العدوان يمعن في استهداف مواطن الحضارة ومواقع التراث اليمني

في ظل المواقف الخجولة للمنظمات الدولية المعنية بالتراث:
استطلاع/ عبدالباسط النوعة

مرت عصور ودهور، ووقعت أحداث وحروب دارت رحاها على أرض اليمن ، وذهبت دول وجاءت دول على أنقاضها وفي ظل كل هذه الأحداث والمتغيرات كان تراث اليمن في مأمن بل وفي ثراء وتنوع استمد إصالته من كل تلك المتغيرات والأحداث .
وهاهو هذا التراث العظيم الذي ظل في مأمن من كل الصراعات والحروب في العصور السابقة تمارس عليه حرباً قذرة لم يعتادها من قبل ولم يألفها ، تدمير بأحدث أسلحة العصر تنفذها طائرات متطورة يقودها عدوان غاشم جعل من كل شيء في هذا البلد أهدافا لطائراته وبوارجه البحرية ، بما في ذلك مواقع التراث التي وصل إليها العدوان محدثا فيها الخراب والدمار على مرأى ومسمع كل دول العالم ومنظماته خاصة تلك المنظمات التي تدعي اهتمامها وعنايتها بالتراث الإنساني .
«الثورة» التقت بعدد من المسؤولين والمعنيين والأكاديميين واستطلعت آراءهم حول استهداف العدوان لمواقع التراث اليمني وموقف المنظمات الدولية المعنية إزاء ما يتعرض له التراث اليمني من عدوان لايزال مستمرا دون توقف منذ 11 شهرا .
يقف أولئك المعنيون والمسؤول في حيرة واستغراب من استمرار هذا العدوان خاصة على مواقع التراث ولا يجدون أي مبررات لمثل هذه الاعتداءات على التراث سواء الأحقاد الدفينة.
حقد وكراهية
حيث تقول الدكتورة أمة الملك الثور وكيل وزارة الثقافة لقطاع الآثار والمتاحف والمدن التاريخية : اليمن مهد الحضارة وأصل العرب ومن لا ترجع أصوله لليمن فليس بعربي ومن اليمن بدأت الهجرات العربية لشمال جزيرة العرب وبلاد الشمال وأفريقيا ، ولليمنيين الفضل في نقل الإسلام إلى شرق آسيا وأفريقيا ، وتدرك دول العدوان وعلى رأسها مملكة البدو هذه الأهمية التاريخية والحضارية لليمن وأن هذه الأهمية لازالت شواهدها موجودة على الأرض ولهذا يسعون وبكل حقد وكراهية إلى استهداف تلك الشواهد والمآثر الحضارية والإمعان في تدميرها لطمس الهوية اليمنية الأصيلة .
وحول المنظمات الدولية ومواقفها أوضحت الدكتورة أمة الملك الثور أن المنظمات الدولية تقف عاجزة أمام دولها التي أنجرت خلف المال السعودي والمصالح الاقتصادية التي تتحكم بها السعودية ولذا لا نرى سواء التعاطف الخجول والتنديد والدعوات لعدم استهداف التراث والمواقع التاريخية لكن لا تجد هذه المنظمات أي صدى في مقابل أن حكام السعودية قد سيطروا على حكومات الدول المختلفة بالمال والصفقات الكبيرة أو بالتهديد بالمصالح الاقتصادية.
وأضافت قائلة: لقد بدا ذلك جليا حين تم اختيار السعودية لرئاسة لجنة حقوق الإنسان في الامم المتحدة أليس هذا جزءاً من شراء الصمت العالمي تجاه ما يقوم به هذا العدوان ضد اليمن أرضا وإنسانا وتاريخا وحضارة ؟! .
حيرة من هذا التدمير
ويتفق رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف مهند السياني مع الدكتورة أمة الملك الثور في أن الحقد الدفين الذي تكنه دول العدوان وعلى رأسها مملكة آل سعود هو الدافع والمحرك وراء استهداف العدوان للمواقع والمعالم التراثية ، ويقول السياني : لم أصبحنا في حيرة من أمرنا نتساءل باستمرار لماذا الاستهداف والعدوان بهذا الشكل لليمن أرضا وإنسانا وتراثا ؟ ولماذا هذا الاستهداف المستمر والمحاولات لطمس هوية اليمن وتدمير تراثه ؟! .
وأشار إلى أن كل محاولاتهم سيكون مصيرها الفشل لأن اليمن أغنى وأكبر من هذا العدوان .
وأضاف: لقد ساهم هذا العدوان وبشكل لافت على رفع مستوى الوعي لدى اليمنيين تجاه تراثهم وحضارتهم وزاد ارتباطهم وتعلقهم بتراثهم وباتوا أكثر اهتماما به ، وهنا أشخاص ممن نعرفهم لم يكونوا بذلك الحرص أو الاهتمام تجاه التراث وأصبحوا الآن مرتبطين به ويحزنون جدا لما يتعرض له من عدوان وأيضا يظهر هذا الاهتمام والارتباط من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي بات التراث والاعتداء عليه يحتل نصيبا بارزا في المنشورات والصور من قبل الكثير من الأشخاص .
ورحب السياني بمواقف المنظمات وخاصة اليونسكو التي دائما ما تعلن بيانات تدين وتستنكر ما يتعرض له تراث اليمن من عدوان غاشم وتدمير مستمر ، وقد عبرت المديرة العامة لليونسكو عن استعدادها لزيارة اليمن والاطلاع على ما تعرضت له مواقع التراث الثقافي .
ودعا السياني كل المنظمات الدولية المعنية والمهتمة بالتراث الى السعي وبشكل سريع وعاجل إلى إيقاف استهداف مواقع التراث اليمن من قبل دول ما يسمى بالتحالف فالاستهداف لايزال مستمراً كان آخره الأسبوع الماضي حيث دمر العدوان قشلة كوكبان (قلعتها وبوابتها) بالإضافة إلى العديد من المعالم التاريخية في هذه المدينة العريقة .
المستعمر يعادي الهوية
وأكدت وكيلة الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية أمة الرزاق جحاف أن عدد المواقع والمعالم الأثرية والتاريخية التي استهدفها العدوان بلغ (52) موقعا ومعلما وهذا العدد لا يشمل المواقع والمعالم التراثية التي استهدفت في محافظتي حجة وصعدة .ولفتت إلى أن المستعمر في عداء دائم مع كل ما يمثل أصالة وهوية في البلد الذي يريد احتلاله ، وقالت : ليس بغريب أن تستهدف قوى العدوان الاستعمارية تراث اليمن من معالم ومدن تاريخية وأثرية ، ولأنها قوى استعمارية فهي تسعى إلى طمس الهوية الحضارية والوطنية لليمن التي تستمد عراقتها من الحضارات القديمة التي استوطنت أرضها ولأن قوى العدوان تدرك مدى ثراء الهوية اليمنية وتخشى أن تقف هذه الهوية حائلا بينها وبين أطماعها لأن الإنسان كلما كان انتماؤه للهوية والوطن قوياً فإنه يقاوم ويدافع ويستمر بالنضال ضد الستعمر .
وانتقدت دور المنظمات الدولية المعنية بالتراث الذي لا يرتقي إلى المستوى الذي يجب عليها الاضطلاع به ، حيث قالت : رغم أن اليونسكو تحاول أن تقوم ببعض الإجراءات إلا أن موقفها لا يزال ضعيفاً ولا يرتقي إلى مستوى الجريمة التي ترتكب بحق التراث اليمني ، فقد كنا نتوقع مواقف أكثر جدية خاصة من مركز التراث الإقليمي للشرق الأوسط ، فإذا كانت اليونسكو لا تدافع عن التراث فمن يدافع عنه ، حتى بياناتها لا تتضمن أي اتهامات للطرف المعتدي على التراث .
وأشارت إلى أن اليونسكو تستطيع أن تقوم بأدوار ومواقف أكثر تأثيرا منها تشكيل لجان تحقيق دولية للتأكد من الطرف المعتدي، فالعدوان يزعم أنه تم تحويل المواقع والمعالم التراثية إلى مخازن أسلحة وثكنات عسكرية وهذا غير صحيح على الإطلاق ،وهنا تأتي اليونسكو لتسمع مزاعم الطرف المعتدي وبإمكانها أن تتأكد عبر لجان تشكلها هي وحتما ستدرك بطلان ما يزعمه العدوان ونتحداهم أن يثبتوا ما يزعمون .
استهداف ممنهج
ويقول مدير فرع الآثار والمتاحف بحجة حمود غيلان إن حجة قد تكون أكثر المحافظات اليمنية التي تعرضت معالمها ومواقعها التاريخية والأثرية للقصف والتدمير من قبل العدوان وقد يصل عدد المواقع التي استهدفت وتضررت بالقصف أكثر من عشرين موقعا ومعلما .
وأشار إلى أن استمرار استهداف مواقع التراث اليمني يدل على منهجية وحقد على هذا التراث وسعي متعمد لتدميره والقضاء عليه لأنه يمثل قيمة كبيرة وعظيمة للشعب اليمني .
عداء للتاريخ والحضارة
من جهته أكد مدير فرع الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية بمحافظة المحويت نبيل مقدام أن ما حدث من عدوان على مدينة كوكبان التاريخية يعد جريمة حضارية بحق التراث الإنساني وبحق الشعب اليمني .
وأوضح أن ما يقوم به العدوان من تدمير ممنهج للتراث اليمني فهو عدو للتاريخ والحضارة بعد عداوته للإنسان الذي قتلته دول العدوان التي ليس لها تاريخ فهي تحاول طمس البلد صاحب الحضارة العريقة والتاريخ الفريد فالعدوان لم يرحم البشر ولا الحجر ولا الشجر السعودية وحلفاؤها تدمر حضارة اليمن وسط صمت كافة دول العالم.

قد يعجبك ايضا