دون أن ينتبه أحد
عبدالمجيد التركي
تمرُّ من جولة القيادة في التاسعة ليلاً، وأنت مغلق زجاج سيارتك لشدة البرد، فترى امرأة مُسنَّة تمشي على عكَّازين، وقد ربَطَت كيساً بلاستيكياً على صدرها تضع فيه المناديل، التي لا يشتريها أحد في تلك الساعة من الليل.. يحدث هذا دون أن ينتبه أحد!!
يحدث أن ترى طفلاً حافياً يقفز بجوار سيارتك وبيده خرقة يحاول أن يمسح بها زجاج السيارة لتمنحه عشرة ريالات.. بالتأكيد هو لا يحلم بشراء جاكيت يقيه البرد، ولا يفكر بشراء حذاء كي يحمي قدميه من التشقُّق.. كلُّ ما يفكر به هو أن يعود بعشاء إلى أمه وإخوته الذين ينتظرون عودته ليتناولوا العشاء، كي يناموا مطمئنين إلى أن أحلامهم لن تكون مليئة بالأرغفة.. يحدث هذا دون أن ينتبه أحد!!
يحدث أن ترى صبياً في العاشرة يطرق زجاج السيارة ليلتفت إليه السائق ويشتري منه قارورة ماء.. أكثر ما يؤلم هذا الصبي أن السائق لا يعيره التفاتة، بل يرفع أصبعه باتجاه السماء، ويقول له: الله كريم، رغم أنه يجاهد ويقف تحت الشمس والبرد وهو يحمل الماء المثلَّج كي لا يقع في فخّ التسوُّل.. يُفترض أن يكون هذا الصبي في المدرسة، لكن والده مات وترك له أماً وإخوة ليس هناك من يعيلهم، فضحَّى بدراسته لأجل أن يُطعم إخوته، ومثل هذا الصبي يكون صيداً سهلاً لجماعات التطرف والإرهاب.. يحدث هذا دون أن ينتبه أحد!!
يحدث أن ترى رجلاً مسناً في حديقة التحرير ينام بداخل كرتون كبير، أخذه من أمام محل ثلاجات منزلية فاتخذه سكناً ووطناً، وتراه يخبئ الرغيف، بعناية، في مشمع بلاستيكي ويضعه في جيبه لليوم التالي..
يحدث هذا دون أن ينتبه أحد!!
magid711761445@gmail.com