دورات المياه في المدارس مرافق خارج الخدمة
تحقيق / رجاء عاطف
المدرسة هي البيت الثاني للأطفال بمختلف مستوياتهم العمرية و بداية مشوارهم للمشاركة والتفاعل مع المجتمع ..ومن هذا المنطلق تعتبر هي المجتمع الأهم في المراحل الأولى من حياتهم, التي يقضون فيها حوالي 7 ساعات يوميا, أي بمعدل 30% من أعمارهم الأولى ،وهنا تكمن مسؤولية المدرسة لتوفير ماله أهمية للطلاب فيها لتكون عامل جذب لا تنفير ومن جوانب الجذب يلزم توفير مياه نظيفة للشرب وكذلك لدورات المياه ومتابعة مدى توفرها من قبل إدارة الصحة المدرسية تفاديا لحدوث أي آثار صحية أو نفسية للطلاب في حال غيابها بشكل مستمر أو منقطع .. وفي هذا التحقيق ..نناقش حال المدارس في ظل عام من العدوان ..ومدى جاهزيتها في ما يتعلق بدورات المياه وتوفر المياه بها ..ومخاطر غياب ذلك على صحة الطلبة..وكيف يمكن تفادي ذلك ..؟ بالحلول المؤقتة على الأقل في ظل تواصل قصف العدوان السعودي الهمجي الذي امتد للمدارس والمنشآت التربوية المختلفة..
عندما تنعدم المياه بشكل عام في المدارس يشعر البعض من الطلاب بأن المدرسة مكان غير ملائم يمكثون فيه نصف وقتهم حيث لا يكون تركيزهم إلا على جرس نهاية الدوام الذي يشعرون معه بأن أبواب سجناً قد فتحت لهم ليشقوا طريقهم بحثا عن الماء حتى يصلون إلى منازلهم..
ناهيكم عن دورات المياه التي في كثير من الأحيان نجد أنها غير مؤهلة صحياً للطلاب إلى جانب خلوها لعدة أيام وربما لأسبوع من الماء..فمجمل معاناة الكثير من الطلاب إذا لم يكونوا جميعا كانت كما يراها عبدالرحمن أحمد .
وعبدالرحمن الذي يدرس في الصف الثالث أساسي بمدرسة الشعب يرفض دخول دورات المياه بسبب عدم نظافتها حيث لا وجود للمياه فيها ويضطر الانتظار إلى نهاية الدوام المدرسي للذهاب إلى المنزل .
وقال عن ماء الشرب أنه متوفر في خزان حوش المدرسة لكنه مع ذلك يصطحب معه قارورة ماء للشرب في حقيبته.
وأما الطالب إبراهيم خليل بالصف الرابع بمدرسة معين يقول : الماء لا يتوفر من 4-5 أيام في المدرسة أحيانا ونتجه إلى البوفية لشراء ماء للشرب لأننا لا نصطحب كثيرا من الأحيان ماء من المنزل ، وأضاف: انعدام المياه يجعل دورات المياه غير نظيفةوأنه في حال إقفالها من قبل الإدارة المدرسية يذهب الطلبة إلى فناء المدرسة للضرورة أو التحمل إلى أن يصلوا إلى المنزل .
العدوان ضاعف المشكلة
تؤكد فوزية المحضار – مديرة مدرسة معين الثانوية للبنات : أن عدد طلاب المدرسة ألف وثلاثمائة وهم يعانون من مشكلة عدم توفر المياه من قبل الأزمة والعدوان حيث لا يوجد لديهم ماء عمومي ، وكما تمر أيام لا يكون هناك ماء في المدرسة ، وقالت : نواجه إشكالية كبيرة بالنسبة للطلاب الذين يتركون دورات المياه بمنظر غير لائق وملائم صحياً إلا أننا نحاول معالجة الامور سريعاً بشراء وايتات لكن الازمة ضاعفت المشكلة بازدياد عدد الطلاب خاصة الصفوف الاولى إلى جانب أسعار الوايتات في الوقت الذي لم نجد فيه أي تجاوب أو جهة داعمة ونضطر لشرائه كل يوم أو كل ثاني يوم وتدبير المبلغ من مصروف المدرسة ( الرسوم التي يدفعها الطالب) والتي لا نعرف أين نضعها وهنا لدينا عجز تام.
وتلفت المحضار إلى مشكلة مصاحبة حيث تقول :نعاني أيضاً من التعامل السيئ من قبل الطلاب مع الخزانات ودورات المياه والحنفيات بشكل عدواني مما يضطرنا إلى التوعية المستمرة للمحافظة على النظافة والمياه وعدم الإسراف فيها .
واستطردت :لا نقوم بإقفال دورات المياه ( الحمامات ) ونتكبد شراء وايتات المياه من أجل الطلاب لأنه لا يوجد مكان آخر لقضاء الحاجة وليس لديهم القدرة على التحمل ..لأن ذلك قد يتسبب لهم بأمراض في المسالك البولية .
وتابعت بالقول: ونحن في الوضع الراهن نريد من يدعمنا بتوفير المياه لأنها ضرورية لطلابنا .
وتتمنى التكاتف والتعاون من قبل أولياء الأمور مع المدارس من خلال المتابعة لما فيه مصلحة الطالب وكذا الحرص على اصطحاب أبنائهم مياه للشرب من المنزل تفاديا لنقل العدوى بين الطلاب لا سمح الله .
مشكلات المدارس
نجوى مالك -مديرة المدرسة الحديثة بالجراف تحكي بمرارة من سوء أوضاع المدارس بسبب غياب المياه
تقول مالك :عدد طلاب مدرستها 2220 طالباً وانعدام المياه تسبب بإغلاق دورات المياه جراء الاستخدام السيء من قبل الطلاب وعدم المحافظة على نظافتها وهو ما جعل الكثير من الطلاب يلجأون إلى فناء المدرسة أو أي مكان آخر لقضاء حاجتهم ما يتسبب بكارثة بيئية في تلك الأماكن .
مشكلة أخرى تفاقم من الحال حسب مديرة المدرسة الحديثة التي تقول أن غياب المياه أو إغلاق دورات المياه يضطر بعض الطلاب الصغار إلى التبول على ملابسهم خاصة طلاب الصفوف الأولى..وهذا يؤثر على الطالب نفسيا وصحياً .
مشيرة إلى أنه رغم ارتفاع أسعار وايتات المياه إلا أنهم سعوا جاهدين بالتعاون مع مجلس الآباء إلى توفير وايت كل أسبوع لطلاب المدرسة خاص بالشرب ودورات المياه لتظل مفتوحة باستمرار.
المتابعة
مدراء المناطق التعليمية كان لهم دور في حل المشكلة وهذا ما يؤكده عبدالله الروني – مدير التربية في منطقة بني الحارث ” إن عدد المدارس الحكومية في المنطقة 72 مدرسة والأهلية 75 مدرسة وتضم140 الف طالب وطالبة ،وقد استطعنا بالتعاون مع الخيرين من قيادات بني الحارث توفير مياه للشرب ودورات المياه في المدارس حتى للمدارس النائية التي في المناطق البعيدة كبني جرموز, كما تم في بداية هذا العام توزيع 90 خزاناً لمياه الشرب وبالتالي تزويدها عبر أثنين من الوايتات كلما احتاجت المدارس إلى ذلك.
ولفت الروني إلى أن كثيراً من الشكاوى والإشكالات التي تصل إليهم تكمن في عدم وجود المياه والكهرباء في المدارس التي لا يوجد بها طاقات بديلة مما يصعب معه رفع المياه إلى الخزانات الموجودة على أسطح المدارس وبالتالي تجاوزنا هذه الإشكالية في كثير من المدارس .
وعن وجود مدارس لا يوجد فيها دورات مياه أشار إلى ان هناك مدارس لا تتعدى الخمس وقد تم إصلاحها من قبل بعض الإدارات المدرسية بجهود شخصية بالتعاون مع مجالس الآباء والأمهات .
وقال الروني : كان الطلاب يشعرون أن مدارس بلا حمامات ومياه مكان غير ملائم وبيئة غير صحية ويترك غيابها تأثيرا سلبيا عليهم .
حلول مؤقتة
انتقلنا بعدها إلى الصحة المدرسية وهناك أكد لنا علي مرغم – مدير الصحة المدرسية بالأمانة أن انعدام المياه في أمانة العاصمة مشكلة عامة ليس في المدارس فقط ..حيث أن عدم توفر المياه وضخها للخزانات هي ما نواجهه في المدارس الحكومية أما المدارس الخاصة فيوفرون المياه لأنفسهم .
وقال: حتى إذا توفر الماء لا يوجد كهرباء لرفعها للسطح إلا أنه تم توفير طاقة شمسية وغاز للمواطير كحل مؤقت خلال فترة العدوان ومن ثم كل مدرسة تحل مشكلتها بنفسها.
ومن بين الحلول طبقا لحديث مرغم فقد تم بمساعدة المجالس المحلية والشخصيات الاجتماعية وبعض منظمات المجتمع المدني في الاحياء المجاورة للمدارس توفير المياه وبعض خزانات المياه .
وعما إذا كانت هناك مدارس لا توجد فيها دورات مياه أشار إلى أن المدارس التي انضمت اثناء دمج التعليم ( المدارس التي كانت في المساجد)هي فقط التي تفتقر لوجود دورات مياه صحية كونها تتبع المسجد نفسه وتم تخصيص دورات مياه وفتحها لهم.
مسوحات ميدانية
موضحا أن منظمة اليونيسف قامت بعمل مسح ميداني شملت الجمهورية كاملا حيث مسحت 100 مدرسة في أمانة العاصمة واطلعت على الخزانات في الأسطح والخزانات الأرضية ونوعها ومساحتها للدعم بخزانات لجميع المدارس ولكن بسبب الحرب والعدوان توقف ذلك .
وعن نشاط الصحة المدرسية نوه بأنه تم التعميم والنزول من قبل المشرفين الصحيين ورؤساء الأقسام في المديريات للمدارس وعمل تقرير بتوفر الخزانات والمياه النظيفة ومصدر تمويل مياه الشرب وكذلك دورات المياه والتأكد من نظافتها والحنفيات التي بها وإلزام مدراء المدارس بتوفير المياه وفتح المرفق الصحي للطلاب حيث يمنع منعا باتا إغلاقها أمام أي طالب وعلى ضوء ذلك سيتم الرفع إلى أمين العاصمة لاتخاذ الإجراءات.
وتابع مدير الصحة المدرسية بالقول : أحياناً يصل عدد الطلاب في المدرسة الحكومية إلى خمسة آلاف طالب وطالبة وبالتالي إذا انقطعت المياه في الساعة الواحدة تتسبب بمائة مشكلة .
تعاون بناء
لكنه أشار إلى تعاون جيد من بعض الجهات الحكومية وضرب مثالا “بعض المديريات تدخلت وزارة الدفاع عبر التموين العسكري وغطت جميع مدارس مديرية بني الحارث بـ90% من المياه إلى جانب 2 وايتات ماء.
كما لفت إلى جهات داعمة أخرى كأنصار الله والقوات المسلحة الذين دعموا عدداً كبيراً من المدارس بالوايتات من المياه .
وختم حديثه بالقول : ستبقى المشكلة قائمة إذا لم تتعاون الجهات ممثلة بالمجلس المحلي بأمانة العاصمة والمؤسسة العامة للمياه ..كما يجب دعم المدارس خصوصا الذي يفوق عدد طلابها خمسة آلاف طالب وطالبه.
التأثير النفسي
الانعكاسات السلبية على الطلاب خاصة من الملتحقين الجدد بالمدرسة من الصفوف الأولى كبيرة حسب رأي المختصين وهنا تحدثت ابتسام الذبحاني– أخصائية نفسية في إدارة الصحة المدرسية في الأمانة عن ذلك بالقول : تأتينا تقارير من المدارس تتضمن مشاكل كبيرة منها عدم توفر المياه وهنا بدأت الحلول تتضح لكنها حلول فردية ومازالت في أولها ولكن لازالت المشكلة قائمة حيث وأن ثلث وقت الطالب يقضيه في المدرسة لذلك من الضروري توفر المرفق الصحي النظيف والمدعم بالمياه إضافة إلى الصابون .
وعن الأضرار المحتملة تقول :أن غياب المياه ودورات المياه في المدارس يسبب أثارا صحية ونفسية للطلاب خاصة طلاب الصفوف الأولى كونهم أقل قدرة على التحمل ، فصحيا قد يكون سبب الانتشار الأمراض بين الطلاب والعدوى لعدم غسل الأيدي وكما قد يؤثر ذلك على الطالب عندما يريد الذهاب لدورة المياه ولا يتوفر فيها الماء أو أن المرفق ذاته لا يكون مؤهلاً مما يدفع بالأطفال إلى حبس الغائط فتظل السموم في الجسم وتؤثر عليه .
منوهة بأن التأثير النفسي يكمن في ان الطفل يصبح مكانا لسخرية أصدقائهما يؤدي إلى حدوث حالة اكتئاب يجعله يتغيب فترة عن المدرسة ويرفض الذهاب إليها مرة أخرى .
التأثير الصحي
لأهمية نظافة وسلامة دورات المياه في المدارس جانبين مهمين يشرحهما الدكتور ياسر عفيف النجار- رئيس هيئة المستشفى الاستشاري اليمني ..يقول :الأول يكمن في استقلالية الطفل على الاعتياد على السلوكيات الصحية واكتشاف أهمية النظافة بصورة ذاتية والجانب الثاني حماية نفسه من العدوى الجرثومية والبكتيرية .
وحذر من أن المشكلة في انعدام دورات المياه أو عدم مطابقتها لأدنى المواصفات الآمنة صحيا مثل انعدام المياه أو تراكم المخلفات نتيجة لسوء الاهتمام وبذلك تكون بيئة خصبة لشتى الأمراض الوبائية والعدوى ويضاف إلى ذلك اختلال السلوكيات المتعلقة بالنظافة كون المدرسة تشكل في ذهنية الطفل الصرح المثالي لكافة تشعبات السلوك والتي تأتي في مقدمتها النظافة و الترتيب والاهتمام بالمظهر الذاتي وتنسحب هذه التراكمات السلوكية لدى الطفل إلى الشارع ومن ثم إلى المنزل.
وزاد توضيحا بالقول: حينما يجد الطفل أن قضاء الحاجة بفناء المدرسة سلوك اعتيادي سوف يكون الشارع اقل احتراما بالتأكيد وعندما يجد دورة المياه مليئة بالمخلفات سوف يكون المنزل أمر اعتيادي لديه إن لم يكن مشجعاً على العبث بنظافة البيت مثلا وبكل الأحوال يأتي الحفاظ على الصحة العامة والحماية الصحية في المرتبة الأولى كون القاذورات الناقل الأساسي والفاعل لشتى الأمراض البكتيرية والفيروسية أحياناً كفيروس الكبد الوبائي .
اضطرابات معوية
ويكشف الدكتور النجار بأن الطالب أو الطفل عندما يمسك عن التغوط فترة طويلة قد يتسبب له ذلك باضطرابات معوية وتلبك في الأمعاء وأيضاً عند احتقان البول يحدث التهابات في المثانة واضطرابات في الكلى وقد يؤدي ذلك إلى التبول اللا إرادي .