لحظة يا زمن.. الكنبل الملفوف

يقتله ظمأ حارق ، ولن يرويه سواء ماء دموعها المنهمر ، وقد أسند رأسه على كتفها، وقد استنفده النحيب .
ربما كان ذلك تصوراً .. يدور في الذهن .
هو تصور بدأ ، أمنية تسكن النفس .
متوحداً .. مع نفسه في ليلة من ليالي هذا الزمن .. وفي أطراف مدينة بعيدة .
بعد انقضاء سنتين .. وهو منهمك في كده وتعبه .
يوفر ما تيسر .. وبعد أن يفرغ طاقته الكامنة في الشغل .. ويصل إلى ” الكنبل” الملفوف في وسط السقف يفرده .. ويشبك أصابع يديه تحت الرأس .. ويمد جسده على الكنبل وتنطلق عينيه في السماء تتابع النجوم المتحركة في سماء الله.
تحضره في الحين صورتها .. وصورة الأطفال .
وتبدأ الأحلام البسيطة والأمنيات تحرث أتلام رأسه ، ربما تتوارد أيضاً صور كثيرة مرت عليه .. وهو يتجاوز نقاط العبور وتلك المسيرات الليلة التي قطعتها أقدامه فوق رمال وأحجار .. حتى وصل .. إلى عمله ذاك .. ورقدته الليلية التي تبدأ في التصورات كما قلنا سلفاً .. ثم سرعان ما يغلبه النوم .. من شدة كده المتواصل نهاراً ونصف الليل .
تمر الليالي .. وهو يشد قيود الشوق والحنين في داخل النفس .. يقتله الظمأ الحارق إليها والرغبة الشديدة في رؤية الأطفال .. وهم يتمسكون في ثوب أمهم وهي تهيئ ما تيسر عند العشاء .. لقمة تطفئ أوار الجوع .
وهو يجمع الليل .. بعد الليل ..والنهار بعد النهار زاد به الظمأ .. والحنين .. تجاوز خوف الفقد من العمل .
جمع في الحقيبة .. ما قدر عليه .. وصرف في جيب مخيط .. ما جمعه من الكد والتعب .. وعاد والتصور لا يفارقه في الطريق .. حين ترويه دموع العين .. وتسحبه إلى مسكن القلب وتطويه في النفس.

قد يعجبك ايضا