كيف صار (12- 12) ناقوساً لإيقاد الرقي المجتمعي والسلوك الحضاري

يوم النظافة..  بصمة في صنعاء ووصمة في عدن

¶ فيما تحيي صنعاء يوم النظافة بمشاركة مجتمعية ورسمية عريضة تنتظر عدن ليوم نظافة من نوع آخر
¶ عامل النظافة في مقدمة المجتمع في يوم النظافة وطلاب المدارس يطبقون حصة قيمية

تحقيق – محمد محمد إبراهيم
في 2012-12-12م دشن اليمنيون يوما تاريخياً  في العاصمة صنعاء وعدن وتعز وبقية المدن اليمنية إلى درجة أن الريفيين تأثروا بالصدى الإعلامي وهرعوا إلى إزاحة ما علق بالطبيعة الريفية والقروية من بلاستيك المدينة، وأكوام القش في زوايا الزواريب..
في هذا العام الذي يعد الثالث على إعلان(12/12) من كل عام يوماً للنظافة يستعد المجتمع اليمني لإحياء هذا اليوم الجميل في العاصمة السياسية والاقتصادية والمدن اليمنية الأخرى.. غير أن الوضع هذا العام يعتصر ألم المفارقات التي تعيشها عدن من حصار الجو ومرتزقة البر وسكاكين الفكر التطرفي والعبوات النافسة.. فما هي البصمة- التي تتجلى على أيدي كل اليمنيين من كل المحافظات والمدن والقرى- في صنعاء والمدن الصامدة بمجتمعها المسالم والمسلّح بالإيمان والقيم النبيلة التي يتقاسمها كل أبناء اليمن حيث حل الصمود والسلام..؟ وما هي الوصمة التي خلفتها الحرب والعدوان والمرتزقة والاقتتال في شوارع عدن خارج قيمها التعايشية والإنسانية.. فمنعت المجتمع من صقل وجه عدن الباسمة وتعز الحالمة..؟… إلى تفاصيل الجواب..
ليس مبالغاً فما ذكرناه في مستهل هذه المادة عن يوم 12-12-2012م، باعتباره يوماً تاريخياً في ذاكرة اليمن الحضارية فهذا العمل الراقي- الذي كادت قسوة الحياة أن ترديه من زاوية عين المجتمع الدونية وهي الزاوية الداخلية على عين اليمن القيمة – بكل ما تعنيه الكلمة من معنى قيم المجتمع الأصيل وطابعه الحضاري.. حيث خرج الرئيس والمرؤوس، والوزير والنائب والوكيل، والمستشار والمدير والمدار، والمعلَّم والرياضي والصحفي والبقال والمواطن ووووو الخ.. جميعهم التقت أيديهم مع أيدي عامل النظافة الذي ظهر حينها أنيقاً وصاحب مقام راق وحضاري وإنساني في المجتمع.. ليبدأ محطة ومرحلة جديدة من الرضى المهني من وقع الإحساس بأنه جزء مهم من جوهر ووجه المجتمع المشرق..
صراع الزبالة
من وسط ركام الخراب والدمار التي خلّفته الحروب منذ العام 2011م عام الربيع العربي، ومن بين ركام خراب العدوان والقنابل المحرمة دولياً تنهض العاصمة في كل صباح متحاملة على ألم الحرب والعدوان مشرقة رغم الصواريخ التي طالت وجهها المسجل في قائمة التراث الحضاري الإنساني.. وكما لو إنسانها استيقظ عائداً إلى ما قبل آلاف السنين ليشيدها من ذاكرة الإبداع اليماني..
صنعاء بشوارعها وأزقتها وأحيائها المأهولة بالسكان- المتقاطر أسره من كل أصقاع المعمورة اليمنية ومن أصقاع الإنسانية المختلفة- والمثقلة بكوابيس السياسي والمسار الأمني المتعرج في ممرات الذاكرة السلطوية والثورية.. ظلت تصارع طوال خمس سنوات على التوالي أكوام زبالة أوصلتها الصراعات والحروب والعدوان إلى ارتفاعات مخيفة.. لكنها رغم ذلك ما إن تهدأ إلاّ وهرع المجتمع إلى جانب عامل النظافة يدا بيد لرفع كل تلك الأكوام، وكان إعلان يوم 2012-12-12م، بمثابة صدى لما عكسه مسار التفاعل الاجتماعي خصوصا الشباب وحملاتهم التطوعية في الحارات والأحياء التي شهدت صراعات العام 2011م ودمارها الذي لم يكن سوى نذر حروب كارثية كانت تلوح في أفق اليمن، وحفلات استعراضية تمهيدية لليالي العدوان الجائر التي بدأت يوم 26 مارس 2015م، وهاهي أحقاد ذلك المخطط تتقاطع مع ذاكرة يوم (12-12).. كاشفة بعض مفارقات نتائجها..
استعداد اجتماعي شامل
يوم 2015-12-12م هو اليوم الثالث في ذاكرة النظافة، لكن أهم مفارقة يرسمها هو ما تشهده صنعاء من استعداد سبقه نشاط غير مسبوق لعمال النظافة.. فحسب عدي عمار–عامل نظافة في شارع الزبيري- لم يتوقف عمال النظافة يوماً واحداً حتى في زمن توقف معدات الصندوق نظراً لانعدام الوقود.. حيث يظلون يجمعون القمائم إلى أماكن خاصة، وساحات محددة انتظاراً لنقلها إلى الأزرقين..
ويضيف عمّار: منذ بدأت تموين السوق بالمشتقات تحملنا أعباء كثيرة في نقل كميات لا تتصورها إلى الأزرقين ليل نهار.. واليوم نشتغل بحماس كبير ونستعد ليوم النظافة 12-12 للمشاركة في مقدمة المجتمع .. فهو اليوم الذي أعاد لنا الإحساس بأننا من المجتمع وأن لا فرق بين أسود وأبيض إلا بالتقوى والعمل الشريف الذي يخدم المجتمع…
المختص الاجتماعي في مركز الوحدة التعليمية أحمد الجحافي يؤكد أن المدارس على استعداد تام للتفاعل الطلابي في هذا اليوم الذي نعتز به في المدارس ليس كونه يعيد للعاصمة والمدن وجه الإشراقة والسطوع، ولكن كونه أيضاً جزءاً من مهامنا التربوية بل وحصصنا الأسبوعية المدرسية التي نركز فيها على غرس قيم النظافة والقيم الجمالية في نفوس ووجدان النشء اليمني..
وأضاف الجحافي: نعمد أسبوعيا إلى عمل حصة نظافة خاصة بالكشف عن الطلاب المتميزين في نظافة ملابسهم وأظافرهم وشعرهم، وحتى دفاترهم ونشجعهم ونحث المقصرين على حذو زملائهم، كما نعمد يوماً في الأسبوع إلى عمل نظافة داخلية يقوم بها المدرسون الطلاب داخل المدرسة البيئة المحيطة بها، وهكذا تعودنا ونحن طلاب واليوم ونحن تربويون.. وبالتالي كان هذا أملنا الكبير منذ زمن طويل أن يكون هناك يوم سنوي للنظافة لتعزيز جهودنا حيث وأن الطالب عندما يشاهد المجتمع في هذا اليوم الذي يشارك في المجتمع بكل أطيافه سيرسخ في هذا النشء أهمية النظافة والإسهام في نظافة مدننا وبيوتنا وبيئتنا..
صنعاء وعدن.. شتان
هذا العام ومن قبل أن يطل يوم 12-12 للعام 2015م في العاصمة صنعاء لاحظنا استعدادات المجتمع بكل مؤسساته وأطيافه المدنية والسياسية والطلابية لأن يشارك في نظافة العاصمة الصامدة في وجه العدوان، ليعكس هذا الاستعداد بصمة اجتماعية ناصعة صانعها كل من يقطن صنعاء (مدينة التكوين الجيني لكل ما هو يمني وإنساني) حيث يقطنها من كل أبناء اليمن، من عدن الباسمة وتعز الحالمة وحضرموت الباسلة (الوادي والصحراء) والحديدة المسالمة وإب السياسية والمهرة ومأرب والجوف وصعدة، وريمة، وعمران، وحجة، وسقطرى، وشبوة، وذمار، والبيضاء، وأبين، ولحج، والضالع.. ناهيك عن مكون صنعاء الإنساني حيث يقطنها من كل جنسيات العالم بأمان وتعايش ثقافي واجتماعي بديع..
لكن عدن تشهد اليوم بصمة دموية ودماراً شاملاً وتدنياً مظهرياً غير مسبوق، تفجيرات تطال المدنين، وبقع دم قانِ يغزل الإسفلت والفولاذ والصخر والحصى.. كنائس معابد ومؤسسات ومنازل ومحال تجارية تُدّمَر كانت هي الوجه المشرق لمدينة عدن الباسمة على مدى التاريخ.. مخلفات هذا الخراب تزاحم اليوم بشراسة أكوام الزبالة الملقاة في الشوارع، بعد أن تعطلت مؤسسة النظافة ودوائرها، وبعد أن قتل الإرهاب والتطرف في أبناء عدن وساكنيها قيم التعاون والاستعداد الفطري والحضاري لهذا اليوم التاريخي أو يوم يحيي في المجتمع أصل قيمه الحضارية.. بمقصلة العدوان والمرتزقة متعددي الجنسيات..
أخيراً
أخيراً.. إن عدن اليوم تعيش الانتظار ليوم نظافة من نوع آخر لإزالة قمائم المرتزقة المحتلين من خارطة هويتها اليمنية، ومن قلب طهرها السيادي.. إنها اليوم تحتاج لأيام نظافة تشمل كل ركام الدمار ومخلفات وقاذورات وقذائف العدوان المحتل ودنس المرتزقة متعددي الجنسيات.. ففي عدن لا تبدو القمامة أكثر عفناً من بيادة الاحتلال والعدوان..
تصوير/فؤاد الحرازي

قد يعجبك ايضا