وطن القلوب .. ووطن الجيوب

 

عبدالرحمن مراد

ثمة فرق بين وطن يراه أبناؤه وطناً لقلوبهم ووطناً يفخرون بالانتماء إليه، ويعتزون بمقدراته الحضارية والثقافية ويغوصون في تاريخه ويبدعون ألقه ويومه، وبين وطن يراه حاطبو الليل من أبنائه وطناً مدراراً لهم بالأموال ووطناً قابلاً للتفاوض وللبيع مقابل دراهم معدودات وأثمان بخسة يتاجرون به وبمقدراته وبتاريخه وبحضارته وبكل ماضيه ومقدراته وقيمته، ونراهم على الفضائيات في مواء مضحك أو عواء مخذول أو نهيق منكر، ويقولون قولاً ثم يأتي معتوه من بعران الصحراء كالشيلي – لا أدري إن كنت رسمت اسمه رسماً صحيحاً أم أخطأت فمثله – لا يكاد يعنيني – ليقول لهم إن الذي يحدث في اليمن حرب وجود وأن السعودية لم تذهب إلى الحرب إلا دفاعاً عن مصالحها ومصالح دول الخليج ثم يطل آخر – لا أتذكر اسمه – ليقول لهم إن شراء الذمم سياسة تؤكد نجاحها في اليمن ولذلك يمكن للتحالف إن ينتصر في معركته المصيرية في اليمن طالما وهو يملك المال، وحين تعلن الحقائق عن نفسها وبوضوح كامل وتتحدث الكثير من المحافل السياسية والأوساط الإعلامية عن مشروع سياسي سوف يحدث تبدلاً وتغيراً في شكل الخارطة، وتعلن مسؤولة الخارجية الأمريكية الأولى في الحكومة الأمريكية السابقة والتي تعد نفسها هذه الأيام للانتخابات الرئاسية الأمريكية هيلاري كلنتون أن أمريكا اتفقت مع الإخوان على إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وتلك الإشارة تومئ بأن الإخوان لا يعنيهم شيء سوى التمكين والأموال التي سوف يحصلون عليها أمام موضوع الدين والإسلام وموضوع السنة وأهل السنة فهو موضوع عائم ولا يحمل مفهوماً محدداً كما أن الوطن والإنتماء والهوية مفاهيم عائمة في فكر الإخوان منذ نشأتهم ولم يؤثر عنهم إلا التماهي والتعويم على مدى تاريخ تفاعلهم الثقافي والسياسي وحين يتماهون مع المشروع الأمريكي الصهيوني الهادف إلى تغيير الخارطة وإحداث توازن جديد قائم على التجانس والعرقيات في التكوين العام فهم لا ينظرون إلى المشروع إلا من زاوية ضيقة ذات بعد منطقي في القواعد الأصولية الفقهية وهي القاعدة التي تنص على القول: إذا تحققت المصلحة فثم شرع الله وقد أخذت هذه القاعدة من مطلق العموم إلى خصوصية القيد المرتبط بالذات أو بالجماعة ذات التجانس الثقافي والسياسي ولم يؤثر على حركة الإخوان اجتهاد مطلق يحقق للأمة ما تصبو إليه من سؤدد ومجد ولكننا شهدنا اجتهادات لا تتجاوز شهوة البطن وشهوة الفرج ولهم في ذلك أقوال وتخريجات لا يمكننا نكرانها، لكننا لم نشهد لهم اجتهاداً ومشروعاً نهضوياً وقد دل تاريخهم ودل تفاعلهم على حالة الانكفاء البينية، وحالة التنافر والتضاد ، وكل حالات التمكين التي تحققت لهم في العقود الماضية شهدت ثأراً سياسياً مغلفاً بغلاف ديني وفتوى صادرة من رمزيات صبغوها فعبدوها، وبمجرد التأمل في تاريخهم تجد أن الإخوان لا يبرحون اللحظات المضيئة في حياتهم فهم في مصر وبعد كل هذه السنين والتحولات والتبدلات والتفاعلات السياسية لا يبرحون فكرة الانقلاب، حتى أن مرسي في مقطع فيديو متداول في الوسائط الاجتماعية يخاطب محمد بديع ويبشره بأنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام في منامه ويبشره بالعودة إلى الحكم وهم في اليمن لا يتجاوزن هذا الوعي فقد تداول ناشطون منشوراً منسوخاً من موقع قناة “يمن شباب” يقول ذلك المنشور إن رجلاً من الإخوان بات بفندق جنب الحرم المكي ورأى في منامه جبريل وهو يقول: إن الملائكة تقاتل معهم في كل الـجبهات في اليمن وأن النصر بات قريباً ويقسم على ذلك أيماناً مغلظة، ويمثل ذلك الوعي ظل “الإخوان” يمارسون غوايتهم التاريخية القائمة على مبدأ الغنائم والأنفال وتكديس الذهب والفضة ولذلك لم يتجاوز هم وعيهم مفهوم “وطن الجيب” وهم يحسنون صناعة وطن الجيب وقد يجد المتابع لخطابهم الإعلامي والسياسي نزعة مقيتة تؤثر عن اليهود وهي نزعة التفرد والواحدية، فاليهود يلتقون مع الإخوان عند زاوية حب المال وتكديسه وكنزه، وعند مبدأ اليقين بالتفرد والاصطفاء، فخطاب الإخوان لا يكاد يخرج عن مبدأ “شعب الله المختار” ولذلك تجدهم يبكون الصغائر ويستعظمونها إن كانت فيهم ويستصغرون العظائم ويقللون من قدرها إن كانت في غيرهم، ولعمري لقد صهرت نيران العدوان الناس وامتازوا وتمايزوا في فئتين دل عليها العنوان.

قد يعجبك ايضا