هايل سعيد الصرمي –
العدل قيمة أخلاقية تتعدد مبادئه. فالعدل هو إعطاء كل ذي حق حقه.ووضع الشيء في موضعه. وقد عْرف العدل تعريفات متعددة. يقول الميداني: العدل «هو المساواة بين التصرف وبين ما يقتضيه الحق دون زيادة ولا نقصان[1]».. وعرفه الجرجاني ـ رحمه الله – بقوله: « هو عبارة عن الأمر المتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط « ويقول في موضع آخر: « والعدل مصدر بمعنى العدالة وهو عبارة عن الاستقامة على طريق الحق بالاجتناب عما هو محظور ديناٍ «وعْرف في علم الكلام بأنه : « عدم فعل القبيح و عدم الإخلال بالواجب»
فالعدل هو الميزان.وقد ارتبط ميزان العدل بالحق ارتباطا وثيقا. قال تعالى:{اللِهْ الِذي أِنزِلِ الúكتِابِ بالúحِق وِالúميزِانِ وِمِا يْدúريكِ لِعِلِ السِاعِةِ قِريبَ} (17) سورة الشورى.{لِقِدú أِرúسِلúنِا رْسْلِنِا بالúبِينِات وِأِنزِلúنِا مِعِهْمْ الúكتِابِ وِالúميزِانِ ليِقْومِ النِاسْ بالúقسúط وِأِنزِلúنِا الúحِديدِ فيه بِأúسَ شِديدَ وِمِنِافعْ للنِاس وِليِعúلِمِ اللِهْ مِن يِنصْرْهْ وِرْسْلِهْ بالúغِيúب إنِ اللِهِ قِويَ عِزيزَ} (25) سورة الحديد
ولأن العدل بحاجة إلى قوة مادية ارتبط بالحديد لردع الظالمين الذين يحيدون عنه ,ويظلمون الناس.لذلك تحتاجه الحضارة كركيزة أساسية, ولا تقوم الحضارة السوية إلا به.
إن خير مخلوق جسد العدل بصوره الشاملة هو محمد صلى الله عليه وسلم. فالإسلام أراد منا أن نكون متمثلين لأخلاق القرآن وأخلاق سيد الأنامº لأن المجتمع المتخلق يسوده العدل والحرية والمساواة والرحمة والمحبة . وهذه من الأسس الأخلاقية الكبرى التي جاءت من أجلها الرسالات السماوية.
إن الإسلام كفل للإنسان حرَية الإختيار حتى في عقيدته . {لاِ إكúرِاهِ في الدين قِد تِبِيِنِ الرْشúدْ منِ الúغِي فِمِنú يِكúفْرú بالطِاغْوت وِيْؤúمن بالله فِقِد اسúتِمúسِكِ بالúعْرúوِة الúوْثúقِىِ لاِ انفصِامِ لِهِا وِاللهْ سِميعَ عِليمَ }البقرة256, فالنصراني و اليهودي يستطيع أن يعيش وسط المجمع المسلم بكامل حريته .
لكن العدل لا مجال فيه للاختيار لابد من إقامته على المؤمن وغير المؤمن , فالإسلام يأخذ على يد الظالم , ويأطره إلى العدل أطرا. لأجله بعثت الرسل وخاتمهم رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم وقد أمر به. قال تعالى : {فِلذِلكِ فِادúعْ وِاسúتِقمú كِمِا أْمرúتِ وِلِا تِتِبعú أِهúوِاءهْمú وِقْلú آمِنتْ بمِا أِنزِلِ اللِهْ من كتِابُ وِأْمرúتْ لأِعúدلِ بِيúنِكْمْ اللِهْ رِبْنِا وِرِبْكْمú لِنِا أِعúمِالْنِا وِلِكْمú أِعúمِالْكْمú لِا حْجِةِ بِيúنِنِا وِبِيúنِكْمْ اللِهْ يِجúمِعْ بِيúنِنِا وِإلِيúه الúمِصيرْ} (15) سورة الشورى. والمؤمنون جميعا مأمورون بالعدل في أنفسهم وأهليهم قبل غيرهم , ليكون العدل للناس كافة ,للمسلم وغير المسلم. {يِا أِيْهِا الِذينِ آمِنْواú كْونْواú قِوِامينِ بالúقسúط شْهِدِاء لله وِلِوú عِلِى أِنفْسكْمú أِو الúوِالدِيúن وِالأِقúرِبينِ إن يِكْنú غِنيٍا أِوú فِقِيرٍا فِاللهْ أِوúلِى بهمِا فِلاِ تِتِبعْواú الúهِوِى أِن تِعúدلْواú وِإن تِلúوْواú أِوú تْعúرضْواú فِإنِ اللهِ كِانِ بمِا تِعúمِلْونِ خِبيرٍا} (135) سورة النساء.
{يِا أِيْهِا الِذينِ آمِنْواú كْونْواú قِوِامينِ لله شْهِدِاء بالúقسúط وِلاِ يِجúرمِنِكْمú شِنِآنْ قِوúمُ عِلِى أِلاِ تِعúدلْواú اعúدلْواú هْوِ أِقúرِبْ للتِقúوِى وِاتِقْواú اللهِ إنِ اللهِ خِبيرَ بمِا تِعúمِلْونِ }المائدة8
لا يستقيم الكون منسجماٍ بغير عدالة الإسلام والرحمات
«والعدل يعني تمكين صاحب الحق من الوصول إلى حقه من أقرب الطرق وأيسرها.
فالعدل أو العدالة هي واحدة من القيم التي تنبثق من عقيدة الإسلام في مجتمعه. فلجميع الناس في مجتمع الإسلام حق العدالة وحق الاطمئنان إليها عملاٍ بقول الله تعالى: «إنِ اللهِ يِأúمْرْكْمú أِن تْؤدْواú الأِمِانِات إلِى أِهúلهِا وِإذِا حِكِمúتْم بِيúنِ النِاس أِن تِحúكْمْواú بالúعِدúل إنِ اللهِ نعمِا يِعظْكْم به إنِ اللهِ كِانِ سِميعاٍ بِصيراٍ « النساء58 واسم العدل الوسط مشتق من المعادلة بين شيئين بحيث يقتضي شيئاٍ ثالثاٍ وسطاٍ بين طرفين. لذلك كان اسم الوسط يستعمل في كلام العرب مرادفاٍ لمعنى العدل. فقد روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيره لقوله تعالى: {وِكِذِلكِ جِعِلúنِاكْمú أْمِةٍ وِسِطاٍ لتِكْونْواú شْهِدِاء عِلِى النِاس ………………}البقرة143 ({وِكِذِلكِ جِعِلúنِاكْمú أْمِةٍ وِسِطاٍ لتِكْونْواú شْهِدِاء عِلِى النِاس ……………………}البقرة143 قال: (عدلاٍ والوسط هو العدل).
فالعدل في الإسلام ميزان الله على الأرض به يؤخذ للضعيف حقه وينصف المظلوم ممن ظلمه وفي الحديث القدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماٍ فلا تظالموا) وأبواب السماء مفتوحة أمام الإمام العادل وأمام المظلوم على سواء
عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه و سلم قال « ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم «.
. فالله سبحانه يجيب دعوته وينصف من يستغيث به ويدفع عنه مظلمته.: عِن ابúن عِبِاسُ – رضى الله عنهما – قِالِ قِالِ رِسْولْ اللِه – صلى الله عليه وسلم – لمْعِاذ بúن جِبِلُ حينِ بِعِثِهْ إلِى الúيِمِن « إنِكِ سِتِأúتى قِوúمٍا أِهúلِ كتِابُ ……………..وِاتِق دِعúوِةِ الúمِظúلْوم فِإنِهْ لِيúسِ بِيúنِهْ وِبِيúنِ اللِه حجِابَ »
لقد دعا الإسلام إلى عدالة اجتماعية شاملة ترسيخاٍ لفكرة العدل كمبدأ وتنمية لها كسلوك لأن العدل هو أهم الدعائم التي يقوم عليها كل مجتمع صالح. فالمجتمع الذي لا يقوم على أساس متين من العدل والإنصاف هو مجتمع فاسد مصيره إلى الانحلال والزوال».
وردة نصوص كثير من السنة.تدعو إلى العدل وتحث عليه نقتطف بعضاٍ منها
عن عبدالله بن عمرو قال ابن نمير وأبو بكر يبلغ به النبي صلى الله عليه و سلم وفي حديث زهير قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز و جل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) [5] ( ولوا ) أي كانت لهم عليه ولاية
عن أبي هريرة : عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به فإن أمر بتقوى الله عز و جل وعدل كان له بذلك أجر وإن يأمر بغيره كان عليه منه ))
عِن النْعúمِان بúن بِشيرُ – رضى الله عنهما – قِالِ سِأِلِتú أْمى أِبى بِعúضِ الúمِوúهبِة لى منú مِاله ثْمِ بِدِا لِهْ فِوِهِبِهِا لى فِقِالِتú لاِ أِرúضِى حِتِى تْشúهدِ النِبىِ – صلى الله عليه وسلم – . فِأِخِذِ بيِدى وِأِنِا غْلاِمَ فِأِتِى بىِ النِبىِ – صلى الله عليه وسلم – فِقِالِ إنِ أْمِهْ بنúتِ رِوِاحِةِ سِأِلِتúنى بِعúضِ الúمِوúهبِة لهِذِا قِالِ « أِلِكِ وِلِدَ سوِاهْ » . قِالِ نِعِمú . قِالِ فِأْرِاهْ قِالِ « لاِ تْشúهدúنى عِلِى جِوúرُ » . وِقِالِ أِبْو حِريزُ عِن الشِعúبى « لاِ أِشúهِدْ عِلِى جِوúرُ » .
عن علي [ عليه السلام ] قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى اليمن قاضيا فقلت يارسول الله ترسلني وأنا حديث السن ولا علم لي بالقضاء ¿ فقال « إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء « قال فما زلت قاضيا أو ما شككت في قضاء بعد . )