عدنان التميمي*
سبق وأن تحدثنا في الحلقة السابقة عن دور الاستخبارات البريطانية في صناعة الحركة الوهابية ودعمها بكافة صور وأنواع الدعم , وذلك لتكون سوطها وسيفها وسلاحها الذي تُسيم به الأمة سوء العذاب .
و لذا فإن حكومة بريطانيا عندما رأت أن كُلفة بقائها العسكري في البلدان الإسلامية أصبحت مكلفة لها عسكرياً ومادياً , قررت الرحيل والجلاء عن تلكم البلدان غير مكترثةٍ بذلك, لأن رحيلها لم يكن إلا رحيلاً شكلياً فقط , إذ ظلت حاضراً بما زرعته ودسته في الأمة من أفكار وجماعات تركتها هناك لتنفيذ بقية أجندتها ومخططاتها, وفي ذلك يقول توماس ادوار لورانس والملقب (بلورانس العرب )(1) في كتابه أعمدة الحكم السبعة : بأن بريطانيا لم ترحل من العالم الإسلامي إلا وقد تركت فيه ثلاثة أسافين(2) :
الأول : القديانية وغرسته في الهند وما حولها .
والثاني : البهائية وغرسته في مصر وبعض مناطق شرق آسيا .
والثالث : الوهابية وغرسته في شبه الجزيرة العربية .
وبذلك فقد ظلت الاستخبارات الغربية حاضرة بخنجرها المسموم الذي أذاق الأمة الإسلامية ويلات أشد مما كانت تلقاه من المستعمر نفسه .
ومع أن عدو الأمة واحد وإن تبدلت مسمياته سواء كانت بريطانيا سابقاً أو الولايات المتحدة الأمريكية حالياً , والتي برزت كوريث لتركة دولة بريطانيا في الحقبة الأخيرة من القرن الماضي ,فقد كانت الوهابية جزء من هذه التركة المنتقلة, ولذا لم يطراء أي تغيير على سياسة الوهابية ,سوى انتقالها من تنفيذ الأجندة البريطانية إلى تنفيذ الأجندة الأمريكية , إذ لا فرق لدى العملاء بين تنفيذ أجندة بريطانية أو أمريكية مادامت تلكم الأجندة ذات هدف مشترك وهو تدمير الأمة .
ولقد خصصنا هذا المبحث لاستعراض أهم الأجندة التي اُوكل إلى الوهابية تنفيذها مبتدئين بالأجندة العامة :
الأجندة العامة :
تمزيق الأمة , وإحياء كل مسائل الاختلاف التي تؤدي إلى الفرقة والشتات .
هدم أركان الدين ركناً ركناً , ابتداءً بالذكر(3) بمنع مجالس الذكر الجماعية بكافة الوسائل ,وصولاً إلى تفجير المساجد لمنع أداء الركن الثالث , وافتعال الحوادث في كل موسم حج بقصد إرهاب المسلمين عن أداء الركن الخامس , لأن في ذلك قتلاً لروح المسلم قبل جسده , مما يسهل مسخ المسلم , وتجريده عن قيم الدين وأخلاقه .
قطع صلة وارتباط الأمة بنبيها الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ,وأوليائها وصالحيها , وذلك كي تفقد الأمة معاني الارتباط والقدوة الحسنة بأهل الله الذين تتجلى في سلوكياتهم وأخلاقياتهم معاني الدين وقيمه النبيلة , وهو ما يمكن أن نطلق عليه فصل الدين عن منبعه المتمثل بالحبيب الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فيصير الدين شكلاً بلا روح وجسداً بلا رأس .
القضاء على التصوف كونه أحد حصون هذا الدين والذي كان لرجاله صولاتهم في التصدي للمستعمر في جميع الأقطار الإسلامية , حيث ذاق منهم الويلات فأراد تصفية حساباته معهم من خلال فكر نقيض يتخذ من عدائهم قاعدةً تقوم عليها أفكاره التكفيرية (4) .
القضاء على المذهبية تحت مسمى العودة إلى الكتاب والسنة ,كون المذاهب الإسلامية هي تقنين لأحكام هذا الدين , وبالقضاء عليها سوف تسود الأمة حالة من الفوضى الفقهية , التي تمهد لبروز الفتاوى التكفيرية الشاذة التي تُستثمر في خدمة المشاريع الاستعمارية .
تنفير المسلمين عن دينهم بسلوكياتهم الشاذة الذي تجعل المسلم يشمئز منها , وبالتالي يحاول الهروب من ذلك للارتماء في أحضان الإلحاد ,هروباً من دين الوهابية الذي يدَّعونه والذي لا يمت إلى ديننا الإسلامي بصلة .
ثانيا :الأجندة الخاصة : وهي مشاريع يتم تنفيذها بحسب الظروف المتهيئة وتتنوع بتنوع الزمان والمرحلة , وتشمل الأتي :
1-خلال المرحلة الأولى من ظهور الوهابية فقد أوكل إليهم تنفيذ عدد من الأمور التي ذكرناها في المبحث السابق , والمتمثلة بالتعليمات المسَّلمة من مستر هنفر لمحمد بن عبدالوهاب , والتي عملت الوهابية على تنفيذها منذ تسليمها لهم ,عدا بعضٍ منها , لعدم توفر المناخ المناسب في تلكم الفترة .
2 -أما الأجندة التي عملت الوهابية على تنفيذها عقب الحرب العالمية الثانية, وبعد انتقالها للعمل مع الاستخبارات الأمريكية , فقد تحولت إلى أحد الأسلحة التي واجهت بها أمريكا ما كان يُعرف بالمعسكر الشرقي , الذي كان يتولى زعامته الاتحاد السوفيتي, فجندت الوهابية خيرة شبابها لقتال السوفيت في أفغانستان , وقد كان لهم دور باز في تحقيق الانتصار الأمريكي هناك .
3 -بعد سقوط المنظومة الاشتراكية وظهور ما يعرف بنظام القطب الواحد , كان لا بد من أجندة جديدة تُوكل إلى الوهابيين للقيام بها , حيث شهد العالم وخاصة بعض الدول الأوروبية إقبال كبير على الإسلام , فبات ذلك يشكل خطرا على عدو الأمة الذي كان يرقب الوضع , فتم افتعال حادثة الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك , والذي تبنته تلكم التنظيمات المفرخة من الفكر الوهابي, وذلك من أجل مهمة جدية , وهي تقديم المسلمين بأقبح صورة من أنهم جماعات إرهابية , ثم لإعطاء الولايات المتحدة الشرعية المطلوبة لغزو بعض الشعوب والبلدان تحت مسمى محاربة الإرهاب الذي هو في حقيقة الأمر إنما هو يدها ورجلها وصنيعتها في المنطقة .
4 -إنه وبعد 2011م وظهور ما يعرف بالربيع العبري والذي تولى إخراج سيناريوهاته اليهودي برنارد ليفي , فقد تم الدفع بالوهابية و بالدولة الراعية له ممثلة بمملكة قرن الشيطان لاستغلال ذلك ,من أجل إسقاط أنظمة ما كان يُعرف بدول الممانعة (وهي الدول الإسلامية الرافضة للتطبيع مع الكيان الصهيوني ) فأرسلت الوهابية عصاباتها من شتى البلدان وبتنسيق ودعم أمريكي إلى سوريا وغيرها من البلدان الرافضة للهيمنة الأمريكية من أجل إسقاط تلكم الدول وإغراقها في قعر بحر مظلم من الفوضى .
5 – وأما المشروع الحالي الذي تعمل الوهابية على تنفيذه في وقتنا الراهن فهو امتداد للمشروع السابق وأحد حلقاته ,ويتمثل بالتمهيد لمشروع الشرق الأوسط الجديد من خلال إحياء النزاعات الطائفية والمذهبية لإغراق الأمة في وحل الفوضى الخلاقة التي رسمت ملامحها الاستخبارات الأمريكية والتي تهدف إلى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ , وفق معايير طائفية ومذهبية تُفضي إلى حروب أهلية تزيد في وهن الأمة وضعفها , والتي لا مستفيد منها سوى الكيان الصهيوني الذي بات يشعر الآن بأمان أكثر من ذي قبل , بعد إضعاف الجيوش العربية القوية, وسيطرة دواعش الأمريكان على بعض المناطق والمدن والتي تحولت إلى ساحة للفوضى الخلاقة , والتي تعد مفتاح عودة المستعمر بصورة أخرى كمنقذٍ للأمة من وحشية داعش , فيُستقبل بالورود والرياحين .
* ملتقى التصوف الإسلام
Next Post