علمية معرفية جادة وشجاعة لغربلة هذا التراث وتصفيته وإدانة المسيئين المتقدمين الذين هم عندنا من السلف الصالح، فالنبي أولى بالتبرئة من هؤلاء لكننا (نختار) تبرئتهم ثم (نحتار) في أحاديثهم.. وبين الخيرة والحيرة نحن اليوم نعيش في مكاننا، فلا نحسن التبرئة ولا نحسن المراجعة، وهما متلازمان، وليس منا من يجرؤ على تعليق الجرس، فنحن فئران صغار، وأمريكا أسد والسلف نمور.