صـنـعـاء

إنها فاتنة الزمن وعنوان الجمال الرباني المتناغم مع إبداعات بني البشر والشاهد الحي على حضارات انسانية تليدة شهدتها هذه المدينة الاستثنائية منذ فجر التاريخ
إليها تهفو المشاعر وتحن القلوب وتطرب لذكراها الأحاسيس المرهفة العاشقة لمعاني الجمال والإبداع.
كل من زار صنعاء اليمن أو عرًج عليها قديما أو حديثا إلا افتتن بجمالها وأصبح متيما بروعة أجوائها واعتدال مناخها وطيبة أهلها ومنهم من رأى فيها مصدر الهام للإبداع وسحر البيان فقيلت فيها القصائد وتسابق الفنانون والشعراء قديمهم وحديثهم في التغني بصنعاء وربوعها الآسرة وأهلها الرائعين.
هذه المدينة العريقة التي تؤكد المصادر التاريخية أن سام ابن النبي نوح عليه السلام هو من أسسها لتكون أول مدينة مأهولة بالسكان في العالم لا تزال إلى اليوم محتفظة بالكثير من مقومات تميزها ومضامين جمالها الاستثنائي ففي أحيائها العتيقة يتحدث التاريخ بلا لسان وتجد نفسك في جلسة نجوى خالصة مع الزمن الذي تشعر بأنه يهمس في أعماق نفسك وبلغات إنسانية عديدة ربما مرت من هناك أشياء وأشياء عن أسرار هذا السحر الإلهي البديع الذي أودعه الخالق سبحانه في هذه البقعة الطيبة من أرضه الواسعة.
لا أريد أن أخوض كثيرا في تاريخ صنعاء فهو أعظم بكثير من أن يحيط به عمود صحفي او كتاب باحث لذلك كان من الطبيعي أن ينال هذا الإرث الإنساني العظيم نصيبا وافرا في زمننا الراهن من أحقاد وضغائن رعاة الإبل في الصحراء القاحلة ممن لا تاريخ ولا حضارة لهم إلا شيئا يسيرا من تراث أسلافهم”الصعاليك”وحكايات غاراتهم على قوافل المسافرين ومهاجمتهم للقرى القديمة المتناثرة في شبه جزيرة العرب واقتياد نسائها وأطفالها عبيدا إلى أسواق العبيد وسماسرة النخاسة القديمة.
لا غرابة إذن أن تنال صنعاء الحسب والنسب والجمال المتكامل حظا كبيرا من صواريخ العدوان السعودي وقنابله المحرمة دوليا طيلة التسعة الأشهر الماضية لكن الغرابة الحقة تكمن في بعض من أبناء جلدتنا ممن يسكن في هذه المدينة التي كانت ولا تزال وستبقى حضناً دافئا لكل اليمنيين عندما يعلنون صراحة عن شوقهم وتطلعهم لوصول الغزاة المحتلين إلى صنعاء ورأينا كم كان السرور والاستبشار باديا على وجوه هؤلاء النفر قبل أسابيع عندما أعلنت أبواق إعلام العدوان وروجت لأماني وأوهام المعتدين عن قرب معركة صنعاء قبل أن تصطدم تلك الأحلام المريضة بسواعد أبطال اليمن لتصبح هشيما تذروه الرياح.
وحسنا فعلت قيادة أمانة العاصمة صنعاء عندما أعلنت منذ بضع سنين عن تخصيص يوم “12/12″من كل عام لنظافة شاملة يشارك فيها كل المواطنون تحت شعار “لنعمل جميعا من أجل عاصمة تشرف كل اليمنيين”.
وما أجمل أن نرى في هذا اليوم الذي يصادف هذه المناسبة الرائعة وقد خرج كل الناس ينفضون عن عاصمتهم الحضارية غبار وأوساخ تسعة أشهر من العدوان الغاشم البليد

قد يعجبك ايضا