هيكل .. صانع الرؤساء ومؤرخ السياسة

*رحل بعد حياة متوهجة في بلاط الصحافة والسياسة

بعد رحلة حافلة بالعطاء الإعلامي والحضور الفاعل والمتوهج في بلاط الصحافة رحل عن عالمنا الأستاذ محمد حسنين هيكل ألمع رجال الصحافة العربية وصاحب الحضور الكبير والفاعل في الصحافة والفكر والسياسة على مستوى الوطن العربي.
والأستاذ محمد حسنين هيكل عاش حياته في دائرة الضوء والنجومية نظراً لمعاصرته واقترابه من صنع القرار السياسي وخاصة في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر, حيث عمل معه لسنوات طويلة, مما انعكست هذه العلاقة على حياة ونجومية هيكل التي جعلته من أشهر الصحفيين على مستوى الوطن العربي والعالم.
وكانت مواقفه الواضحة تجاه السعودية ومن تحالفه معها في العدوان ضد اليمن مثار إعجاب وتقدير الكثير من المتابعين السياسيين الذين رأوا فيها شجاعة كبيرة تجاه السعودية ومن معها، ورؤى تبشر بانكسار العدوان السعودي على الشعب اليمني.
وجاءت تلك المواقف والتصريحات للراحل هيكل في العديد من الصحف العالمية والمحطات الفضائية الدولية، مما أثار عليه نقمة أنظمة الخليج، نتيجة لانتقاده الحاد وهجومه على السعودية ومن تحالف معها في عدوانها على اليمن.
سيرة
محمد حسنين هيكل (ولد في. 23 سبتمبر 1923 – 17 فبراير 2016)، صحفي مصري بارز. وكانت رئيس تحرير صحيفة الأهرام لمدة 17 عاماً من 1957 حتى 1974م. واشتهر كناقد ومحلل سياسي في الشؤون العربية منذ أكثر من 50 عام.
النشأة
ولد محمد حسنين هيكل في عام 1923م في حي الحسين، بالقاهرة، وكان والده تاجر حبوب من ديروط، محافظة أسيوط بصعيد مصر. كان هيكل يطمح لأن يصبح طبيبا لكن ظروفه لم تسمح له بغير الدراسة في مدرسة التجارة المتوسطة. وقرر هيكل مواصلة دراسته في القسم الاوروبي بالجامعة الأمريكية، وخلال فترة دراسته تعرف على سكوت واطسون الصحفي المعروف وقتئذ بالإيجيبشان جازيت، والذي استطاع عن طريقه أن يلتحق بالجريدة في 8 فبراير 1942م، صحفياً تحت التمرين بقسم المحليات وكانت مهمته جمع أخبار الحوادث. وكان هيكل وقتها في التاسعة عشرة من عمره، ووقتها أيضا كانت الحرب العالمية الثانية قد اشتعلت، وكان من قدر مصر أن تخوض رغماً عنها حرباً لا ناقة لها فيها ولا جمل.
في ذلك الوقت كانت الإيجيبشان جازيت هي المطبوعة الأجنبية الأولى في مصر، وكان من يكتبون فيها ملء السمع والبصر، منهم مثلا جورج أرويل ولورانس داريل ووايف كوري ابنة مير كوري مكتشفة اليورانيوم، أما رئيس تحريرها فكان كاتبا لا يقل قدرا عن هؤلاء هو هارولد إيرل.
حياته الصحفية
الإيجيبشان جازيت
كانت مهمة هيكل في بداية حياته الصحفية مع الإيجيبشان جازيت هي جمع أخبار الحوادث بصفة عامة وما يخص قضايا بنات الليل بصفة خاصة. وفي هذه الفترة كان عبدالحميد حقي وزير الشؤون الاجتماعية وقتها قد أصدر قراراً بإلغاء البغاء الرسمي في مصر، وسبب هذا القرار كان إصابة عدد من جنود الحلفاء بالأمراض التي انتقلت إليهم من فتيات الليل، فكان أن اتفق الإنجليز وحكومة الوفد على إصدار القرار الذي أثار الجنود كما أثار فتيات الليل، كان الجميع يعرفون رأي الجنود الذين لم تكن تعنيهم الأمراض، وقد جاءوا إلى الحرب أي إلى الموت، لكن أحداً لم يكن يعرف رأي فتيات الليل، وتلك كانت مهمة الصحفي الصغير محمد حسنين هيكل.
كان تكليف الجريدة له هو أن يلتقي بفتيات الليل ويحصل من كل منهن على صورة يضعها على استمارة الاستفتاء التي وضعتها الجريدة وطبعت منها 500 نسخة، كان على هيكل أن يملأ خمسها، وهو ما نجح فيه بجدارة.
وهي القصة التي حكاها هيكل بنفسه في العدد رقم 546 من مجلة آخر ساعة، فكتب ما نصه:
«كنت أقضي فترة التمرين في إيجيبشان جازيت، وذات يوم جاءني سكرتير تحرير الجريدة وقال لي: إن الحكومة تفكر في إلغاء البغاء الرسمي وإن الجرائد كلها تكتب في هذا الموضوع دون أن تحاول واحدة منها أن تأخذ رأي أصحاب الشأن الأول، وهم البغايا أنفسهن.. وطلب مني يومها أن أقوم بسؤال مائة بغي عن رأيهن في الموضوع، قائلاً: إنه سيكون دليلاً على مقدرتي الصحفية إذا تمكنت من استفتاء مائة بغي.. وكانت مهمة شاقة.. ولكن المسألة كانت مسألة امتحان.
وذهبت إلى الحي الذي تستطيع أن تشتري فيه كل شيء، ودخلت أول بيت وأنا أفكر في الصيغة التي ألقي بها السؤال، ولكن يبدو أنني لم أوفق في اختيار الصيغة لأنني خرجت من البيت الأول مشيعا بسباب وصل إلى أجدادي حتى عهد الملك مينا، وحاولت..، وحاولت..، ولكن على غير فائدة، وأخيرا أدركت عقم المحاولة، وبدأت أفكر بهدوء، وأحسست أن ثقتي في نفسي بدأت تفارقني، والتفت فإذا مقهى قريب مني فذهبت إليه لأستريح وأفكر، وفي أثناء جلوسي لاحظت وجود سيدة متقدمة في السن كان جميع من في المقهى ينادونها بـ”المعلمة”، باحترام قل أن يكون له مثيلاً، ووثبت في ذهني فكرة، فتقدمت من السيدة وشرحت لها كل مهمتي، وأثبت لها أن مستقبلي كله يتوقف على معاونتها لي، وفكرت السيدة قليلا ثم قالت لي: اقعد، وقعدت بعد لحظات نادت بعض النساء، وعقد الجميع مؤتمراً لبحث المسألة، وجلست أنتظر النتيجة، وفجأة صاحت إحداهن: نادوا عباس، ومرت فترة ثم حضر شاب سمع المسألة ثم تقدم مني قائلا: “معاك كرنيه”، ولم يكن معي “كرنيه” ولا خلافه، ولم يقتنع عباس، ولكن المعلمة اقتنعت قائلة: “ده باين عليه ابن ناس”، وهززت رأسي مؤكداً أنني “ابن ناس” جداً، فبدأت ترسل في طلب النساء من المنازل حتى أتاحت لي الفرصة أن أسأل مائة امرأة وأنا جالس في مكاني أشرب القهوة على حساب المعلمة.»
آخر ساعة وأخبار اليوم
وبعد نجاح هيكل في المهمة الصعبة التي وكِلت إليه، كانت النقلة الأهم في حياته حين وقع عليه الاختيار ليذهب إلى العلمين التي شهدت أشرس معارك الحرب العالمية الثانية، ليصف بقلمه وقائع تلك المعارك.
ومن الحرب في العلمين إلى الحرب في مالطا إلى استقلال باريس تنقل هيكل لتردد الألسنة اسمه، ليفاجأ وهو يتناول غداءه ذات مرة – بمطعم الباريزيانا- بالسيدة فاطمة اليوسف صاحبة مجلة روز اليوسف تدعوه إلى مائدتها، ثم إلى مجلتها، ليصبح هيكل عام 1944 صحفياً في مجلة روز اليوسف التي كانت بوابة تعارفه على محمد التابعي، ومن ثم الانتقال للعمل معه في مجلة آخر ساعة التي عمل بها في آخر عامين للتابعي بها، قبل أن يشتريها منه مصطفى وعلي أمين، وعلى صفحات آخر ساعة كتب هيكل 13 أغسطس 1947 ما جعله حديث مصر كلها، ونقصد تحقيقه المصور عن “خط الصعيد”، ولم ينته عام 1947م حتى اخترق هيكل وباء الكوليرا ليكتب تحقيقاً عن قرية “القرين” التي لم يكن أحداً يجرؤ على الاقتراب منها، وهكذا كان طبيعيا أن يحصل الصحفي الشاب محمد حسنين هيكل عن جدارة على جائزة فاروق، أرفع الجوائز الصحفية بمصر في ذلك الوقت، وكان انتقاله للعمل بجريدة أخبار اليوم التي شهدت صفحاتها -بدءاً من 1947 ولمدة خمس سنوات تالية- انفرادات هيكل، من تغطيته لحرب فلسطين إلى انقلابات سوريا، ومن ثورة محمد مصدق في إيران إلى صراع الويسكي والحبرة في تركيا، ومن اغتيال الملك عبدالله في القدس إلى اغتيال رياض الصلح في عمان واغتيال حسني الزعيم في دمشق.
وفي 18 يونيو 1952 فوجئ قراء مجلة آخر ساعة بعلي أمين -وكان وقتها رئيساً لتحريرها- يخصص مقاله للحديث عن هيكل، وينهيه بأنه قرر أن يقدم استقالته ويقدم للقراء في الوقت نفسه هيكل رئيسا للتحرير، وهكذا أصبح هيكل رئيساً لتحرير آخر ساعة، ولم يكن تجاوز بعد التاسعة والعشرين.
هيكل وجمال عبدالناصر
بعد قيام ثورة 23 يوليو 1956 ازدادت العلاقة قرباً بين جمال عبد الناصر وهيكل ليصبح بعد فترة المتحدث الرسمي باسم حركة الضباط الأحرار، وليكون أحد صناع تاريخ مصر بعد ثورة يوليو، وصاحب البصمة الواضحة في تاريخ مصر، وفي تاريخ الصحافة المصرية والعربية، والذي أعطى صحيفة الأهرام شكلها الحالي لتصبح أكبر المؤسسات الصحفية في العالم العربي.
في صحيفة الأهرام
في الفترة من 1956 إلى 1957 عرض عليه مجلس إدارة الأهرام رئاسة مجلسها ورئاسة تحريرها معاً، واعتذر في المرة الأولى ثم قبل في المرة الثانية، وظل رئيساً لتحرير جريدة الأهرام حتى عام 1974، وفى تلك الفترة وصلت الأهرام إلى أن تصبح واحدة من الصحف العشرة الأولى في العالم.
ظهر أول مقال له في جريدة الأهرام تحت عنوان ” بصراحة ” يوم 10 أغسطس 1957 بعنوان السر الحقيقي في مشكلة عُمان، و كان آخر مقال له في 1 فبراير 1974 بعنوان الظلال.. والبريق.
تحت رئاسة مجلس إدارته، أنشأ هيكل مجموعة المراكز المتخصصة للأهرام مثل مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، مركز الدراسات الصحفية، مركز توثيق تاريخ مصر المعاصر.
في سبيل البقاء على رأس الأهرام رفض هيكل الوزارة لأكثر من مرة، حتى اضطر لقبول وزارة الإرشاد (الثقافة والإعلام) قبيل وفاة عبد الناصر، وحين اشتُرط ألا يجمع بينها وبين الأهرام تركها غير آسف عليها بمجرد وفاة عبدالناصر، ورفض بعد ذلك أي منصب مهما كان كبيرا طالما سيبعده عن الأهرام.
هيكل والسادات
وبعد وفاة ناصر وانتقال السلطة إلى أنور السادات الذي سانده هيكل للتغلب على من أسماهم بمراكز القوى، رغم أن هيكل في النصف الثاني من السبعينيات كان خارج دوائر النفوذ؛ حيث أبعد بقرار رئاسي من الأهرام، فإنه لم ينته صحفياً كما توقع كثيرون وقتها، بل زادت نجوميته مخترقاً الحواجز والقيود التي فرضتها عليه القيادة السياسية، ليصبح واحداً من أهم 11 صحفياً في العالم، تترجم كتبه إلى 31 لغة.
لقد قيل إن هيكل سيعتزل، وقيل إنه يناور، وقيل إنه لم يعد لديه ما يقوله، وأياً ما كان الأمر وأياً ما كانت صورة هيكل في نظر المتشيعين له أو المتربصين به، فإن هيكل -رغم أخطائه- حالة صحفية يصعب تكرارها.
بعد حرب أكتوبر 1973 اختلف مع الرئيس أنور السادات حول التعامل مع النتائج السياسية لحرب أكتوبر، واتخذ الرئيس قراراً بتعيينه مستشاراً، واعتذر عن قبول المنصب وتفرغ للكتابة، وكان كل ما يكتبه ينشر خارج مصر وهو يعيش داخلها، وكان من نتيجة كتاباته أن اعتقله الرئيس السادات ضمن اعتقالات سبتمبر 1981.
اعتزاله الصحافة
اعتزل الكتابة المنتظمة والعمل الصحفي في 23 سبتمبر 2003 بعد أن أتم عامه الثمانين. ومع ذلك فإنه لا يزال يساهم في القاء الضوء بالتحليل والدراسة علي تاريخ العرب المعاصر الوثيق الصلة بالواقع الراهن مستخدما منبرا جديدا غير الصحف والكتب هو التلفاز حيث يعرض تجربة حياته في حلقات أسبوعية في قناة الجزيرة الفضائية.
التنظير السياسي
عمل هيكل لا يقتصر على العمل الصحفي الاعتيادي المعروف عند الصحافة العربية، فهو منظر سياسي بارز ومؤرخ للتاريخ العربي الحديث بخاصة تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، فقدرته التحليلية والاستراتيجية للأحداث مع علاقاته القوية مع الرؤساء والزعماء السياسيين العرب و الدوليين مكنته من الوصول إلى وثائق وأرشيفات توثيق غاية في الأهمية، فكان ان بدأ بإصدار سلاسل من الكتب السياسية المتميزة باللغة العربية أهمها:
مؤلفاته
– إيران فوق بركان، 1951، كان أول كتاب يصدر لهيكل بعد زيارة لإيران استغرقت شهر.
– فلسفة الثورة، 1953، كتبه الرئيس جمال عبد الناصر وحرر هيكل.
– العقد النفسية التي تحكم الشرق الأوسط، 1958.
– نظرة إلى مشاكلنا الداخلية على يسمونه أزمة المثقفين، 1958.
– ما الذي جرى في سوريا، 1962.
– يا صاحب الجلالة، 1963.
– خبايا السويس، 1966.
– الاستعمار لعبته، 1967.
– نحن وأمريكا، 1968.
– الانفجار، 1967
– أكتوبر 1973 السلاح والسياسة.
– خريف الغضب (فترة حكم انور السادات) (جزءواحد).
– الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية.
– عواصف الحرب وعواصف السلام
– سلام الأوهام، أوسلو ماقبلها وما بعدها.
– حرب الخليج أوهام القوة والنصر (جزء واحد).
– عام من الأزمات 2000-2001.
– سقوط نظام، لماذا كانت ثورة يوليو 1952 لازمة.
– كلام في السياسة.
– العربي التائه 2001.
– العروش والجيوش.
– كذلك إنفجر الصراع في فلسطين.
– صدمة الجيوش، قراءة متصلة في يوميات الحرب فلسطين 1948.
– الامبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق.
– عند مفترق الطرق، حرب أكتوبر.. ماذا حدث فيها… وماذا حدث بعدها!.
– بين الصحافة والسياسة
– معركة غريبة في الحرب الخفية
– زيارة جديدة للتاريخ
– حرب الثلاثين سنة، ملفات السويس
– أحاديث في العاصفة 1967، أجزاء.
– الزلزال السوفيتي.
– حرب الخليج أوهام القوة والنصر.
– اتفاق غزة – أريحا أولا السلام المحاصر بين حقائق اللحظة وحقائق التاريخ.
– أقباط مصر ليسوا أقلية سياسية، رسالة إلى رئيس تحرير جريدة الوفد.
– مصر والقرن الواحد والعشرون – ورقة في حوار.
– 1995 باب مصر إلى القرن الواحد والعشرين.
– أزمة العرب ومستقبلهم.
– المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية.
– المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، عواصف الحرب وعواصف السلام.
– المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل، سلام الأوهام أوسلو – ما قبلها وما بعدها.
– المقالات اليابانية.
– الخليج العربى .. مكشوف تداعيات تفجيرات نووية في شبه القارة الهندية.
– بصراحة، أكثر من 700 مقال من يناير 1957 – يونيو 1990، 5 مجلدات من القطع الكبير.
– حرب من نوع جديد.
– كلام في السياسة قضايا ورجال: وجهات نظر مع بدايات القرن الواحد والعشرين.
– كلام في السياسة عام من الأزمات! 2000 – 2001.
– كلام في السياسة نهايات طرق: العربى التائه 2001.
– كلام في السياسة الزمن الأمريكي: من نيويورك إلى كابول
– استئذان في الانصراف رجاء ودعاء .. وتقرير ختامي.
– المقالات المحجوبة.
– مبارك وزمانه .. من المنصة إلى الميدان.

قد يعجبك ايضا