جناية حصار الأعداء على كساء الشتاء !!
تجار : نعاني ركودا والقدرة الشرائية هذا الموسم انخفضت 40%
مواطنون: أسعار الملابس الشتوية تفوق قدراتنا بأضعاف
باعة: المعروض متنوع والملابس الصينية 90% من الاستهلاك المحلي
جاء شتاء هذا العام يمنيا أشد بردوة وفي ظروف معيشية أشد قسوة جراء تواصل العدوان وحصاره على اليمن، وإعدامهما مقومات العيش بما فيها متطلبات التدفئة، ليس فقط سخانات المياه والدفايات المعطلة لانقطاع الكهرباء العمومية، بل أدنى من ذلك بكثير، وتحديدا كساء الشتاء، لحافا ولباسا، فرغم توافره محليا بخامات متنوعة وماركات متعددة، إلا أن أسعاره هذا العام تتجاوز مقدرات السواد الأعظم المستقرة “تحت الصفر”!!.
“الثورة” حققت في الأمر ووقفت على حيثيات المشكلة وآثارها وأسبابها والبدائل الممكنة والمعالجات المتاحة .. وخرجت بهذه المحصلة:
تحقيق / أمل الجندي
بطعم الأحزان ورائحة الدخان يحل فصل الشتاء هذا العام على اليمن تحت قصف تحالف العدوان وجور حصاره المتواصلين منذ تسعة أشهر، وبجانب موجة البرد القارسة لشتاء هذا العام، يبرز شتاء من أنواع قاسية شتى ليس أقلها شتاء الضمير وشتاء القلوب وشتاء المشاعر المتجمدة إقليميا ودوليا، ولدى البعض محليا أيضا.
برد النازحين
مليونا يمني ويمنية ويزيد بحسب الوحدة التنفيذية للنازحين، شردهم العدوان على اليمن وحروب مرتزقته من مدنهم وقراهم بعدما قصف منازلهم بالتزامن مع تواصل حصاره الظالم جوا وبرا وبحرا، يفترش جلهم العراء ويلتحفون الشتاء حتى وإن آوتهم خيام أو فصول مدارس، إلا إنهم يفتقدون اللحاف والكساء.
هذا هو حال سامي الأغبري، أب لثلاثة أبناء، نزح معهم من محافظة تعز. يقول : “أيام قاسية ومؤلمة نعيشها هذا الشتاء تحت حصار العدوان وحروبه في كل مناطق البلاد التي أصبحت شبه مدمرة. لم نعد نبحث عن ماركات الملابس عالية الجودة فالأسعار صارت باهظة الثمن وأصبحنا نبحث فقط عما يدفئ أجسادنا في هذا البرد”.
موسم للجشع
وحسب سناء الحكيمي، أم لخمسة أطفال، فقد لجأت إلى شراء ملابس شتوية صينية من الأسواق الشعبية “فهي أقل كلفة وتفي بالغرض نوعا” كما تقول. وتردف: “غالبية التجار يتخذون من فصل الشتاء موسما للجشع وزيادة أسعار الملابس الشتوية رغم. رداءتها ومع أننا كنا نجدها بأسعار أقل في الصيف”.
كذلك زياد الفلاحي، يقف حائرا حيال تأمين كساء الشتاء لأسرته. يقول: “ما أن يقبل الشتاء حتى يبدأ التجار بالتنافس في بيع الملابس بأسعار باهظة تجعل الكثيرين عاجزين عن شرائها مهما كانت حاجتهم ماسة لها، خاصة في مثل هذه الظروف المعيشية الصعبة”.
حالة ركود
هنا تقر نجلاء المقطري، بائعة في أحد المولات التجارية في العاصمة صنعاء، بأن “الأسعار أصبحت مرتفعة للغاية حتى صارت القدرة الشرائية ضعيفة جدا والسوق تشهد ركودا كبيرا بسبب الحال التي يمر بها اليمن ويعيشها المواطن جراء العدوان وحروبه التي أهلكت الحرث والنسل”.
نجلاء تؤكد أن “المنافسة لم تعد تقتصر على الأسواق الشعبية التي تبيع الملابس الرخيصة أسعارها، بل انتشرت مؤخرا مولات تجارية كبيرة للملابس الجاهزة، تتنافس في بيع الملابس الصينية الصنع التي صارت تمثل 90% من استهلاك المواطن اليمني، لرخص ثمنها”.
يوافقها سلطان النونو، بائع ملابس بإحدى البسطات، الذي أرجع الركود إلى “ضعف القدرة الشرائية لدى المواطنين بسبب الأحداث التي تمر بها البلاد”. يقول: “أصبح توفير الأساسيات من الغذاء والقوت اليومي هو الهم الأكبر وهدف الكثيرين حتى وإن كان الجو باردا فأكثر الناس غير قادرين على شراء الملابس “.
تحت الصفر
ليست درجة الحرارة وحدها من انخفضت إلى ما دون الصفر، القدرة الشرائية للسواد الأعظم هي الأخرى باتت تحت الصفر. يؤكد هذا غالبية التجار والباعة، ومنهم صفوان الفايق، تاجر ملابس جاهزة. يقول: “لدينا ركود كبير، مداخيل الناس انخفضت والقدرة الشرائية أضعف هذا الموسم 40% تقريبا عن كل عام بسبب غلاء الملابس الشتوية”.
وفقا لصفوان فإن الظروف الاقتصادية العامة للبلاد وتدني مستوى دخل الفرد “جعلت غالبية الناس يبحثون عن الكم في الملابس، أي عن الثمن الأقل وليس عن الكيف والجودة. ولهذا فالمعروض في السوق المحلية متنوع وغالبيته يجاري المتوسط العام لمقدرة الناس”.
مجاراة الأحوال
مع ذلك لا يعدم التجار حيلة لمواكبة وضع السوق. يقول سليم الحاج، بائع في أحد المحال التجارية : “هناك إقبال لا بأس به هذا الموسم خاصة مع توفر ملابس شتوية يبدأ ثمنها من 500 ريال. لقد عملنا على محاولة توفير هذه الأسعار لذوي الدخل المحدود وليتمكن الجميع من الحصول على حاجته حسب قدرته”.
يتفق مع سليم، تاجر الملابس الجاهزة عارف الدلواني. يرى أن الأسعار التي تعرض بها الملابس الشتوية هذا الموسم “تراعي الى حد بعيد الأحوال العامة لكن الناس ليست مقدرة حجم معاناتنا وخسائرنا. وهذا بسبب الأزمة التي يواجهونها ونواجهها جميعا”.
شكوى التجار
يبدي التجار والباعة تفهما أو بالأحرى ادراكا لتذمر الشارع المحلي من ارتفاع اسعار الملابس واتهامهم بالاستغلال، حيث يقول صفوان الفائق: “الناس تتهمنا بالجشع والطمع لكنهم لا يدركون ما نعانيه أثناء استيرادنا للبضائع ولا ما ندفعه من مبالغ باهظة مقابل دخول السلع إلى اليمن وتوفيرها للمواطن”.
كذلك التاجر نبيل الشطفة. يقر بارتفاع اسعار الملابس لكنه يرجع ذلك إلى ارتفاع كلفتها. يقول: “إن ارتفاع الأسعار ناتج عن هذا الحصار المفروض على البلاد ومنع الاستيراد الذي حتى وإن سمح به يتطلب مبالغ ورسوما مضاعفة، وزيادة أجور النقل بسبب انعدام المشتقات النفطية”.
ديمرج الحصار
للتحقق من صحة مبررات التجار والباعة إزاء أسعار الملابس الشتوية هذا الموسم توجهنا إلى إحدى جهات الاختصاص. وفي مقر الغرفة التجارية والصناعية بأمانة العاصمة، سرد لنا مديرها العام خالد علي أسبابا عدة لارتفاع أسعار الملابس الشتوية في ظل الأوضاع العامة الراهنة التي يعيشها الوطن.
من هذه الاسباب يذكر خالد علي : “زيادة رسوم نقل حاوية البضائع الواحدة من الحديدة الى العاصمة صنعاء وارتفاعها من 280 ألف ريال إلى مليون وأربعمائة ألف ريال، وهذا فارق كبير. إضافة لمبالغ التأمين ضد المخاطر ارتفعت هي الأخرى لتصل إلى 6000 دولار”.
وأضاف قائلاً: كما أن أجور النقل ورسوم التأمين تضافان وفقا لمدير الغرفة التجارية بالأمانة خالد علي إلى مشكلة الأساسية المتمثلة في انعدام انسيابية السلع بسبب الحصار، ما يسمى ‘الد يمرج’، وهو توقيف الحاويات في بعض الموانئ ومكوث البضاعة عرض البحر لعدة أسابيع”.
تعذر الضبط
ما سلف لا يمنع من طرح السؤال الأبرز للسواد الأعظم من المواطنين عن دور جهات الرقابة والضبط حيال ارتفاع أسعار السلع عموما والملابس الشتوية خصوصا. وفي هذا يشير خالد علي إلى اجتماع اللجنة الاقتصادية المؤلفة من اللجنة الثورية ووزارة الصناعة والتجارة والغرفة التجارية وجهاز الأمن القومي.
ما هي نتائج الاجتماع إذاً؟.. يقول خالد: لم تستطع اللجنة ضبط الأسعار بفعل هذه الظروف، حينها رأت أن توفير السلعة أفضل من عدمه بالطريقة التي يراها التاجر مناسبة لكي لا يكون هناك إغلاق للحياة بشكل مخيف لأننا في حرب ولابد للجميع أن يعي ذلك”.
انعدام البدائل
لكن أين هي صناعة النسيج المحلية، سواء التقليدية أو الحديثة، من كل هذا؟. لماذا لا يقدم انتاجها البديل عن المنتجات الخارجية في مثل هذه الظروف وقيود الاستيراد المفروضة من حصار تحالف العدوان على اليمن برا وبحرا وجوا منذ تسعة أشهر ؟!!.
بنظر خبراء اقتصاديين فإن انعدام صناعة محلية منافسة شجع تنامي الاعتماد على المنتجات المستوردة واتاح باب الاستغلال للأمر تجاريا وانتهاز موجة الشتاء القارس لرفع أسعار الملابس الشتوية تحت مبرر أنها مستوردة، بجانب الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن العدوان والحصار.
تدمير الصناعة
وفي حين يلفت متخصصون إلى تداعيات العدوان السلبية والمدمرة على القطاع الصناعي المحلي، و”تجاوز عدد المنشآت الصناعية التي ألحق العدوان بها أضرارا كلية وجزئية 230 منشأة في مجالات متنوعة، بجانب تأثير الحصار على توفر الطاقة والمشتقات النفطية ومدخلات الانتاج”.
ويرجع مدير عام الغرفة التجارية بالأمانة غياب صناعة النسيج المحلية إلى افتقاد البيئة الاستثمارية المناسبة، حيث يقول: “لا توجد بيئة تسهل الإنتاج المحلي منذ عام 2011م وذلك لأنه أغلقت مصانع عدة ولم نستطع السيطرة على الجانب الصناعي حتى الآن، وكل المستثمرين المتواجدين حاليا مغامرون ويهدفون إلى جلب السلع بأي طريقة كانت.
دفء المشاعر
أخيرا، تبرز الحاجة لتشجيع ودعم مبادرات مدنية وشبابية لا يزال انتشارها محدودا على نطاقات ضيقة، في تنفيذ حملات جمع وتجديد الملابس القديمة وإعادة توزيعها على النازحين ومعدمي الدخل، فبرد الشتاء وشتاء الضمير والقلوب الطاغي على المجتمعين الإقليمي والدولي حيال العدوان على اليمن وحصاره، يمكن التغلب عليه بدفء المشاعر محليا.