عذرا يا يوم “12 – 12 “!!

 

عبدالله الصعفاني

* في الفجر التالي ليوم 12 / 12 المخصص في أمانة العاصمة للنظافة كان أحدهم ينبش رتل القمامة على ضوء الكشاف الصيني الذي يعتلي جبهته.
* قلت له متأثرا بميكرفونات توعية اليوم الذي سبقه.. اتق الله.. لماذا تنبش القمامة هكذا بحثا عن العلب البلاستيكية الفارغة، فإذا به يزأر كأسد منهك قائلا: حتى إلى هنا تلاحقوا أرزاقنا.. وواصل عبثه وواصلت شعوري بالقهر والهزيمة.
* وعلى بُعد خطوات غير بعيدة كانت راعية بعض الغنم تنبش قمامة أخرى بمساعدة غنمها لتعزز القناعة بصدقية “ما فيش فايدة غطيني يا صفية” ليس لأننا تحت زمهرير الشتاء وإنما لأن كل شيء عندنا محض فعالية ” إخلاء للعهدة” حيث الجميع على وعد مع العودة إلى السيرة الأولى.. سيرة العبث والفوضى وزواج انفلات عقال الذوق من عقال عدم وجود أي ضابط أو رابط قانوني إيداعا في بنوكنا وأرصدتنا من العبث، لا فرق بين أيام السلام وأيام الحرب.. ولا فرق بين زمن المؤسسات الدستورية وبين سلطة الأزمة والأمر الواقع.
* ما شاهدته وتشاهدونه من سوء نظرتنا العامة إلى النظافة يفرض التوقف الوطني والأخلاقي الطويل الذي يغفل مع سبق الاصرار والترصد وعينا المتدني بالنظافة والجمال كأحد عناوين تطور الانسان واحتراق للبيئة حيث لا نحن كمواطنين نأخذ بالروح التعاونية لإرساء قيمة النظافة ولا وجود للمتابع الذي يوفر الأدوات ويضبط المخالفات التي يقوم بها سكان الاحياء وبشر الأسواق!!
* يوم للنظافة في العام، إنه يوم يجتر شيطان الرغبة في أن نختاره عنوانا للاهتمام بالنظافة في بقية العام، أو أن نرفع من مستوى أداء النظافة في العام ولا بأس من الاحتفال بيوم واحد للوساخة.. وعذرا فالنظافة ليست رفاهية أو شيئا كماليا أو خاصا بالأحياء الغنية أو ببعض شوارع الواجهة والوجاهات وإنما هي حياة وسلوك!!
* هل مشكلتنا في الأدوات والامكانيات أم في الذهنية؟ لقد جربنا تقسيم المدن إلى مديريات ومجالس محلية فلماذا فشلت؟ وهل نحتاج مثلا أن يكون لأمين العاصمة أو المحافظ نواب بعدد المديريات لعل الغيرة وروح التنافس تأتي بما لم يأت به رؤساء المجالس المحلية ووكلاء القطاعات؟ وهل من سبيل لأن يتغير شكل وحماسة عامل النظافة بملامحه المرهقة المتسخة ووجهه المتعب, ونظرته الحزينة وحلمه المحصور في الاكتفاء من مهمته بالنبش بحثا عن علب البلاستيك وترك القمامة لرياح الشتاء والصيف.. ولا حتى من ينبه!! قولوا ما شئتم عن الظروف ومآسي العدوان الهمجي وقلة عقل الاحتراب الداخلي.. لكن ذلك لا يلغي القول ما أجمل أن يموت الواحد منا نظيفا مسترشدا كون النظافة من الايمان.
* أنت وأنا وكل من يستفزه هذا التماهي مع عدم النظافة.. لسنا رجالا حالمين أكثر مما ينبغي، وإنما دعاة بحث عن النظافة والجمال في مدننا وفي المقدمة صنعاء.. العاصمة التي تمثل ملتقى آمال كل اليمنيين الأسوياء رغم حملها الزائد من كل شيء حتى من الناتج القومي من القمامة.
* صحيح أن الأوضاع السياسية وحالة العدوان والحصار أفرزت أولويات ودفعت مظاليم أزمة الغاز إلى تتار لتحطيب الأشجار من الجزر والحدائق, ورفعت أعداد الأشجار الصريعة والزبالة المتكدسة والمبعثرة.. لكن الصحيح أيضا أن ما نصنعه بشوارعنا وأحيائنا إنما يمثل أحد عناوين إصرارنا على اختلاط الخطأ بالصواب والحق بالباطل، ما يستدعي تنظيف العقول وغسل القلوب واستحضار النظرة الموضوعية إلى الحالة الراهنة التي تفرض أن نجعل من مشروع نظافة المدينة اليمنية ومعالجة المخلفات جزءا أصيلا من نظرة موضوعية أشمل نصيغ بها مرتكزات فكرية ووطنية تنهض بالبلاد ولا تفرق بصورة حادة بين قضية السيادة وقضية التطور والسلام والوحدة والوئام وبين النظافة كأحد أوجه نظافة الفكر.. وحسبي أن أتفاءل واستحضر الحكمة الصينية ” لوكان لديك قرش اشتر بنصفه رغيفا وبنصفه الآخر وردة” ويا الله ما أبعدنا عن الحكمة اليمانية والحكمة الصينية رغم أن بوذا لا يسمع.. لا يرى.. ولا يتكلم!!

قد يعجبك ايضا