تواجد أجنبي يستهدف هويتها وتطرف يصادر حريات مجتمعها المسالم

> عدن.. انتظار فجر جديد في ذكرى الاستقلال المجيد
إعداد/ محمد محمد إبراهيم

قوات غزو متعددة الجنسيات ومرتزقة تكتم نفسها اليومي، وقوى وطنية تعيش أعتى موجات الصراعات، والانفراط القيمي، والمفارقات الصادمة، فمن يقاوم الوجود الأجنبي يتهم بعدم الوطنية وتستباح حقوقه في الحياة والتفكير والنضال، ومن يؤيد العدوان والاحتلال يوصف بالوطني في الوقت الذي يسفك بيد العدوان دماء شعبه مفرطا بمكاسب نضالات وتضحيات اليمنيين خلال خمسة عقود مضت.. عدن اليوم حلبة مفتوحة للتطرف والعنف ضد المجتمع المسالم والمتعايش، والمثقف والواعي منذ الأزل.. فالمدارس والجامعات التي كانت تضج ببراعم بريئة، وشباب تفتح وعيهم على طلب العلم والسباق في حياة هي أرقى من أن تحصر بين قوسي التطرف وفتاوى تحريم الاختلاط.. إنه ليل الظلام، ونير احتلال جديد، يكتم الحريات والفكر والرأي، ليل لم تعتده عدن، بل ضحّى اليمن بخيرة أبنائه للخلاص منه، ليخيم اليوم على عدن التي تنتظر فجراً جديداً للحرية، في ذكرى الاستقلال الـ(48) 30 من نوفمبر 1967م يوم طأطأ المحتل البريطاني أعلام وجوده العسكري والاستعماري راحلاً من جنوب الوطن اليمني الحبيب، وعائداً إلى حيث أتى..فما الذي جرى ويجري في عدن..؟ وكيف تدلف عدن عتبات ذكرى الاستقلال الـ (48)..؟ وهل تحتاج إلى استقلال جديد.. كما يذهب إليه المناضلون الوطنيون ؟
في هذه التناولة سنتابع مجريات واقع عدن في ذكرى الاستقلال الـ (48).. عبر قراءات لرؤى بعض المناضلين..مع التعريج عُمقاً في تجربة مسار الحركة الوطنية الرافضة للعدوان والاحتلال القديم الجديد، والخلافات التي كانت تكتنف مسيرتها ومآلات تلك الخلافات وأثرها على تماسك المجتمع اليمني.. وأوجه الشبه بين ماضيها وحاضرها، وشيء من استشراف مستقبلها.. على ضوء الخلافات العاصفة، وموجبات لمِّ شتاتها في وجه الواقع الصارخ بالتحديات..
ما الذي جرى ويجري في عدن ..؟ سؤال الواقع المرير على عتبات الذكرى الـ(48) للاستقلال المجيد 30 نوفمبر 1967م، أن كل أبناء الوطن من محافظات الجنوب ومن الوسط والشمال الذين كانوا في عدن وهم مناهضون للتدخل الأجنبي، وخلصوا نجيا من بطش العنصرية والجهوية، بل وسكاكين الإرهاب الذي صادر حريات مجتمع عدن المسالم، وقضى على المدنية بمظاهر السلاح والتفجيرات والاغتيالات، بل وتدمير كل مآثر عدن الثقافية وموروثها الإنساني.. كما أن المثقفين الذين كانوا ضد الحرب الداخلية صدموا اليوم من هول ما يجري في عدن.. أضف إلى ذلك المحاكمات الميدانية واقتحام المدارس وإخراج الطالب بدعوى منع الاختلاط، وتحديد أيام للطلاب ويوم للطالبات بعد ارتدائهن الحجاب طبعاً وتفاصيل أخرى لا تدخل دوائر العقل.. بل حدوث عمليات إرهابية تتبناها “داعش” رسمياً..
كل هذه المعطيات تنقل صورا مؤسفة عن ما تعيشه عدن، التي ادعت دول العدوان أنها حررتها من اليمنيين!! في واقع عدن المعاش على مسمعٍ ومرأى من العالم، الذي يستغرب عدم قدرة الحكومة المستقيلة التي تشرعن قتل شعبها من الرياض، على البقاء في عدن أكثر من يومين فقط، بعد أن خرجت القاعدة وداعش عن سيطرة دول العدوان وانقلبت عليها بعد ما قدَّم لها التحالف الغطاء الجوي الكامل لاجتياحها.. كل هذا يعترف به المثقفون وكل من وقع تحت تأثير إعلام العدوان قبل انسحاب الجيش واللجان الشعبية من عدن.. لكن الأهم في هذا السياق هو ما أشار إليه محافظ عدن الأسبق الدكتور عبد العزيز صالح بن حبتور في حديث صحفي حيث شن هجوماً عنيفاً على النظام السعودي وحلفائه ومساعيهم إلى احتلال اليمن والتفريط في وحدة هويته وأمنه واستقراره تحت شعارات زائفة..
واتهم بن حبتور السعودية ومن ورائها من دول التحالف بتدمير البنى التحتية لليمن، وقتل العزل وفرض عقوبات جماعية على سكانه، مشيراً إلى أن استجلاب المرتزقة الأجانب ستدمر اليمن أكثر.. مؤكداً أن استجلاب قوى العدوان للجنود السودانيين وبلاك ووتر والمهاجرين الارهابيين من تركيا إلى عدن حلولاً كاذبة ووهمية ومدمرة لليمن بأكملها.
وأوضح بن حبتور أن عدن تعيش تحت وطأة العصابات والجماعات التكفيرية, محذرا من ان تنظيم القاعدة وداعش ومشتقاتها إذا وجدت موطئ قدم لها في هذه المدينة لن تنسحب منها إلا بثمن باهظ جداً.
مضيفاً : إن السعودية وحليفاتها تضرب اليمن بقسوة مفرطة براً وجواً وبحراً وتفرض عقوبات جماعية على اليمنيين من خلال الحصار الشامل ومنع إدخال الغذاء والدواء والوقود بأنواعه.
وقال أيضاً: ماذا نقول بعد كل هذا الصلف والعنجهية وما يمارسه “الأشقاء” العرب بقيادة السعودية ضد اليمنيين..؟ وهل كل مافعلوه وما مازالوا هو من أجل اليمن واليمنيين؟؟؟ هل ضرب ودك البُنى التحتية لبلادنا وقتل المدنيين العزل في الجامعات والمدارس والمعامل والأعراس ومحطات الوقود والفنادق، والمصانع، والمستشفيات، والطرقات والمساكن الشخصية للمواطنين، هو أيضاً من أجل اليمن؟؟؟ هل هذا هو الأمل الذي بشر به الأشقاء العرب ؟
التحالف والقاعدة
إن الوضع الحالي المعاش بالذات في عدن وحضرموت وفي ظل تدفق جماعات الإرهاب من سوريا عبر تركيا إضافة للجنود السودانيين والمرتزقة الكولومبيين وغيرهم إنما هو تحصيل حاصل لأحداث جرت قبل سنوات شهدتها حضرموت وعدن خصوصا لعلنا لم ننس الاغتيالات التي طالت مجموعة من القادة العسكريين أمثال اللواء عمر با رشيد واللواء سالم قطن واللواء أحمد عبدالرزاق واللواء علي حسن سيف وعشرات من العمداء والعقداء وغيرهم من الجيش والأمن رحمهم الله جميعا..
هذا ما لفت إليه اللواء الماضل خالد أبو بكر باراس- نائب رئيس مؤتمر الحوار الوطني في منشوره على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.. مؤكداً أن هذه الجرائم جرت في ظل صمت الدولة المركزية والسلطات المحلية في المحافظات وحتى هذه اللحظة لم يتم البحث عن من يقف وراء هذا، لكن النتائج التي حصلت تؤكد أن الذين هيمنوا الآن في عدن وحضرموت هم وراء هذه الأعمال.
وحول العلاقة الوطيدة التي تربط دول التحالف السعودي الأمريكي بالقاعدة والمتطرفين لتنفيذ مخططاتها في تدمير اليمن بأسره.. قال باراس: وقد تأكد لمن يريد أن يفكر بعقله وبتجرد عن الأهواء والمصالح أن القاعدة ومشتقاتها بما فيها داعش هي القوى الذي يعتمد عليها التحالف التي تقوده السعودية لأن هذا التحالف ببساطة ليست لديهم قوة أخرى وعلى أبناء الجنوب وبالذات الحراك الجنوبي الحقيقي والمقاومة الجنوبية الحقيقية أن يدركوا أنهم غير مرغوب فيهم عند هذه القوى وأن الجنوب الموعود ليس من أجلهم وإنما من أجل هذا الخليط وأن الجنوب قد يتحول إلى إمارة إسلامية من ولايتين .
حكاية مناضل ومسار خلاف
” أقيم بعدن، وكنت آخر من نزح من حي المعلا، فقد صمدنا رغم قصف المروحية العشوائي الذي دك منازل مجاورة أو ملاصقة لمسكني، دكتها قذائف البوارج المصرية الراسية في مياهنا الإقليمية قبالة عدن، وكان المقصود مواصلة الرمي باتجاه باب عقبة عدن الذي يتواجد فيه الجيش واللجان الشعبية بكثرة، فأخطأت البوارج أهدافها مراراً، وصمدنا رغم رصاص الكلاشنكوف، الذي اخترق نوافذنا، وصواريخ طائرات السعودية التي لم يسلم منها أي موقع بعدن، ودُكت كثير من المنشآت القريبة من مسكني، كالمبنى الجديد للمجمع القضائي مما تسبب في وصول شظايا لمساكننا وتحطم زجاج نوافذنا، وعندما صارت الكهرباء والمياه مقطوعة على مدار الساعة وأشرفنا على الهلاك بسبب الجوع والعطش وعدم النوم لثلاثة أيام متتالية بسبب شدة حرارة الجو ورطوبته، نزحنا, وللآن لم تعد الحياة الطبيعية إلى عدن، و”لن تعود”.. وفي هكذا أوضاع لم أطالع منذ نحو ستة أشهر أي صحيفة ورقية، وصحف صنعاء لا تصل منذ ستة أشهر وربما أكثر.. كما أن صحف عدن توقفت عن الصدور وعلمت منذ أسابيع بأن صحيفتين عاودتا الصدور ولن أطالع أي عدد منها..”.
هذا ما قاله المناضل نجيب قحطان محمد الشعبي في موضوع نشرته صحيفة اليمن اليوم في عددها رقم (1210) تحت عنوان “المختصر في ثورة 14 أكتوبر” موضحاً بعمق مآلات الخلافات والصراعات الداخلية والمزايدات التي أوصلت اليمن إلى هذه الحال، وبالذات جنوب الوطن، منتقداً بلغة حادة محاولات كثير من المناضلين تزييف التاريخ الوطني سعياً منهم لرفع شأن أسرٍ يمنية على أخرى، في الوقت الذي هم يقفون في صف الدمار، بتأييدهم للعدوان.. مفنداً محددات تلك الخلافات وجوهرها والمصالح المتوقفة عليها، مؤكداً أن محاولة الاحتلال البريطاني المساس بالهوية اليمنية للجنوب، لم تفلح،منوهاً بخطر المؤمنين بها في هذه الظروف مؤكداً في نفس الوقت أنهم في مهب الفشل والإخفاق..
الهوية اليمن وخطر التشظي
ولفت إلى أن المناضل الكبير- والده- قحطان محمد الشعبي في كتابه ” الاستعمار البريطاني ومعركتنا العربية في جنوب اليمن (عدن والإمارات)” لم يطالب بالوحدة اليمنية فهو أصلاً يعتبرها قائمة، وأن اليمن إقليم واحد، مستقل في شماله، ومحتل في جنوبه..
وفي توصيفه لواقع ومصدر الخطر الذي يهدد الهوية اليمنية اليوم على إيقاع العدوان وتهافت تجار السياسة على تزييف التاريخ اليمني قال المناضل نجيب الشعبي: والآن بعد نصف قرنٍ على إصدار هذا الكتاب يطلع علينا الرفيق عبد ربه منصور وكثير من تجار السياسة والمرتزقة في اليمن يطالبوا بتقسيم اليمن إلى ستة أقاليم.. والذين يهاجمون قحطان الشعبي لأنه “يَمْنَنَ الجنوب” عليهم أن يمجدوه، فقط لأنه نفض التراب لإظهار هوية الجنوب وهي الهوية اليمنية العظيمة، وأولئك لم يكن لهم هوية وهم أشبه بالقطيع… فتسمية “الجنوب العربي” التي يتشدقون بها لا تدل على أي هوية وطنية، وإنما هي تسمية استعمارية بريطانية لتدل على الاتجاه الجغرافي لعدن ومحمياتها الغربية والشرقية الواقعتين-حينها- تحت الاحتلال والحماية البريطانية..
وما كشفه نجل المناضل قحطان الشعبي من حقائق جدلية وخلافية تتصل بثورة 14 أكتوبر والكفاح المسلح ضد المستعمر حتى فجر الاستقلال، خصوصا تلك القضايا المحورية المتصلة بتفجير ثورة الـ (14) من أكتوبر، وأدوار البعض المبالغ فيها، لا تثبت أو تدحظ بالضرورة مدى صحة التناولات الأخرى للمناضلين، بقدر ماتعكس مدى الصراعات التي عاشتها الحركة الوطنية والتي تجاذبتها على غرارها القوى الخارجية مُفَوّتة على اليمنيين فرص بناء دولة قوية، وهو ما يجري الآن فيما يتصل بواقع عدن الرازحة تحت التواجد الأجنبي متعدد الجنسيات والمدعوم سعوديا وإماراتياً.. ولعل هذا هو وجه الشبه بين ماضي وحاضر الرموز الوطني المناهضة للعدوان والتواجد الأجنبي على الأرضي اليمنية..
أخيراً
هكذا ينقل الإعلام المفتوح على فضاء العالم رغم التعتيم المتعمد، قضية عدن المفتوحة على مصاريع الحرب والاقتتال والتصنيف العنصري والجهوي.. وهكذا ينقل إخوتنا اليمنيون من أبناء عدن وأبناء محافظات الشمال والجنوب والوسط الذين نجوا من نيران العدوان الجوي أوالاحتلال من قوات (الجنجويد) الاستعمارية البغيضة التي اقترفت مجازر في جنوب السودان، وسكاكين قوى العنف والتطرف والإرهاب، فلاذوا بصنعاء..
وهذا الحال، هو ما يجب أن تعيه كل القوى الوطنية التي تقاوم هذا العدوان والاحتلال الجديد وأن عليها أن تنسى الخلافات والصراعات فيما بينها إذا كانت تؤمن بأن اليمن يتسع للجميع وأن عليها لم شتاتها قبل أن يوغل العدوان في استئصال شأفتها وقوتها في الداخل والخارج..

قد يعجبك ايضا