12 ألف منظمة مدنية يمنية أغلبها حزبية وشخصية لا دور لها في الظروف الراهنة
تحقيق/ سارة الصعفاني
وصل عدد منظمات المجتمع المدني في اليمن إلى أكثر من 12 ألف منظمة حتى نهاية 2014م.. أعداد مهولة ليس لغالبيتها حضور في الواقع ولم تقدم للمجتمع ما يرقى إلى الحد المعقول في الجوانب الخدمية والخيرية فيما انشغلت الكثير منها بالجلبة السياسية وجاءت الظروف الراهنة من عدوان وحصار وأوضاع معيشية وصحية مأساوية لتكشف أوراق التوت ..التحقيق التالي يسلط الضوء على دور منظمات المجتمع المدني ويناقش قضايا التمويل والرقابة وسبب الطفرة الحاصلة في واقع المنظمات والجمعيات وتلاشي حضورها الاجتماعي والإنساني في هذا الظرف الوطني الحساس..ودور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل كناظم رسمي لأداء هذه المنظمات..
مدير عام الجمعيات والاتحادات: نحن كوزارة شؤون اجتماعية وعمل مجرد وعاء.. من يريد دعم حكومي بالملايين فليذهب إلى السلطات العليا.
تتلقى منظمات المجتمع المدني الفاعلة من الحكومة سنوياً قرابة 400 مليون ريال في حين تشير التقارير الدولية إلى أن 80% من اليمنيين بحاجة للإغاثة الإنسانية وأكثر من مليوني ونصف نازح يعيشون أوضاعاً بائسة وسط سؤال كبير .. أين منظمات المجتمع المدني ولماذا هي غائبة عن القيام بواجبها في مساعدة النازحين والفقراء والمرضى ؟ وأين الدور الرقابي تجاه هذه المنظمات ؟
يستهل د. هارون المذحجي- نائب رئيس الشبكة المدنية للإغاثة الإنسانية- الأجوبة بالقول : لم تقدم الشبكة المدنية للإغاثة عملاً حقيقياً في عمل الإغاثة الإنساني كونها شبكة منظمات مجتمع مدني حديثة التكوين، لم يتجاوز عمرها ستة أشهر أنهت نظامها الأساسي ولم تكمل بعد ترخيصها لكن الشبكة تتكون من 36 منظمة في عدة مجالات من ضمنها منظمات ساهمت في تقديم أعمال إغاثة إنسانية في مجال مخيمات الإيواء والأمن الغذائي بالشراكة مع اليونيسيف والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، وضمن الشبكة منظمة المرصد اليمني لحقوق الإنسان التي تعد من أقدم المنظمات في المجتمع المدني.. وعن الفكرة يقول: جاءت فكرة عمل شبكة منظمات كون المنظمات المستقلة في اليمن كفاءتها محدودة وينقصها الخبرة إلى درجة عدم قدرتها على تقديم الخدمة التي أنشئت من أجلها.
تمويل متواضع
وحول الدعم الحكومي المقدم لمنظمات المجتمع المدني يرى أن ما تقدمه الحكومة لهذه المنظمات من دعم لا يكفي لتغطية إيجار مقراتها رغم أنها منظمات غير ربحية دخلها مرتبط بقدرتها على تنفيذ مشاريع والحصول على نفقات بهدف الاستمرارية وتقديم الخدمة..
وفي توصيف دقيق للحال يقول: مقدرة المنظمات المحلية على استيفاء شروط المانحين وأخذ المشروعات للبدء بالتنفيذ كشريك ضعيفة للغاية كون البنية المؤسسية معدومة نتيجة العمل خارج أطر الاستراتيجية والرؤية وتنفيذ الأهداف المحددة، وبسبب تواضع التأهيل فإن الكثير من قادة المنظمات لم يتمكنوا بعد من معرفة دورهم وكيف يمكن أن يصلوا إلى شراكة مع المانحين الدوليين لتقديم خدمة حقيقية، وعلى سبيل المثال فإن مبلغ 786 مليون دولار كان مخصصاً للمنظمات لكن لم يصرف منه سوى مليون دولار.
في كل الأحوال يبقى الحديث عن دور هذه المنظمات مهما وإن في إطار الممكن والمتاح من الإمكانيات وهنا يقول المذحجي : يفترض أن يكون لمنظمات المجتمع المدني دور فاعل بالشراكة مع المنظمات الدولية المعنية تحديداً في الأزمة الإنسانية الراهنة ودور في معالجة المشاكل الجذرية وليس مجرد إقامة فعاليات ودورات تدريبية فالقضية مرتبطة بأداء الحكومة لأنها المعنية بإدارة سياسة الدولة وتحسين الوضع الاقتصادي بالشراكة مع منظمات المجتمع المدني والشركاء الدوليين لتقديم خدمة إنسانية في إطار من الشفافية والنزاهة والقيم المتعارف عليها ..
وتابع: المسألة ليست تكسباً ووزارة الشؤون الاجتماعية تمنح تراخيص دون التحقق من شروط معينة كالتقارير السنوية لدور وأداء هذه المنظمات، وهي ليست جهة رقابية لأن هذه المنظمات تتمتع باستقلالية كمجتمع مدني لكن القضية أنه عندما يصل عدد المنظمات إلى 12 ألف ولا نجد ما يمكن أن نذكره في تقديم خدمة للمجتمع فهي كارثة فيما ننتظر أن يأتي الأجنبي من السويد ومن كندا ومن العالم كله ليقدم لنا أعمال إغاثة.
مستطرداً: لا أتحدث عن تقديم الإغاثة بمفردها لأن مقدرة المنظمات معدومة فلا تستطيع دفع إيجار مقراتها في الأغلب لكن يفترض أن تستوفي الشروط المتعارف عليها، بالتالي هناك جوانب إدارية قيادية مالية رقابية مفقودة .
غائبون عن الإغاثة
ورداً على سؤال سريع لعدة منظمات تراوحت الإجابة بين القول ” كان لنا مساهمة “أو” من أين نأتي بالدعم ” كما وجدنا لافتات منظمات مغلقة منذ عام. فيما يختزل مدير الوحدة التنفيذية لإغاثة النازحين د. محمد الحماكي الحالة بأن المساعدات الإنسانية تأتي من مبادرات مجتمعية من تجار وفاعلي خير ومنظمات دولية محدودة فيما لم تقدم المنظمات المحلية شيئاً يُذكر.
إشكالية الرقابة
عبدالقادر الحليلي- مدير الرقابة المالية والقانونية في وزارة الشؤون الاجتماعية – يقول : لا يمكن إلغاء أي منظمة نهائياً إلا بحكم قضائي في حين أن المصروفات القضائية المخصصة من وزارة المالية لا تتجاوز 200 ألف ريال لا تكفي لمقاضاة أربع منظمات لأنه لابد أن تقاضى كل منظمة في دائرتها القانونية .
وبحسب نتائج المسح الميداني بالتعاون مع الصندوق الاجتماعي للتنمية والحديث للحليلي؛ فقد تم إلغاء 1480 منظمة، وكان هناك مشروع لإحالتها للقضاء وطالبنا وزارة العدل بتحديد محكمة متخصصة لكن لم يتم ذلك فلجأنا لشطب هذه المنظمات من سجلات الوزارة فقط.
واستنادا إلى رؤيته القانونية كمدير للرقابة المالية والقانونية ” فالمشرع اليمني عندما وضع القانون رقم 1 لسنة 2001م بشأن الجمعيات والمؤسسات الأهلية كان في تصوره أن يكون هناك مجتمع منظمات مثالي فقام بحمايتها لدرجة أنه منع الحكومة من أن تقوم بأي إلغاء إلا عبر القضاء وبحكم قضائي بات بمعنى لابد أن تستنفد كل درجات التقاضي وبالتالي بإمكاننا فقط إغلاقها مؤقتاً كإجراء احترازي.
وعن شكل الرقابة المخولة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أوضح بالقول: كرقابة على دور المنظمات من حق وزارة الشؤون الاجتماعية الإشراف على كل المنظمات الأهلية وهناك رقابة ميدانية وأخرى مكتبية تأتي هذه المنظمات كل نهاية عام لتجديد وثائقها وتقريرها المالي وحساباتها الختامية وتقارير النشاط العام، وتتمثل المخالفات القانونية للمنظمات بانتهاء شرعيتها، عدم التزامها بالقانون، مزاولة عمل بدون تراخيص أو دون تجديدها، عدم وجود مقراترئيسية، عدم موافاة الوزارة ومكاتبها بالتقارير المالية والإدارية.
من جهته يعترف حميد معوضة- مدير عام الجمعيات والاتحادات بالوزارة بأن الوزارة لم تف بالتزاماتها الرقابية نتيجة عدم اعتماد المالية أي مخصصات للمتابعة والرقابة الميدانية على منظمات المجتمع المدني التي بلغ عددها 12 ألف منظمة حتى نهاية 2014م ومع ذلك لنا رقابة على المنظمات المركزية فيما كل محافظة تعنى بشؤون منظماتها.
وأشار إلى أن القانون أعطى الصلاحية الكاملة لأي مجموعة أن تنشئ منظمة، فهناك قانونان تعمل منظمات المجتمع المدني في إطارهما.. قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية رقم 1 لسنة 2001م واللائحة التنفيذية رقم 129 لسنة 2004 أعطت صلاحية وسهلت الأمور لإنشاء منظمات .
وأكد أن من حق أي يمني أن ينشئ منظمة أو جمعية، وهناك نظامان.. إما عضوية مفتوحة بشرط توفر 41 شخصاً وانتخابات وإعلان أو عضوية مغلقة كمؤسسة أو منظمة تعني وتهم المؤسس وهو الذي يقوم بتشكيل مجلس الأمناء والهيئة التنفيذية.. الجانب الآخر التعاوني وتتضمن الجمعيات التعاونية سواء كانت استهلاكية زراعية سمكية سكنية حرفية أو أياً كان نوعها.
دعم حكومي
ومضى معوضة يقول: نحن كوزارة شؤون اجتماعية وعمل مجرد وعاء، نتدخل في ما يتعلق بمبلغ (120 – 200) ألف ريال للمنظمات الصغيرة لكن من يريد دعماً حكومياً بالملايين فليذهب إلى السلطات العليا، فمثلاً للمنظمات الكبيرة كالنقابات والاتحادات (نقابة عمال اليمن، اتحاد الأدباء والكتاب، اتحاد شباب اليمن، اتحاد نساء اليمن) 32 – 37 مليون ريال ، وكمنظمات خيرية تتلقى دعماً محدوداً وتعد جمعية الإصلاح الأعلى لأنها تأخذ (12 – 15) مليوناً، ومؤسسة الصالح 9 ملايين لكن للأسف خلال عامي (2014 و2015م) لم تستلم كافة المنظمات المسجلة في كشوفات صرف المخصصات أي مبلغ.
تمويل بلا رقيب
ويشكو مدير عام الجمعيات من المنظمات لأنها حسب قوله: لا تقوم بإبلاغ الوزارة بمصدر التمويل في تجاوز من المنظمات للقانون الذي ذكر مجرد ” علم ” وزارة الشؤون الاجتماعية في حين وزارة التخطيط والتعاون الدولي هي المختصة بالمنظمات الدولية المانحة ويفترض أن يكون بيننا تنسيق مشترك لكنهم لا يذكرون وزارة الشؤون الاجتماعية إلا عند حدوث مشكلة كأخذ منظمة مبالغ دون تنفيذ أي مشاريع.
مبيناً أنهم كوزارة لا يحق لهم أن يجمدوا أو يحيلوا أو يصفوا أي منظمة ما لم يكن هناك حكم قضائي..
وزاد بالقول :للأسف نعاني من هذه المشكلة نظراً لعدم وجود مبالغ مالية لمقاضاتها، وعلينا شطبها من السجلات فيما دور القضاء إلغاؤها وفقاً لنصوص ومواد وأحكام القانون.
منظمات للتكسب
د. عادل الشجاع- كاتب ومحلل سياسي ورئيس التحالف المدني للسلام وحماية الحقوق والحريات يرى أن تأسيس عمل المجتمع المدني ليس بهدف إشاعة الثقافة المدنية بقدر ما هو نوع من الاسترزاق، أغلب المنظمات هي أشبه بالجمعية أو المؤسسة الخاصة لذلك لن نجد فيها انتخابات أو خدمة مجتمعية ؛ فالهدف منها الحصول على سفريات للخارج ورصيد في البنك؛ ولذلك كل المنظمات إلا ما رحم ربي اقتربت من حزب الإصلاح وفي منظمات كثيرة مع حزب المؤتمر مع فارق أن المؤتمر يصرف على منظمات يدفع لها شهرياً مقابل إيجارات رغم عدم وجود مقرات ولا تعمل هذه المنظمات شيئاً فيتحول المبلغ إلى مصروف شهري. أما المنظمات التي اقتربت من حزب الإصلاح الذي يمتلك تسهيلات وكان على اتصال بالمنظمات الدولية قامت بمشاريع وهمية داخل البلد فلا وجود لمشاريع حقيقية تنموية بدليل أن الثقافة المدنية تنتكس في كل سنة لدى المجتمع المدني والمجتمع بشكل عام بدلاً من حدوث تراكم .
وبتوضيح أكثر للمشكلة يقول : يعتقد الشخص حينما يؤسس جمعية أو منظمة أن هذا ليس عملاً تنموياً بل ” بزنس ” خاص به ومكانة اجتماعية كونه رئيساً لهذه المنظمة أو لتلك الجمعية ، أيضاً قانون الشؤون الاجتماعية قاصر والعمل الحزبي يساعد على ذلك؛ فكل طرف يقترب من وزارة الشؤون الاجتماعية يسهل للأفراد الذين يتبعونه المزيد من عمل هذه المنظمات..
وتابع: في فترة استقرار الدولة كان الحصول على تصريح أو ترخيص من الصعوبة بمكان وكانت تحقق الشروط إلى حد ما وكانت أغلب المنظمات المرتبطة بالخارج تتبع اليسار، ومع بداية 2011م وفي فترة حكم حكومة الوفاق الوطني أصبح هناك سيولة اسميها ” إسهال ” في الحصول على تراخيص للمنظمات القريبة من أحزاب اللقاء المشترك، واليوم القوى الجديدة يسهلون لأفرادهم، وهكذا كل طرف لا يحترم المجتمع المدني وليس لديه ثقافة مدنية يحدث نوع من التكتل لهذه المنظمات والجمعيات لصالح الأحزاب والجماعات .
ختاماً..
على أية حال .. واقع منظمات المجتمع المدني يجسد الفشل الذريع وغياب الضمير ويؤكد أنها وجدت بهدف التكسب المادي لا غير في ظل رقابة غائبة وتمويل خفي، فيما تكتفي الحكومات المتعاقبة بمنح التراخيص وتقديم دعم حكومي لمن تريد دون مساءلة ومعاقبة المنظمات المخالفة للقانون بإلغائها فقط من كشوفات وزارة الشؤون الاجتماعية، ويبقى السؤال: ما جدوى وجود ما يزيد عن 12 ألف منظمة مجتمع مدني في أغلبها شخصية أو حزبية لا تقدم شيئاً للمجتمع في حين ينحصر دور غالبية المنظمات المحدودة ” الفاعلة ” في تقديم دورات تدريبية نظرية وإقامة فعاليات ؟ فأي دور رقابي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إن كانت مهمتها مجرد منح تراخيص لهذه المنظمات العبثية؟
Prev Post
قد يعجبك ايضا