برلين /وكالات
تبذل ألمانيا قصارى جهدها للإمساك بدفة القيادة في مواجهة عدد من الأزمات المتشابكة على الساحة الدولية.. لكن لا أحد يتبعها.
كانت هذه هي الرسالة المحورية التي خرجت من مؤتمر ميونيخ الأمني ذلك التجمع السنوي الذي يفد إليه قادة ودبلوماسيون من أوروبا والشرق الأوسط والولايات المتحدة لمناقشة مشاكل العالم.
لقد انتهى المؤتمر وسط أجواء أشد قتامة من بدايته في ظل الشكوك التي تحيط بخطة الهدنة الهشة في سوريا واستمرار روسيا في نهج التحدي والمواجهة في حين تكافح برلين لاستمالة حلفاء أوروبيين لدعم موقفها في أزمة اللاجئين.
وقالت كونستانز شتيلزنمولر الباحثة بمعهد بروكينغز “كان هناك قادة مرتبكون ومستنزفون” واصفة الاجتماع هذا العام بأنه “ضعيف بشكل غريب”.
وأضافت قولها “انعدام الثقة يخيم على المكان كسحابة ضباب. ألمانيا تبذل قصارى جهدها على المستوى الدبلوماسي لكن هناك صراعا حقيقيا لإيجاد حلول عملية وتشكيل تحالفات فعالة.”
وعشية المؤتمر اتفق اجتماع لقوى كبرى استضافه وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر-شتاينماير على “وقف الأعمال القتالية” في سوريا ليتيح بصيصا من الأمل في الحرب المستمرة منذ قرابة خمسة أعوام والتي قتل خلالها ما لا يقل عن 250 ألف شخص.
لكن خلال ساعات كان الموقعون على الاتفاق أنفسهم يشككون فيه. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن فرص فشله أكبر من فرص نجاحه وأوضح أن موسكو لن توقف ضرباتها الجوية دعما للقوات السورية التي تتقدم صوب مدينة حلب الشمالية.
وبدا أن تصريحاته وتصريحات رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف تبدد الآمال في أن تتبنى موسكو نهجا بناء بشكل أكبر. وحذر ميدفيديف من حرب باردة جديدة واستشهد بخطاب حاد للرئيس فلاديمير بوتين في ميونيخ عام 2007 اتهم فيه الولايات المتحدة بأن لديها نزعة تدميرية كي تكون “السيد الأوحد للعالم”.
وقال فرانسوا هايسبورغ وهو مستشار خاص في مؤسسة الأبحاث الاستراتيجية ومقرها باريس: “كانا هنا ليوصلا رسالة من بوتين. الرسالة هي.. نحن لا نأخذكم على محمل الجد وسنجعل حياتكم صعبة على مدى الأربع والعشرين ساعة.”
وتبذل كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونظيره الألماني شتاينماير جهدا كبيرا كي يبدو بمظهر المتفائل.
لكن بحلول كان نوربرت روتيغن أحد أبرز حلفاء المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل المحافظين في البرلمان، يبلغ الحضور بأنه ليست لديه ثقة في أن روسيا ستتصرف بشكل بناء في سوريا متهما موسكو بالسعي “لخلق حقائق على الأرض” لدعم موقفها في المفاوضات.
وقبل عامين خلال هذا المؤتمر دعا شتاينماير والرئيس الألماني يواخيم جاوك ووزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير ليين إلى قيادة ألمانية أكثر فاعلية في الشؤون الخارجية وقالوا :أنه لم يعد من المقبول أن تنأى ألمانيا بنفسها عن “القيادة” بعد 70 عاما من نهاية الحرب العالمية الثانية.
ومنذ ذلك الحين اتخذت برلين زمام المبادرة الدبلوماسية في أزمة أوكرانيا ووافقت على الانضمام للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية من خلال تقديم أسلحة للأكراد وتقديم الدعم العسكري للحلفاء الذين ينفذون ضربات جوية في سوريا.
لكن في ظل قلق الولايات المتحدة من شبح الحرب وترددها بشأن التورط بشكل أكبر في سوريا وانصراف تركيزها إلى حملات الدعاية للانتخابات الرئاسية، وجدت برلين صعوبة في تحقيق توافق في الآراء وبدت معزولة أكثر من أي وقت مضى بشأن هدفها الرئيسي وهو الحد من تدفق اللاجئين على أوروبا من سوريا ومناطق مضطربة أخرى في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وفي ميونيخ أوضح رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن بلاده لن تستقبل أكثر من 30 ألف لاجئ وهو الرقم الذي وافقت باريس على قبوله بموجب اتفاق للاتحاد الأوروبي.
وفي انتكاسة لميركل رفض فالس أيضا فكرة وجود آلية دائمة لتوزيع اللاجئين في أوروبا وهو المطلب الأساسي في مساعي الزعيمة الألمانية لإقناع تركيا بالتعاون في الحد من تدفق اللاجئين.
ومن جانبه أوضح الرئيس البولندي أندريه دودا في ميونيخ أن العدوان الروسي يمثل أولوية لبلاده أهم من قضية اللاجئين.
وتشير هذه الرسائل إلى أن ميركل التي تراجعت معدلات التأييد لها بسبب سياستها بشأن اللاجئين قبل ثلاثة انتخابات مهمة الشهر المقبل قد تجد صعوبة في تشكيل “تحالف للراغبين” في أوروبا لمساعدتها في الأزمة.
وقال يان تيتشاو وهو مدير مركز كارنيغي في أوروبا والذي شارك أيضا في المؤتمر: “رغم المحاولات المستميتة من وزير الخارجية والدفاع الألمانيين لوضع أزمة اللاجئين في قلب المناقشات فإن القضية التي تفوقت على غيرها كانت سوريا.”
وعبر دبلوماسيون في ميونيخ عن شكوكهم تجاه أحدث مبادرة ألمانية في أزمة اللاجئين. وتضغط ميركل لحمل سفن حلف شمال الأطلسي على القيام بدوريات مراقبة في بحر إيجه لمساعدة تركيا واليونان على التصدي للشبكات الإجرامية التي تهرب اللاجئين إلى أوروبا.
وقال دبلوماسي أوروبي: “لسنا متأكدين من كيفية عمل ذلك.. يبدو أن ميركل تريد أن تظهر أن ألمانيا ليست بمفردها تماما.”
ووصف هايسبورغ مبادرة حلف الأطلسي بأنها أحدث مسعى من ألمانيا للضغط على أوروبا لتبني موقفها من الأزمة لكنه توقع له الفشل.
وقال: “إنهم يحاولون وضع جدول الأعمال بشروطهم الخاصة لكن هذا ببساطة لا يجدي. إنه نهج يعود عليك بالهزيمة.”
Prev Post