د. يحيى علي الصرابي –
يْعتبر الحوار من قيم الحضارة الإسلامية المستندة أساساٍ إلى مبادئ الدين الحنيف وتعاليمه السمحة بل هو يْعبر عن أبرز سمات الشخصية الإسلامية السوية وهي سمة التسامح والتصالح التي تفتقدها معظم الثقافات غير الإسلامية السائدة كونه يْعتبر من القيم الدينية والإنسانية الأكثر رْقياٍ في التعامل بين البشر.
وبالرغم من أن موضوع الحوار قديم قدم البشرية كونه نابعاٍ من أعماق النفس البشرية فهو يبقى موضوعاٍ جديداٍ مهماٍ تقتضيه الساعة وواقعنا الذي نعيشه خاصة في ظل الأوضاع والظروف الراهنة التي تمر بها البلاد والعباد بمختلف البلدان العربية والإسلامية ومنها اليمن الأمر الذي يستوجب تناوله وبيانه وطرحه دوماٍ لما له من أهمية بالغة تكمن في كونه يمس حياة كل فرد يعيش على هذه الأرضº لأن الإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي لا يمكن أن يعيش بمفرده.
واستناداٍ إلى ذلك نتناول هذا الموضوع آداب الحوار وقواعده التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف والتي لابد من التزام المتحاورين بها حتى لاينحرف حوارهم عن الأهداف المنشودة منه ..
فالحوار يحتاج إلى آداب وقواعد عامة ينبغي للمتحاورين أن يلتزموا بها كي يكون الحوار مثمراٍ وفعالاٍ من أجل الدين والوطن باعتبار الحوار منهجاٍ ربانياٍ ارتضاه الله سبحانه وتعالى لنفسه ورضي لخلقه التحاور فيما بينهم بما يخدم مصالحهم في الدارين ومن تلك الأسس والمبادئ التالية:
الصدق:
اعتماد المحاور الصدق في نيته وكلامه يكسبه قوة في محاورته فكلما تمسك بهذه الصفة كان لهذا الأثر البليغ في إقناع محاوريه بصحة دعواه وسلامة قضيته مصداقاٍ لقوله تعالى: )يِاأِيْهِا الِذينِ آمِنْواú اتِقْواú اللهِ وِكْونْواú مِعِ الصِادقينِ) (التوبة 119).
الصبر والحلم (ضبط النفس):
يجب أن يتصف المحاور بالصبر والحلم وتحمل سوء سلوك المقابل أو سخريته واستهزائه أو كذبه وشهوته على الانتصار في التحاور مصداقاٍ لقوله تعالى: »يِا أِيْهِا الِذينِ آمِنْواú اصúبرْواú وِصِابرْواú وِرِابطْواú وِاتِقْواú اللهِ لِعِلِكْمú تْفúلحْون« (آل عمران200) وقوله صلى الله عليه وسلم: “اعلموا أن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب واليْسر مع العْسر” صدق رسول الله .
الاحترام المتبادل في ما بين المتحاورين:
إن الاحترام المتبادل يجعل الأطراف المتحاورة تتقبل الحق وتأخذ به وكل إنسان يجب أن يْعامل باحترام الأمر الذي يستوجب على المحاور أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه لقوله تعالى: »يِا أِيْهِا الِذينِ آمِنْوا لِا يِسúخِرú قِومَ من قِوúمُ عِسِى أِن يِكْونْوا خِيúراٍ منúهْمú وِلِا نسِاء من نسِاء عِسِى أِن يِكْنِ خِيúراٍ منúهْنِ وِلِا تِلúمزْوا أِنفْسِكْمú وِلِا تِنِابِزْوا بالúأِلúقِاب بئúسِ الاسúمْ الúفْسْوقْ بِعúدِ الúإيمِان وِمِن لِمú يِتْبú فِأْوúلِئكِ هْمْ الظِالمْونِ« (الحجرات11).
الاتفاق على أصول ثابتة يمكن الرجوع إليها:
قبل بداية الحوار يجب على المتحاورين أن يتفقوا على أسس ثابتة بينهم يمكن الرجوع إليها عند الاختلاف أو قد يلزمهما اختيار شخص ليحكم بينهم ويفصل في النزاع والاختلاف مصداقاٍ لقوله تعالى: »فِأِقمú وِجúهِكِ للدين حِنيفاٍ فطúرِةِ اللِه الِتي فِطِرِ النِاسِ عِلِيúهِا لِا تِبúديلِ لخِلúق اللِه ذِلكِ الدينْ الúقِيمْ وِلِكنِ أِكúثِرِ النِاس لِا يِعúلِمْون« (الروم30).
البدء بنقاط الاتفاق وتأجيل نقاط الاختلاف مع تحديدها:
عند تحديد المتحاورين لنقاط الالتقاء فإنهم بذلك قد وضعوا قاعدة مشتركة فيما بينهم تدفع الحوار للأمام والبدء بالنقاط المتفق عليها يوثق الصلة بين المتحاورين ويجعلهما يتقبلان ما يْطرح في الحوار بنفس طيبة وبالتالي يقل ذلك من نقاط الاختلاف فيما بينهم.
تحديد المصطلحات بدقة
قبل الدخول في الحوار ينبغي للمتحاورين تحديد معاني بعض المصطلحات التي قد ترد في موضوع المحاورة أو التي قد يستخدمونها أثناء الحوار.
التدرج في الحوار
التدرج في الحوار له أثر كبير في نفس المتحاورين فالبعض قد تتشرب نفسه بفكرة معينة فيرى أنها الحق وأن ما سواها باطل لا ينبغي الأخذ به فعند التدرج في الحوار يمكن إقناعه مصداقاٍ لقوله تعالى: »وِأِنذرú عِشيرِتِكِ الúأِقúرِبينِ وِاخúفضú جِنِاحِكِ لمِن اتِبِعِكِ منِ الúمْؤúمنينِ فِإنú عِصِوúكِ فِقْلú إني بِريءَ ممِا تِعúمِلْون« (الشعراء 214- 216) هذا في مجال الدعوة إلى دين الله فما البال في أمور الدنيا فذلك الأمر من باب أولى فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إذ يْقال خطوة خطوة لا قفزاٍ مرة واحدة نحو الهدف.
حسن الاستماع وتجنب المقاطعة:
ينبغي الإصغاء إلى المتحدث وعدم مقاطعته وإذا كان هناك شيء يْصار إلى تسجيل الملاحظات في ورقة ثم التعليق عليها بعد انتهاء المتحدث وفي الوقت المخصص لحديثه.
الالتزام بوقت محدد:
لكي يكون الحوار مثمراٍ وفعالاٍ لا بد أن يعطى كل طرف من أطراف الحوار فرصة للتعبير عن رأيه وتوضيحه وبيان الأدلة عليه على شرط أن تكون فترة كل منهما إن لم تكن متساوية فعلى الأقل متقاربة.
إشعار المحاور بالمحبة رغم الخلاف:
إن الاختلاف في وجهات النظر لا ينبغي أن تقطع حبل المودة ومهما طالت المناظرة أو تعدد الحوار أو تكررت المناقشة فلا يليق أن تؤثر على القلوب أو تكدر الخواطر أو تثير الضغائن إذ يْقال أن الاختلاف في الرأي لا يْفسد للود قضية وهنا نستشعر قوله تعالى: (وِأِنفقْواú في سِبيل الله وِلاِ تْلúقْواú بأِيúديكْمú إلِى التِهúلْكِة وِأِحúسنْوِاú إنِ اللهِ يْحبْ الúمْحúسنينِ) (البقرة195) وقوله: (إن يِمúسِسúكْمú قِرúحَ فِقِدú مِسِ الúقِوúمِ قِرúحَ مثúلْهْ وِتلúكِ الأيِامْ نْدِاولْهِا بِيúنِ النِاس وِليِعúلِمِ اللهْ الِذينِ آمِنْواú وِيِتِخذِ منكْمú شْهِدِاء وِاللهْ لاِ يْحبْ الظِالمينِ (آل عمران140) فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وإذا كان ذلك هو ما يحث عليه الدين الإسلامي الحنيف ويدعو إليه منطق العقل والحكمة فإن ما يستوجب علينا كسلطة ومعارضة قبائل ومشائخ شباب وباحثين أكاديميين ومنظمات مجتمع مدني أن نوضحه ونؤكد عليه هو ما يْمكن إيجازه فيما يلي:
أن يْذعن الجميع لصوت الحق ومنطق العقل في المشاركة في عملية الحوار الجاد وبحث الوضع وإبداء الرأي والإسهام البناء في طرح الرؤى والأفكار وصياغة الحلول والمعالجات المثلى لكافة المشكلات المختلف عليها وبذل النصح الذي يعود بالخير والصلاح على العباد والبلاد دون تلكؤ ومماطلة مصداقاٍ لقول الحق سبحانه وتعالى: (وِتِعِاوِنْواú عِلِى الúبر وِالتِقúوِى وِلاِ تِعِاوِنْواú عِلِى الإثúم وِالúعْدúوِان وِاتِقْواú اللهِ إنِ اللهِ شِديدْ الúعقِاب) (المائدة 2) وقوله تعالى: (ومِا كِانِ لمْؤúمنُ وِلِا مْؤúمنِةُ إذِا قِضِى اللِهْ وِرِسْولْهْ أِمúراٍ أِن يِكْونِ لِهْمْ الúخيِرِةْ منú أِمúرهمú وِمِن يِعúص اللِهِ وِرِسْولِهْ فِقِدú ضِلِ ضِلِالاٍ مبيناٍ) (الأحزاب36) والتزاماٍ بقول الرسول(صلى الله عليه وسلم): ” الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال: لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم”.
ضرورة إشراك مختلف القوى السياسية والاتجاهات الفكرية في عملية الحوار وتبادل النقاش وصولاٍ إلى إيجاد الوفاق والاتفاق الوطني كون القضية قضية الجميع والله تعالى لم يأنف من إقامة الحوار حتى مع إبليس لعنة الله عليه على الرغم من عصيانه وغروره وذلك من باب إقامة الحجة وقطع المعذرة ولنا في رسول الله أسوة حسنة.
أن يدرك القاعدون على مائدة الحوار أن مصالح الناس وحياتهم وسلامة المجتمع ووحدته أمانة في أعناقهم فعليهم أن يخلصوا القصد وأن يصدقوا القول وأن يغلب الصالح العام على غيره من المصالح الشخصية أو الحزبية أو القبلية وأن يسعوا إلى إيجاد رؤية موحدة توفق بين جميع الأطراف فلن يؤتي الحوار ثماره في ظل التعصب للرأي والرأي الآخر إعمالاٍ لقاعدة “رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
أن يستقر في الأذهان أن الهدف من الحوار ليس حواراٍ لأجل الحوار ذاته وإنما لكونه وسيلة إلى غيره فنحن لا نتحاور لكي نتحاور وعليه فينبغي أن يكون الحوار جاداٍ ومسئولاٍ وأن يقود إلى قرارات ونتائج يلتزم بها الجميع وبغير ذلك يكون الحوار مضيعة للوقت والجهد.
ضرورة الالتزام بأخلاق الحوار وآدابه.
وختاماٍ يْمكن القول أنه ليس من شروط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين أو الأطراف إلى قول الطرف الآخر فإن تحقق هذا فنعم المقصود وهو منتهى الغاية وإن لم يكن فالحوار ناجح إذا توصل المتحاورون بقناعة إلى قبول قول كل منهم مادام أنه في دائرة الخلاف السائغ.
ولكن يكون الحوار فاشلاٍ إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة وتدابر ومكيدة وتنافر وفتنة جنب الله العباد والبلاد شر التنازع والفتن ما ظهر منها وما بطن وجمع القلوب على سبيل الحق والرشاد إنه ولي ذلك وقادر عليه.
وأن الحل الناجع للأزمة السياسية في الساحة الوطنية التي طال أمدها لأكثر من سنتين لا يمكن أن يتم إلا بتغليب لغة الحوار البناء والموضوعي وسيادته على جميع الأطراف الذي يْعتبر واجباٍ دينياٍ مقدساٍ على الجميع تغليبه والأخذ به تنفيذاٍ وامتثالاٍ لأوامر الله عز وجل ونواهيه وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) الأمر الذي يستوجب على كل وطني شريف مخاطبة جميع الأطراف في هذه الأزمة بما يتوجب قوله وبما يتناسب وتجسيد أمر الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من منطلق المسؤولية الوطنية وبدافع الأمانة والذمة والتاريخ لما فيه تحقيق أمن وسلامة الوطن أرضاٍ وإنساناٍ والحفاظ على مكتسبات الأمة لاسيما منها الوحدة الوطنية ومداميك التنمية والبنية التحتية المتوفرة حتى لا نرمي بكل ذلك إلى الهاوية.