> المياه.. مشكلة تتفاقم واستمرار العدوان يعيق الحلول
تحقيق – رجاء عاطف
قد تكون مشكلة تذبذب إمداد مياه الشبكة العمومية قديمة منذ 2011م، لكن العدوان السعودي وحصاره المتواصلين ضاعفا هذه المشكلة واتخذا المياه سلاحا آخر لكسر إرادة اليمنيين وصمودهم ضد فرض وصايته على اليمن وقراره.. فما هي ملابسات تفاقم مشكلة مياه الشبكة العمومية وحيثياتها الفعلية، وما هي الآثار المباشرة وغير المباشرة للعدوان وحصاره في تفاقمها، وما هي المعالجات المتخذة لمواجهتها، والمتطلبات العاجلة لضمان ديمومة خدمة المياه والصرف الصحي؟.. ذلك وغيره ما نسعى إلى معرفته من خلال التحقيق في حال مياه أمانة العاصمة صنعاء أنموذجا:
لا تكاد حارة تخلو من طوابير نساء وأطفال تظل “أهون الأمرين” كما يقول مواطنون، وبرغم عناء الاصطفاف أمام خزانات سبل المياه المستحدثة بالتزامن مع بدء العدوان على البلاد ومشقة نقل المياه منها وأخطار التعرض لقصف العدوان أو “راجع”؛ إلا أنه خيار وحيد لمعدمي الدخل وأكثر محدودية.
لا يستطيع غالبية المواطنين شراء المياه من الآبار بالوايتات فأسعارها ارتفعت طردياً مع انعدام المشتقات النفطية جراء حصار العدوان، إلى 2500 ريال كحد أدنى و4000 ريال حد متوسط و6000 ريال في المناطق البعيدة عن الآبار ووسط المدينة، ما يضطر كثيرون لتشارك قيمتها مرتين في الشهر.
شكوى عامة
الشارع المحلي صار يضج بشكوى انقطاع مياه الشبكة العمومية كلياً عن مناطق وجزئياً عن مناطق أخرى، وتباين أمد الانقطاع من منطقة لأخرى ما بين 15 إلى 30 يوماً وقد تصل إلى 60 يوماً. بحسب عبد الوهاب زايد، أحد سكان مديرية بني الحارث. يقول: “لا نجد عدلا في توزيع المياه العمومية”.
“زايد” مثل كثيرين، يتفهم ظروف العدوان الغاشم وحصاره المتواصلين على اليمن، لكنه لا يتفهم وصول المياه العمومية لمناطق دون أخرى. يقول: “البعض يتنعمون بتوفر المياه العمومية وآخرون يتمنون الحصول على قطرة منها. لا نعرف من المسؤول عن توزيع المياه للمناطق”.
كذلك عبدالله الكميم، يقطن حارة “ابن خلدون”. ويشكو طول أمد انقطاع المياه العمومية عن منطقتهم حد لا يذكر منذ متى تحديداً. يقول: “نسينا شيئاً اسمه مياه عمومية. لا أتذكر منذ متى انقطعت عنا.. ونلجأ كغيرنا لشراء مياه بالوايتات أو نقلها من خزانات السبيل التي يعبئها الخيرون”.
استثناءات قائمة
بالمقابل ثمة استثناءات تظل بنظر كثيرين “محدودة وتؤكد عمومية المشكلة”، فهناك حارات وأحياء في مناطق عدة لا زالت المياه العمومية تزورها بين الحين والآخر، بحسب كمال صادق، القاطن في منطقة الروضة. يقول:”ما زالت خدمة الماء العمومي تأتينا مرتين في الشهر والحمد لله”.
أيضاً علي الوشل، من سكان مدينة صنعاء التاريخية، يؤكد انتظام وصول مياه الشبكة العمومية. قائلاً: “المياه تصلنا مرتين في الشهر. وهذا يغنينا عن شراء المياه بالوايت إلا في الظروف الشديدة فأسعارها تصل أحياناً إلى أرقام خيالية لا نستطيع مجاراتها خصوصاً في هذه الظروف الصعبة”.
مع ذلك لايخلو الأمر من معاناة، فدفق مياه الشبكة يتعرض لمعوقات من نوع آخر وفق سليم محمد في صنعاء القديمة. يقول: “يأتينا الماء لكننا لا نحصل عليه.. جشع بعض مالكي مولدات الكهرباء يشفط الماء مباشرة من المواسير لخزاناتهم حتى تمتلئ ويتوقف الماء وكثيرون لم يكتفوا منه أو لم يصلهم نهائياً”.
وبينما يطالب سليم محمد بأن “تتم مراقبة من يستحوذون على مياه الشبكة العمومية بطرق غير شرعية، والنظر في تلاعب الموزعين بانتقائية بين الحارات”؛ تبرز تساؤلات أكثر من التقينا معهم عن أسباب انقطاع مياه الشبكة، وأسباب وصولها مناطق دون أخرى، وتباين فترات الانقطاع؟!.
توحيد التوزيع
سألنا أحد موزعي المياه محمد الحياسي، فأكد أن “التوزيع يتم وفق برنامج من الإدارة بإشراف مراقبين”، وأرجع انقطاع الماء عن بعض المشتركين إلى “عدم علمهم أن الماء يأتيهم مرتين أو مرة في الشهر أو لإغلاق الماء أو فتحه بعد ساعتين من وصوله في حين يجب أن يكون مفتوحاً دائماً ليعرف متى تتوفر الخدمة”.
بتفصيل يقول نائب مدير الشؤون الفنية لمؤسسة المياه بالأمانة المهندس إبراهيم الحيمي: “نغطي 65 % من المناطق بالمياه و 55 % مجاري، وفق برنامج توزيع تم توحيده بآلية تطبق بشفافية وعدالة لتصل المياه للمشتركين المسددين بالتساوي مرتين في الشهر بعدما كان الماء يوزع قبل الأزمة كل أسبوع للبعض وبعضهم بالشهر”.
يتابع: “التوزيع يتم عبر محطتين: مركزية في الإدارة العامة وتمثل 40 % من المشتركين، ومحطة مباشرة في المناطق، وترفع المناطق برنامج التوزيع والضخ لكل بئر بتاريخ اليوم والأحياء ثم تراجعه الإدارة ويعمده مدير ونائب الشؤون الفنية ليكون سارياً وتتبع كل منطقة الآلية”.
وسائل تعميم
وكيف يعمم البرنامج ؟.. يفيد الحيمي أن البرنامج يعمم على الموزعين “إلى جانب عمل مجموعات خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، بجانب موقع المؤسسة وعبر إذاعة صنعاء للبرنامج بشكل يومي ما يمكن المواطن من الإدلاء برأيه حيال أي مشكلات وبدورنا نتقبل النقد البنّاء ونعمل على حل تلك المشكلات”.
لكن مناطق تشكو انقطاع المياه كلياً؟.. هنا يجيب الحيمي:”في حال وجود قصور ببعض المناطق لا تصل إليها المياه، فذلك يعود إما إلى أن المنطقة نفسها لم تسدد الفواتير ويتم تأجيل الماء عنها كنوع من التحفيز للتوجه للتسديد، وإما قد يكون السبب مشكلة في مضخة أو مولد أو بئر المنطقة”.
ومع أن المهندس إبراهيم الحيمي يؤكد أن “ما عدا ذلك غير صحيح”. إلا أنه يرد على شكوى المواطنين من “انتقائية في توزيع المياه”، قائلاً: لا توجد انتقائية، ومكاتبنا مفتوحة لأي شكاوى إن حصل تلاعب في التوزيع من أي موزع في أي منطقة وسنتخذ ضده الإجراءات القانونية”.
تقليص الضخ
لكن لماذا أصبح ضخ المياه مرة أو مرتين؟!. يجيب محمد الحياسي:”حسب توفر الديزل. المؤسسة تعاني انقطاع الكهرباء وهذا السبب الرئيسي فقد كنا نفتح بالشهر أكثر من أربع مرات لأنها كانت متواصلة والمواطنون كانوا ملتزمين بالتسديد، لكن الآن نضخ بمولدات تعمل بالديزل سبع ساعات من دون رواتب أو أجور”.
يضيف الحياسي: “مازال المواطن ينكر وجود خدمة الماء حتى إن كانت مرة أو مرتين في الشهر، بالرغم من تعاون المؤسسة وتوفيرها الديزل حسب الإمكانات وعملها على تشغيل جميع مضخات العاصمة ليتم التوزيع لجميع الأحياء والمشتركين المسددين بوقت واحد وفق برنامج توزيع بالتساوي”.
تفاقم المشكلة
فعلياً مشكلة إمداد مياه الشبكة العمومية ليست جديدة لارتباط ضخها بالكهرباء وتعرض محطة توليدها الغازية في مأرب لاعتداءات متكررة طوال خمس سنوات، وكانت المؤسسة تضخ المياه باستخدام المولدات والمضخات، لكن المشكلة تفاقمت في الأشهر الأخيرة.. لماذا ؟!!.. ما علاقة العدوان.. ماذا استجد؟!
يؤكد القائمون على مؤسسة المياه في أمانة العاصمة ومنهم مدير عام الشؤون الفنية المهندس عادل معوضة، أن العدوان وحصاره المتواصلين على اليمن منذ تسعة أشهر “أثراً سلباً وألحقا أضرارا بالغة بالمؤسسة تهددها بالتوقف وانعدام مقدرتها على تلبية طلبات الخدمة بالشكل الذي ينبغي”.
جرائم العدوان
المهندس عادل معوضة أعلن مطلع ديسمبر الجاري أن “العدوان استهدف خزان المياه في منطقة النهدين بمديرية السبعين، وخزان ضخ آخر بنفس المنطقة انشئ حديثا بسعة 5 آلاف لتر مكعب ويستفيد منه ثلاثون ألف نسمة، ودمر وحدة ضخ تغذي منطقة حدة وحارة النصر في الصافية والحي السياسي”.
وبحسب المهندس معوضة، فإن تقرير فرق فنية متخصصة لحصر أضرار وخسائر قطاع المياه والصرف الصحي جراء العدوان “أظهر أولياً أن خسائر المؤسسة بفعل العدوان بلغت 12 مليون دولار، ما يعادل مليارين و430 مليون ريال”. منوهاً بأضرار أخرى مستمرة للحصار المفروض من العدوان على اليمن.
أعباء ومشاكل
في هذا، يؤكد نائب مدير الشؤون الفنية لمؤسسة المياه بالأمانة المهندس إبراهيم الحيمي: إن المؤسسة تواجه أعباء الانقطاع الكلي للكهرباء وانعدام المشتقات النفطية وتوفير مضخات ومولدات وصيانتها وشراء الديزل “ما يضيف تكاليف باهظة تثقل كاهل المؤسسة خاصة في الوقت الراهن”.
يقول: “مع انقطاع الكهرباء يتأخر ترحيل برنامج توزيع المياه وخروج بعض الآبار عن الخدمة بعد عودة التيار وبالتالي الإنتاج يقل، كذلك انخفاض وارتفاع الجهد يسبب اختلالا في توازن الطاقة ويصيب كثيراً من الطبلونات والمضخات بالأعطال والتلف، وبالتالي تكاليف صيانة إضافية وضعف إنتاج المياه”.
ليس هذا فحسب، يضيف الحيمي:”أيضاً استحداث كلفة إضافية ضخمة قيمة ما يزيد عن 400 ألف لتر ديزل شهرياً في المتوسط خلال فترة الانقطاع، وخلق بيئة متوترة بين المؤسسة والمشترك الملتزم بسداد الفاتورة بسبب التأخر المستمر في وصول المياه بسبب انقطاع الكهرباء”.
تدابير مؤقتة
لكن المهندس الحيمي يكشف عن معالجات قائلاً: “بالتواصل مع المنظمات تم توفير كمية من الديزل، فزودتنا ‘اليونيسف’ لمدة شهرين على مراحل واتفاقيات بمليون ونصف المليون لتر، منها 504 آلاف لتر لمحطة المعالجة، والآن خفض الدعم إلى النصف حتى نهاية ديسمبر لاشتراط الاتفاقية الأخيرة أن نساهم بالنصف”.
كما تم – والحديث للحيمي – التنسيق بين المنظمات والمؤسسة “للتدخل بتوفير ديزل لبعض مشاريع المياه الأهلية وللوايتات التي تعمل بالديزل بحيث يستقر سعر الوايت بالحد الطبيعي وتم ذلك فعلاً، بجانب عمل نقاط السبيل وإعطائهم البيانات الكافية للأماكن المحتاجة للماء”.
يتابع: ووفرت لجنة الصليب الأحمر مضخة ومولد لبئر سعوان وقطع غيار للمولدات من زيوت تقدر بحدود ستين مليون ريال يمني إلى جانب دعم منظمة ‘ال جي آي زد’ و’الكي اف دبليو’، ونتمنى تفاعل باقي المنظمات معنا حتى على مستوى توعية المواطن بأن يستشعر مسؤوليته حيال مؤسسته باعتباره المستفيد الأول والأخير منها”.
ثمن الخدمة !!
المسؤولية التي أشار إليها الحيمي، صرح بها لنا محمد الحياسي، أحد موزعي المياه قائلاً: “أغلب المواطنين يريدون ماء عموميا وهم لا يسددون الفواتير التي تصلهم شهرياً، فهي وإن لم تصل إليهم قطرة ماء، تتضمن رسوم الاشتراك وخدمة الصرف الصحي، لذلك المؤسسة لا تستطيع تحمل النفقات”.
وبحسب تقرير بثته وكالة (سبأ) للأنباء فإن “المديونية المستحقة لمؤسسة المياه في العاصمة على جميع المشتركين زادت في السنوات الأخيرة وبلغت نحو 8 مليارات ريال، نصفها مستحقة من 2011م، ومنها 6 مليارات ريال مديونيات متراكمة على المشتركين وملياران ريال على المؤسسات الحكومية”.
20 % ملتزمون
في هذا يكشف نائب مدير الشؤون الفنية لمؤسسة المياه بأمانة العاصمة المهندس إبراهيم الحيمي أن “عدد المشتركين في خدمة المياه العمومية 95 ألف مشترك وعدد الملتزمين منهم بتسديد الفواتير بحدود 20 % أي لا يصلون 18 ألف مشترك، وهذه كارثة”.
يضيف: “الفاتورة التي تصل للمواطن بها مبلغ اشتراك شهري قانوني بواقع 1462 ريالاً سواء وصلته خدمة المياه إم لم تصله، بجانب 80 % صرف صحي، ومن يرى أنه ليس مستفيدا من خدمة المياه فهو يشتريها بالوايت وتذهب لقنوات المجاري الخاصة بالمؤسسة، لذلك يجب أن يسدد رسوم المجاري”.
كارثة وشيكة !
المهندس الحيمي جدد التحذير من توقف المؤسسة، قائلاً: “إذا لم يتفاعل المواطنون وهم الشريك الأساسي في خدمة المياه، لن تستطيع المؤسسة تقديم الخدمة فإيراداتها ونفقتها من فاتورة الاستهلاك وما من جهات ممولة سواء حكومية أو داعمة. لذا إحجام المواطن عن تسديد الفاتورة ينذر بتوقف الخدمة “.
يتابع الحيمي: “توقف نشاط مؤسسة المياه بالكامل سيؤثر سلباً على المواطنين، لأنه سيضطرهم لشراء الوايتات بأضعاف سعرها الطبيعي، وأتمنى أن تقف المؤسسة على قدميها مجددا بتفاعل المواطنين وتوجههم لتسديد ما عليهم لتستطيع المؤسسة توفير التزاماتها للغير وحتى لموظفيها”.
أخطر من هذا، تحذير المهندس إبراهيم الحيمي من كارثة أكبر، يقول: “المؤسسة لازالت تتحمل أعباء المجاري لذلك يجب أن يسدد المواطن رسوم المجاري التي يتجاهلها الكثيرون، في حين إذا توقفت المؤسسة عن تصريف المجاري ستحدث كارثة بيئية وصحية حتمية في العاصمة”.
متطلبات عاجلة
يظهر جليا أن المياه سلعة والصرف الصحي خدمة يتطلب إنتاجها وتقديمها في الظروف الطبيعية نفقات تشغيل وتوصيل وفي ظروف استثنائية كالتي تمر بها البلاد يزداد الأمر تعقيدا ويتطلب نفقات مضاعفة، ما يجعل تقديم سلعة المياه وخدمة الصرف الصحي من دون مال ضرباً من ضروب المحال.
ويشدد نائب مدير الشؤون الفنية لمؤسسة المياه بأمانة العاصمة إبراهيم الحيمي على “ضرورة أن يستشعر المواطنون مسؤولياتهم الوطنية ويصونوا مصالحهم في استمرار نشاط المؤسسة ويسارعوا في تسديد قيمة الخدمة الشهرية، فقد سهلت المؤسسة التسديد بخدمة التقسيط لهم”.
المهندس الحيمي يؤكد رهان المؤسسة على تعاون المواطنين.. منوهاً بنتائج إيجابية لحملة توعوية نفذتها المؤسسة سابقاً عبر “لافتات وملصقات ومطويات وبرامج إذاعية وتلفزيونية وفلاشات، ووجدنا تجاوبا معها فتحسنت الإيرادات من 60 أو 70 مليون ريال إلى حوالي 243 مليون ريال”.
ماذا بعد؟!
مما سلف يتضح جلياً أن انفراج أزمة مؤسسة المياه في العاصمة وغيرها من المحافظات وانتظام خدماتها، رهن التزام المشتركين بسداد رسوم خدمتي المياه والصرف الصحي ومسارعتهم لسداد مديونياتهم المتراكمة، خاصة مع إتاحة المؤسسة نظام التقسيط، لضمان تمتعهم بالخدمة والاستفادة منها.. أي: ادفعوا رسوم الخدمة لتحصلوا عليها.