أدوية الأمراض المزمنة نفدت من المرافق الطبية العامة ويتناقص توفرها في القطاع الخاص
حوار/ حاشد مزقر
لقد تعمدت دول تحالف العدوان الغاشم استهداف الجانب الصحي في بلادنا عبر استهداف بنيته ومن خلال حصارها البربري براً وبحراً وجواً فأثقلت بذلك كاهل المواطن الذي ابتلاه الله بالمرض ليعيش واقعا مريرا مع المستشفيات الحكومية والخاصة باحثا عن الدواء الذي بات رهينة بأيدي أعداء الإنسانية في عرض البحر، متسببين بصنع مشاهد عديدة للمرضى على أبواب المستشفيات وهم في لحظات فاصلة بين الحياة والموت ليصنع العالم بصمته مواقف إنسانية أشد ألماً من كل مشاهد القصف والدمار التي ينفذها العدوان السعودي.
(الثورة) أجرت لقاء مع الدكتور محمد المداني، مدير عام الهيئة العليا للأدوية، الذي حذر بأن الحرب والحصار على اليمن قد يؤدي لوقف تعاطي المرضى للأدوية خصوصا المصابين بالإمراض المزمنة كالسكري والسرطان والفشل الكلوي وارتفاع ضغط الدم والذين يحصلون على أدويتهم من مخزون القطاع الخاص والذي أوشك على النفاد بعد نفاد مخزون مرافق الصحة العامة..
المعالجات والحلول التي سعت الهيئة لإعمالها، وحجم الكارثة على المرضى.. وتفاصيل أخرى تناولها الحوار التالي:
بداية د. محمد نريد أن تضعنا أمام صورة المأساة خاصة أدوية المصابين بالأمراض المزمنة والمستعصية كالسرطان والسكر والضغط والفشل الكلوي والقلب والتي أصبحت الهاجس الكبير والهم الأول لآلاف البشر من أبناء الوطن كونها تتعلق بحياتهم؟
– لا يمكن استثناء أي من الأدوية إلا أن الأشد إلحاحاً هي تلك الأدوية والمستلزمات الخاصة بالأمراض المزمنة، كأدوية حالات زراعة الأعضاء (الكلى والكبد الخ)، وأدوية ومحاليل الغسيل الكلوي، والهيموفيليا، والسرطان، والسكري المعتمد على الأنسولين، ومستلزمات نقل الدم إلى محاليل فحصها.
وأيضاً الأدوية الأساسية ومستلزمات العمليات وكذلك أدوية التخدير والإنعاش والحروق والمحاليل، وبالتالي فإن الحصار الذي فرضه العدوان يزيد من المخاطر التي يتعرض لها المرضى الذين يعانون من طائفة من الأمراض ويمكن أن يمثل وقف تعاطي الأدوية، لا سيما في ما يتعلق بالأمراض الرئيسية مثل داء السكري وارتفاع ضغط الدم، خطراً كبيراً بل وتهديداً للحياة والتي تسعى الهيئة العليا للأدوية إلى توفيرها ومتابعة تواجدها في السوق إلا أنه تظل هناك مشكلة أدوية زارعي الكلى وأدوية الأورام والتي من المفترض أن يتم توزيعها مجاناً عبر البرنامج الوطني للإمداد الدوائي والمركز الوطني لعلاج الأورام كونها مسؤوليتهم، ولكن مع عدم تمكنهم من توفيرها فكما أعلم أنهم يتابعون الكثير من المنظمات لتوفيرها وهناك استجابات جزئية لهذه المتابعات وتم توفير أدوية زارعي الكلى وكذلك أدوية الأورام ولكن بكميات غير كافية لأنه يحصل انقطاع لهذه الأدوية فيلجأ المريض للبحث عن هذه الأدوية في السوق التجاري والتي لم يكن يتم استيرادها كونها كانت توزع بالمجان وهناك مفاوضات من قبل الوزارة كما ابلغونا مع المنظمات لتوفير هذه الأدوية.
الاستيراد..
ما البدائل أو الحلول الممكنة اليوم في ظل هكذا وضع معقد ؟
– الوزارة عندما تتكلم عن نداء استغاثة فهذا في ما يخص المستشفيات الحكومية والمراكز التابعة للقطاع الحكومي وما يخص مسؤولياتها في توفير الدواء المجاني و أدوية الإمراض المزمنة المكلفة التي نوفرها مجانا يتم هذا عبر البرنامج الوطني في الوزارة ونحن في صدد النقاش معهم لفتح إمكانية منح استيرادها بشكل استثنائي ومؤقت عبر القطاع الخاص وبآلية ضابطة للجودة والسعر لأنهم في الوزارة هم المخولين بهذه الأدوية كأدوية زارعي الكلى والأورام وقد أخبرونا أن منظمة الصحة العالمية لديهم بعض هذه الأدوية وأصبحت في جيبوتي، إلى جانب أن مركز الأورام الآن لديهم مناقصات لتوفير أدويتهم.
تدمير ممنهج
ما تقييمك لوضع الخدمات الصحية الراهن سواء تعرض البنية التحتية لقصف العدوان السعودي لهذه المنشآت الإنسانية أو للجانب الدوائي نفسه الذي جاء نتيجة للحصار الظالم على اليمن؟
– إن وضع الخدمات الأساسية، وبالأخص الخدمات الصحية، في اليمن يعاني من تحديات جمة ندركها جميعاً، وفاقمتها حالة الحرب والحصار الجائر التي فرضها العدوان وإن تدهور وضع الخدمات الصحية بشكل متسارع خلال الفترة القصيرة الماضية يُعزى لسببين أساسيين هما: حالة الحرب الحاصلة على اليمن، والحصار القاسي والشامل (برياً وبحرياً وجوياً) الذي نعيش شهره الحادي عشر والذي شمل جميع السلع خاصة الوقود والأدوية، وبعد نفاد المخزون في المرافق الصحية العامة بدأ اعتماد المرضى على مخزون القطاع الخاص من الأدوية منذ بداية الحصار وقد بدأت الكثير من الأدوية الآن بالنفاد بالفعل من القطاع التجاري الخاص.
معوقات الاستيراد
هل يعني هذا أن هناك عراقيل ومعوقات ومخاوف تحول دون الاستيراد التجاري للأدوية والمستلزمات الطبية يواجهها المستوردين من التجار اليمنيين؟
– من المعروف انه في بداية العدوان تم منع السفن المتجهة لليمن من الدخول للموانئ اليمنية وخاصة ميناء الحديدة وتحويلها إلى جدة أو جيبوتي وبقيت هناك لعدة أشهر مما أدى إلى خسارة التجار ورفض شركات الشحن والتأمين نقل أي بضائع وخاصة الأدوية والمستلزمات لما لها من خصوصية النقل, أو تحويل مسار السفن إلى ميناء عدن وكما تعلمون حساسية الوضع وعدم الاستقرار هناك مما يمنعها من الذهاب لميناء عدن.
أما من الجانب الجوي فقد حصل شلل كامل في الأربعة الأشهر الأولى من العدوان للملاحة الجوية ولم يدخل البلد أي أدوية باستثناء بعض الأدوية الخاصة بالمنظمات والتي تنقلها بطائراتها الخاصة ومن ثم تم السماح لوصول طائرة واحدة تابعة لليمنية لنقل الركاب فقط ولم يتم شحن الأدوية إلا بعد استثناءات واضطر بعض التجار لاستئجار طائرة خاصة وبكلفة تصل إلى 150 ألف دولار تقريباً وذلك لنقل حمولة طائرة فقط كذلك عدم توفر العملة الصعبة وصعوبة الحصول عليها مما أدى إلى تقليل الاستيراد.
منفذ وحيد
وماذا عن المنافذ البرية؟
– لم يتبقَّ من المنافذ البرية إلا منفذ الوديعة في الصحراء ومن هناك تم إدخال بعض الأدوية بالنقل البري من السعودية والإمارات عبر الصحراء وبحاويات مكيفة وبتكلفة عالية ولبعض الأدوية فقط خوفا من تلفها نتيجة الظروف الجوية الصحراء وقد عانت المصانع الدوائية المحلية من الأسباب أعلاه إلى جانب عوامل أخرى مثل انقطاع الكهرباء وانعدام المشتقات النفطية نتيجة الحصار الخانق.
وبالنسبة للمنافذ البرية فقد تم الاستفادة من استمرار نشاط منفذ الوديعة والشحن وتم التواصل مع شركات شحن برية وطنية وإماراتية لشحن الأدوية من الدول المجاورة وتم تعميمها على التجار.
السلطة المحلية
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن استغلال البعض لظروف البلد والمتاجرة بالأدوية في السوق السوداء، أين أنتم من ذلك وهل أنتم راضون عن الدور الرقابي القائم حاليا الذي تقوم به الجهات المختصة بما فيها المجالس المحلية؟
– أصبح الدور الرئيسي في الرقابة على الصيدليات مسؤولية السلطات المحلية ومكاتب الصحة ونحن بصدد التنسيق معهم لمساعدتهم في تفعيله أكثر وللأسف هناك بعض من أصحاب النفوس المريضة يستغلون وضع العدوان ونقص بعض الأدوية ويقومون بتهريبها واستغلالها سعرياً، ونسعى جاهدين لتوفيرها وضبط أي كميات تظهر من هذه الأدوية المهربة وتظل العملية صعبة في ظل هذه الظروف في أنحاء اليمن.
صعوبات النقل
ما أهم المعالجات التي قمتم باتخاذها للمساعدة في تقليل أضرار الحصار.. وهل لديكم تنسيق دولي مع منظمات دولية لتشكيل ضغط قوي على المجتمع الدولي ومنظمة الأمم المتحدة كون ما يحدث جريمة حرب تمس حياة شعب بأكمله، وماذا عن دور منظمات الإغاثة الدولية بهذا الشأن؟
– من المعالجات التي تم اتخاذها للمساعدة في تقليل أضرار الحصار التنسيق المستمر واللقاءات المتكررة مع الغرفة التجارية والصناعية وتم التواصل مع المنظمات والأمم المتحدة للضغط على دول العدوان بالسماح بدخول الأدوية لميناء الحديدة وتم الاستجابة جزئياً، وبعد عقد عدة لقاءات بين الغرفة التجارية والهيئة العليا للأدوية مع إدارة الخطوط الجوية اليمنية تم الاتفاق على استئجار طائرة خاصة لشحن الأدوية للتجار الراغبين بذلك والسماح بشحن الأدوية في حالة وجود فراغ من الدول التي تسير منها الرحلات وهي: الأردن, مصر, الإمارات والهند كما قمنا بالتخاطب مع المنظمات مثل الصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية وأطباء بلا حدود للمساعدة في نقل بعض الأدوية الضرورية والمستعجلة للسوق اليمنية وقد ساعدت جزئيا هذه المنظمات في النقل مما ساهم في سرعة توفير بعض الأدوية المنقطعة كما تم عقد عدة لقاءات مع المستوردين والمصنعين المحليين وذلك لحثهم على تحمل المسؤولية الوطنية وتجاوز العقبات من أجل توفير الدواء أيضاً مخاطبة وكلاء شركات الأدوية بتوفير الأدوية وفي حالة عدم توفيرها مخاطبة مستوردين آخرين بتوفير البدائل أو توفيرها وهناك لقاءات مع المصنعين المحليين لمناقشة إمكانية إنتاجهم لبعض الأدوية المهمة والمنقذة للحياة بالجودة المفروضة كذلك إنزال فرق ميدانية لمعرفة المخزون الدوائي ومتابعة الشركات لتوفير الأدوية وكذلك رقابة على السوق.. لكن يظل دور الرقابة قاصراً لغياب التنسيق بين الجهات المعنية كالمجالس المحلية ومكاتب الصحة وجهاز الأمن ونحن نقوم بعمل مناشدات ونداءات استغاثة إلى المنظمات العالمية ومنظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني وكذلك المشاركة في عدة مؤتمرات صحفية تبين الوضع الدوائي والصحي الكارثي في اليمن والذي قد يؤدي إلى إبادة جماعية بسبب انعدام الدواء.
عقبات المنتج المحلي
ما حجم الضرر الذي أصاب السوق الدوائي التجاري في بلادنا والذي يعتمد على الاستيراد من الخارج، وهل يغطي قطاع الصناعات الدوائية شيئاً من الاحتياجات الدوائية المحلية رغم قصف طائرات تحالف العدوان لهذه المنشآت الحيوية؟
– لقد تأثر السوق الدوائي التجاري في اليمن والذي يعتمد على الاستيراد من الخارج بما نسيته 85% من احتياجات السوق المحلية وللأسف لا يوجد في اليمن إلا تسعة مصانع فقط لإنتاج الأدوية وطاقتها الاستيعابية من 15% – 20% ولا تغطي جميع الأدوية المنقذة للحياة, كما لا يوجد لديها أقسام لتصنيع المحاليل والأدوية الوريدية إلى جانب ان مخزونها من المواد الخام قليل وتوفيره يتم بصعوبة نتيجة الحصار كما ان المصانع المحلية بعد استهداف العدوان لمصنع بيوفارم أصبحت تعمل بطاقة إنتاجية أقل وذلك خوفاً على الموظفين من أي قصف محتمل إلى جانب أنهم يعانون من نقص المواد الخام نتيجة صعوبة نقلها.. كما أنه لا يوجد إلا طيران اليمنية وبمعدل رحلة واحدة فقط والتي لا تحمل الكثير من الأدوية أو المواد الخام لأنها تكون غالباً محملة بالمسافرين وعفشهم إضافة إلى تأخر التوصيل وهناك ارتفاع لأجور النقل والتأمين.
أدوية مكلفة
يشكو الكثير من غياب الأدوية المجانية التي توزعها وزارة الصحة مجانا كأدوية زارعي الكلى وأدوية الأورام.. ماذا عنها؟
– الهيئة العليا للأدوية تنظم وترسم سياسة إنتاج واستيراد الأدوية للقطاع الخاص ولكن هناك أدوية مكلفة تتكفل وزارة الصحة العامة والسكان بتوزيعها مجاناً، كأدوية زارعي الكلى وأدوية الأورام ولا يتم استيرادها للسوق التجاري إلا أنه مع عدم تمكنهم من توفيرها ظهرت منها أدوية مهربة ويتم استغلال المريض واحتكار أسعارها ولتفاصيل أكثر عن أدوية زارعي الكلى فيتم التواصل مع البرنامج الوطني للإمداد الدوائي في وزارة الصحة وكذلك أدوية الأورام مع المركز الوطني لعلاج الأورام كون هذه الأدوية مسؤوليتهم ويتم توفيرها دائماً من قبلهم بالمجان.
آلية للتسعيرة
أخيراً.. قفز سعر الدواء إلى الحال الذي لا يستطيع معه اغلب المرضى شراء الدواء خاصة أدوية الأمراض المزمنة.. أين دوركم في مواجهة هذه القضية؟
– العدوان السعودي والحصار أضر بكل ما له علاقة باستيراد الدواء وتوزيعه داخل البلد مما أدى إلى ارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة الدواء المستورد بسبب ارتفاع أجور النقل بشكل كبير جدا نتيجة انعدام المشتقات النفطية وارتفاع تكاليف النقل للاستيراد وأيضاً ارتفاع قيمة التأمين وهناك الآن جهود يتم بذلها لعمل آلية واضحة للتسعيرة في البلد.
Prev Post
Next Post
قد يعجبك ايضا