عرض/ خليل المعلمي
إن موضوع السعادة ليس عادياً على الإطلاق ففكرة السعادة توجهنا إلى تقييم شامل تماماً لمجمل حالة الشخص، فهي فكرة تطالبنا –على الأقل- بأن نضع حساباتنا كل الاعتبارات المتعلقة بما يكون مرغوباً فيه وجديراً بالاهتمام وبذلك فإن تاريخ السعادة يمكنه الزعم بأنه يرتبط بكل شيء يتعلق بالموجودات البشرية أو حتى بغيرها، ويبدو أنه ليست هناك حدود فاصلة بين مفهوم السعادة وتاريخها بحيث يتناول المفكرون كلاً منهما على حدة ولأسباب متنوعة يتطلب الأمر رسم بعض الأطر والحدود.
وفي هذا الإطار يقدم الدكتور نيكولاس وايت أستاذ الفلسفة في كتابه الجديد “السعادة.. موجز تاريخي” والصادر مؤخراً عن عالم المعرفة، معنى للسعادة في كتابات الفلاسفة الذين اشتغلوا بها منذ عصر الفلاسفة القدماء الذين يركز عليهم المؤلف بشكل واضح وهو يبرز بوضوح مدى ما هنالك من تضارب في الموقف والآراء حول الأهداف والرغبات التي تتعلق بالسعادة.
ويتتبع المؤلف النظريات حوله بإيجاز بدءاً من افلاطون وأرسطو والابيقدوريين والرواقيين، حتى الفلاسفة النفعيين في العصر الحديث، بل أنه يعرج إلى نيتشه الذي يقف على مشارف الفكر المعاصر.
ويعني الكتاب الذي نقله إلى العربية المترجم سعيد توفيق وتتوزع مواده على سبعة فصول، بنظريات السعادة كما تجلت في عصرها الذهبي لدى القدماء والمحدثين، وبالتالي لا ينبغي التعامل مع هذا الكتاب باعتباره كتاباً جامعاً لمختلف المواقف الفلسفية من معنى السعادة حتى في الأزمنة التي يركز عليها المؤلف ولا يمكن أيضاً إغفال ما فيه من قيمة حينما يثير لدى الأفراد الشك في اقتناعاتهم التقليدية التي يؤمنون بها فيما يتعلق بمفهوم السعادة.
مفهوم السعادة
يؤكد المؤلف أن تفصيل هذا المفهوم بوضوح ليس بالمهمة السهلة فالناس يتساءلون عن طبيعة السعادة ولا يجدون الإجابة سهلة على الرغم من أنهم يظنون أنهم قادرون على الإجابة.
ويضيف: إن التفسير الجيد للسعادة يجب أن يبدأ بالوعي بكثرة الأهداف وما بينها من تضارب، والإيضاح المفصل للمفهوم ينبغي أن يجسده وأن يبين كيف يمكن لهذا المفهوم أن يتحقق من خلال الكثرة بما تنطوي عليه في باطنها من تضارب وهو ما يطرحه الوعي أمامنا، وأيا كانت الحالة التي تصبح عليها السعادة فإن كل فرد يوافق على أنها حالة طبية، حالة ينبغي السعي إليها.
وإذا كان مفهوم السعادة أمراً صعباً بالنسبة لبعض الفلاسفة فإنه ليس أمراً سهلاً بالنسبة إلى الفلاسفة الآخرين، وإذا أردنا أو قيمنا شيئاً واحداً فقط فإن التساؤل عن طبيعة السعادة سيكون عندئذ أكثر سهولة من تحديد طبيعتها التي هي عليها.
ويستعرض المؤلف تضارب وجهات النظر لدى الفلاسفة حول السعادة وعلى الرغم من ذلك فإن معظمهم قد مالوا إلى قبول وجهة نظر أفلاطون القائلة بأن السعادة يجب أن تقوم على نوع معين من التناغم بين الرغبات والأهداف.
مقياس السعادة
إن الرؤية القائلة بأن السعادة هي المتعة هي واحدة من أكثر التفسيرات المقبولة على نطاق واسع لمعنى السعادة وعلى الرغم من جاذبية تلك الرؤية كما يقول المؤلف فإنها تخفق لأسباب مباشرة تماماً ومع ذلك فإننا يمكن أن نتعلم ما أردناه من تفسير للسعادة، ومن شيء مما لم تستطع أن تحققه.
ويضيف المؤلف أن الفلاسفة عند محاولتهم لقياس السعادة يقفون عند التأملات التالية: التفكير فيما ينبغي أن نفعله أو ما نحاول الحصول عليه أو ما ينبغي أن تكون عليه.
وأشار إلى عدد من المذاهب التي يستخدمها الفلاسفة في قياس اللذة التي تعبر عن مقدار السعادة وآراء مختلف الفلاسفة حول ذلك.
السعادة والأخلاقية
إن أكثر الاعتراضات التي تثار إزاء فكرة التقييم الشامل لحالة المرء هي فكرة الأخلاقية، ولقد أكد الكثير من الفلاسفة لعل أشهرهم “كانت” على الرغم من أنه أبعد عن أن يكون الوحيد أو أولهم، أننا إذا كنا نفكر في الأساليب التي يمكن من خلالها تقييم حالة المرء فإننا ينبغي ألا نركز على السعادة.
وأحد هذه الجدالات يتمثل في رؤية “كانت” القائلة بأن السعادة بمعنى ما ليست مفهوماً متماسكاً وأن التقييمات العقلانية ينبغي أن تكون لها علاقة بالسمات الأخلاقية لإرادة المرء أو لأفعاله بدلاً من ذلك.
ومن الجدالات أيضاً أن هناك تقييميين ينبغي عملهما هنا، أحدهما يتعلق بسعادة المرء والآخر يتعلق بموقفه الأخلاقي وأنه لجزء من هذه الفكرة الأخيرة أنه ليست هناك طريق يمكن بها تجميع هذه التقيميين معاً من أجل الحصول على حالة واحدة للمرء.
واقع وقيمة السعادة
يشير المؤلف إلى أن القياس التجريبي في أيامنا هذه –المفسر على هذا النحو- يعد نشاطاً مضللاً يشغل فيما يشغل وقت الفلاسفة وعلماء الاقتصاد المبرزين أنه يظهر بشكل رقمي في المذاهب الأخلاقية على نحو يتجاوز المذهب النفعي الذي آثار لأول مرة الاهتمام به.
ويضيف المؤلف: ومع ذلك فإن فكرة قياس السعادة بغرض تحقيق سياسة عملية اجتماعية لم تدفع بنا بعيداً تجاه إجابة واضحة ومتسقة عن الأسئلة الفلسفية المتعارف عليها فيما يتعلق بطبيعة السعادة.
ويوضح بالقول: هناك درجة من الاجماع ببعض الحقائق عن السعادة وكان هناك تفاؤل متزايد فيما يتعلق بقدرة المناهج التجريبية على تعريف مظاهر معينة على الأقل من السعادة وقياسها وبالتالي ظهرت تطورات أخرى قادت الناس إلى الشك في أن السعادة مفهوم تجريبي أو في إمكان اسناد السعادة إلى أسس تجريبية متينة أو في الحقيقة على أسس راسخة.
ومن هذا يتأكد لنا أن المؤلف قد تناول السعادة باعتبارها سمة تجريبية لحالة المرء، وبذلك فأنها يجب أن تحوز على الأقل بعض العناصر المهمة التي يراها الناس باعتبارها عناصر يمكن تحديدها من خلال الملاحظة، ويعترف المؤلف بعد جهوده التي بذلها في إنجاز هذا الإصدار أن تاريخ مفهوم السعادة كان بمنزلة بحث عن شيء ما لا يمكن الحصول عليه.