ميناء “رأس عيسى” يعود إلى سيادة الدولة

تحقيق/ وائل شرحة

نجحت الدولة ممثلة بكل من “شركة النفط, ومحلي  وأمن الحديدة, وهيئة مكافحة الفساد, والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، في استرجاع أرض ميناء “رأس عيسى” التي تم الاعتداء عليها من شركة الخليج لتكرير النفط, نجاح استعادة الأرض يقابله إخفاق في محاسبة المخالفين والمتساهلين مع الشركة التي اعتدت على أرض أهم ميناء نفطي في اليمن وربما في المنطقة لما يتميز به من عمق طبيعي يصل إلى 40 متراً, ما يؤهله لاستقبال سفن نفطية عملاقة تصل حمولتها إلى ثلاثة مائة وسبعة آلاف طن وفقاً لمختصين.
بصواريخ طائرة.. أو أياد عبثية .. أو عصابات مسلحة .. لا فرق في المحصلة.. فجميعها أدوات تدمير وإهدار الأموال وأراضي الدولة, التي هي ملك للشعب.. وتوجب التصدي لها بكل حزم لوضع حد بعبثها بمقدرات اليمن واليمنيين وهو ما بدأ أخيراً وإن محدوداً.

أرض ميناء “رأس عيسى” مجرد حالة واحدة من عشرات, إن لم تكن مئات المنشآت والمناطق التجارية والصناعية التابعة للدولة التي تعرضت لاعتداءات متكررة منذ سنوات من تلك العصابات المتخصصة بنهب أراضي وأموال الشعب, قبل  أن يأتي العدوان السعودي ليجهز عليها.
“قضايا وناس” يتناول في هذا ملف, وبالوثائق الرسمية, الاعتداءات التي تعرضت له أرض ميناء “رأس عيسى” من قبل شركة الخليج لتكرير النفط, وعجز الجهات المختصة عن تنفيذ قرارات  استعادة ما تم الاستيلاء عليه بطرق مخالفة للقانون وبمساعدة هيئات ومكاتب حكومية عدة..
استراتيجية الميناء
بالعودة إلى بداية هذه القضية من قضايا الملف الأسود لمافيا النفط، يلزمنا التعرف على تاريخ ميناء”رأس عيسى”, فهو يعتبر أول ميناء نفطي تم إنشاؤه لضخ النفط من وإلى اليمن, يقع على البحر الأحمر بمنطقة الصليف ـ بمحافظة الحديدة ـ وهو مؤهل كخزان عائم لتحميل وشحن السفن بالنفط الخام الذي يضخ إليه من مأرب والجوف وحقول عديدة  عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 439كيلو متر.. وتبلغ سعته التخزينية 3 ملايين برميل, وقطر الأنبوب فيه (26ـ24) بوصة..
وقد أجريت دراسة جدوى للخط في عام 1985م, وبدأ العمل والبناء فيه عام 1986م, وفي الـ 9 من ديسمبر 1987م دشن مشروع أنبوب تصدير النفط عبر البحر الأحمر,  واحتفل رسمياً بتصدير أول شحنة من النفط اليمني إلى الخارج.
وبلغت تكلفة المشروع 294 مليون دولار.. ولديه قدرة استيعابية (200,000) برميل يومياً, ويبلغ أدنى معدل ضخ 15 ألف برميل في الساعة وأقصى معدل ضخ بين (50ـ60) ألف برميل في الساعة.. ويتراوح عمقه الطبيعي بين 35و 40 متراً, ما يؤهله لاستقبال سفن نفطية عملاقة, ويجعله مميزاً عن غيره من الموانئ, فميناء الحديدة النفطي – مثلاً – يتراوح عمقه ما بين 7و9 أمتار ويستقبل سفناً صغيرة لا تتجاوز حمولتها الـ 25 طناً.
خلفيات الاعتداء
منذ إنشاء الميناء, والمؤامرات تحوم حوله, والمتنفذون يعدون المخططات ويحشدون الأفكار والحيل للسيطرة عليه أو على جزء منه لبناء محطات أو خزانات وقود تتبع شركات خاصة, نظراً لما يتميز به من نقاوة مياهه ونعومة رمال الشاطئ، حتى تمكنوا من ذلك أخيراً بطرق مخالفة للقانون ومساعدة جهات حكومية.
في 9 نوفمبر 2015م أكد الناطق الرسمي لشركة النفط المهندس أنور العامري استلام شركة النفط رسمياً منشأة رأس عيسى وتشكيل لجنة لإدارة المنشأة.. مشيراً على صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إلى أن اللجنة ستقوم بتغيير الشعارات اللازمة في المنشأة.. لافتاً إلى «أن المنشأة ستمكن شركة النفط من استقبال السفن العملاقة مباشرة من دون الحاجة إلى سفن وسيطة صغيرة كما هو الحال في ميناء الحديدة».
عدوان الخارج
وفي اليوم التالي من استلام شرطة النفط للمنشأة شن  طيران التحالف السعودي، في 21 يناير 2016م، غارات على موقف الشاحنات والقاطرات في المنشأة، أسفر عنها مقتل ما لا يقل عن 15 عاملاً  وإصابة 14 آخرين .و اشتعال النيران في المنشأة النفطية في الميناء،  والتي كانت تحتوي على كميات كبيرة من مادة الديزل، ما أدى  إلى إلحاق أضرار فادحة، في الميناء، وتضرر ملحقات المنشأة، وعدد من الناقلات
عدوان الداخل
ذلك الاستهداف كان مباشراً من قبل العدوان السعودي. . لكن هناك اعتداءات ارتكبها مرتزقة العدو بالداخل وليست وليدة الأمس وإنما منذ سنوات.. أكثر تلك الاعتداءات جرأة هي اعتداء شركة الخليج لتكرير النفط من خلال البسط على جزء من أراضي الميناء، تبلغ مساحتها (6,037,647م2) بحسب الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد.
الظروف والأوضاع التي مر ـ ويمر ـ بها الوطن منذ أزمة 2011م, عرضت أراضي وعقارات ومنشآت الدولة للسلب والنهب والبسط, إذ منحت هيئة الأراضي لشركة الخليج لتكرير النفط عقد تأجير برقم (67) أرضية  تابعة للدولة يبلغ مساحتها  (2,192,437م2) في منطقة الصليف المجاورة لقرية الحمرة, وذلك لإقامة مشروع مصفاة تكرير النفط.
مكافحة الفساد
الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد, تلقت بلاغات مدعمة بوثائق, تؤكد قيام مكتب الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني في محافظة الحديدة, في 22 يناير 2015م بمنح شركة الخليج عقد تمليك للمساحة أعلاه في ميناء رأس عيسى ومجاناً .. استند مكتب أراضي الدولة في عقد تمليك الشركة وفي فقرته الثانية على قرار هيئة الاستثمار رقم (3245) وبتاريخ 15 مايو 2015م الصادر بشأن المشروع في الموقع الآخر وهو الأرض الذي منحتها الهيئة للشركة بمنطقة خارجة عن الميناء والمذكورة سابقاً.
بعد أن اطلعت هيئة مكافحة الفساد على الوثائق وحققت وتقصت وتثبتت من صحتها أصدرت في 10 مايو 2015م قراراً قضى بـ “إلغاء الإجراءات التي تمت لشركة الخليج, واستعادة أراضي الدولة مع المنشأة النفطية وتسليمها لشركة النفط اليمنية لاستغلالها في المشروعات الإستراتيجية في ميناء ومصفاة ومنشأة تخزين احتياطي استراتيجي للدولة ممثلة بوزارة وشركة  النفط”.
عرقلات تنفيذ
هيئة مكافحة الفساد وجهت وطالبت الهيئة العامة للأراضي, وذلك في رسائل عديدة, بسرعة تنفيذ قرارها الأنف ذكره لكن دون وجود أي تفاعل أو تجاوب من قبل هيئة الأراضي وهو الأمر الذي دفع بمكافحة الفساد إلى اتهام رئيس هيئة الأراضي في مذكره وجهتها له برقم (748) وبتاريخ 8 / 12/ 2015م بـ “إعاقة وعرقلة تنفيذ قرار هيئة مكافحة الفساد في استرداد أراضي الدولة وإلغاء وسحب الامتيازات عليها شركة الخليج لتكرير النفط وبالمخالف للقانون وإضراراً بأرضي الدولة”.. مشيرة  إلى إنها أصدرت القرار استناداً إلى مهام هيئة مكافحة الفساد في المادة (8/ف15) من القانون رقم (39) لسنة 2006م.
ذلك الاتهام دفع رئيس هيئة الأراضي الدكتور عبدالله الفضلي إلى الدفاع عن نفسه ونفي ما وصفته به مكافحة الفساد في مذكره وجهها إليها برقم (464) وبتاريخ 13/12/2015م.. تضمنت تبريرات بأن شركة الخليج متواجدة بالمنطقة منذ 2006م وأن لديها توجيها من رئيس مجلس الوزراء في 29/1/2014م” “وأن الشركة حصلت على موافقة الهيئة العامة للاستثمار لإقامة المشروع”.
هيئة مكافحة الفساد ردت على رئيس هيئة الأراضي برسالة أخرى وجهتها إلى الدكتور الفضلي تحمل رقم (798ـ 1) وبتاريخ 29/ 12/ 2015م, أكدت أن ” قرار الهيئة العامة للاستثمار, لا يجوز استخدامه واستغلاله لإضفاء المشروعية على استيلاء شركة الخليج على أرض الدولة في رأس عيسى, كما أن تقدم الشركة مطلع 2014م بتظلم لرئيس الجمهورية والوزراء بقصد التغطية وإضافة المشروعية على واقعة الاستيلاء على الأرض, بالإضافة إلى أن شاطئ رأس عيسى من الأراضي الممنوع فيها التصرف كشواطئ وموانئ نفطية إستراتيجية للبلاد”.
رئاسة الوزراء
وفي ظل انعدام تفاعل على هيئة الأراضي مع مذكرات ومخاطبات هيئة مكافحة الفساد، اضطرت الأخيرة إلى مخاطبة الجهات المسؤولة كمكتب رئاسة الجمهورية والوزراء وجهازي الأمن السياسي والقومي.. والتي قامت كل منها بدورها.. إذ وجه القائم بأعمال مدير مكتب رئيس الوزراء عبد الرحمن ذيبان مذكرة إلى رئيس الهيئة العامة للأراضي تحمل رقم (3ك/54/46) وبتاريخ 6/1/2016م, طالب فيها “تنفيذ قرار هيئة مكافحة الفساد نصا وروحا, والإفادة بما يتم” وحمل رئيس الهيئة مسؤولية عدم التنفيذ.
اللجنة الثورية
في السياق ذاته وجه رئيس اللجنة الثورية العليا وزير الداخلية في مذكرة تحمل رقم (111) وبتاريخ 13/ 8/ 2015م, بـ”اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة باستعادة الأرض المستولى عليها وبالتنسيق مع هيئة أراضي وعقارات الدولة, وضبط كميات المشتقات النفطية المتوفرة في المنشآت المقامة على الأرض المذكورة وتسليمها لشركة النفط اليمنية لتوزيعها في السوق المحلية بمعرفتها والرفع إلى اللجنة الثورية العليا بما تم”.
و في مذكرة رسمية حصل “قضايا وناس” على نسخة منها، تحمل رقم 1307 وبتاريخ 13ديسمبر 2015م  وجهها الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة  إلى الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني ومكاتبها في المحافظات حملها المسؤولية القانونية عن أي أضرار لحقت أو ستلحق بمصالح الدولة وممتلكاتها.
ختاماً
كل الأطراف والسماسرة والناهبين والنافذين استغلوا ظروف البلاد والعدوان للتوغل والأمعان في النهب والسطو على مقدرات الدولة والشعب عموما… وهذا ما يتطلب من الجهات والقوى السياسية الوقوف أمام هذه التصرفات وردعها بحزم من خلال معاقبتهم قانونياً كي يكونوا عبرة لكل من تتسول له نفسه بالاعتداء أو التواطؤ في الاعتداء على أراضي الدولة.

قد يعجبك ايضا