فسادُ القصةِ القصيرة لدى الشباب

* فايز محيي الدين

بدأت القصة القصيرة في اليمن تتشكّل في مرحلة السبعينيات من القرن العشرين لتتضح ملامحُها وتنضج فنياً في عقد الثمانينيات وإنْ كان محمد عبدالولي قد سبق جميع الأدباء اليمنيين في النضج الفني مطلع السبعينيات، إلا أنّ نجمها الساطع لم يظهر للعيان إلّا لدي جيل التسعينيات الذين هضموا التجارب السابقة واستوعبوا متغيرات العصر وما وصلتْ إليه القصة القصيرة في الوطن العربي من نضجٍ فني وموضوعي ليُنتج بعضهم قصة قصيرة مكتملة الأركان من حيث البناء والفكرة والأسلوب.
ليأتي بعد ذلك الجيل الألفيني مطلع الألفية الثالثة وبداية العقد الثاني من الألفية ويبدؤون بالانحدار بهذا الفن نحو مكانةٍ أفسدته وأظهرته هشاً لا معالم له ولا أثر لدى المتلقين! زاعمين بأنهم بهذا الأسلوب قد ارتقوا بفن القصة القصيرة من خلال تطعيمها بالنفَس الشعري والمفردات المُحلِّقَة والجُملة المكثفة التي تختزل الكثير من المعاني.
في حين ذهب البعض إلى المناداة – تبعاً لنداءات غربية وعربية – لكسر الحواجز بين الأجناس الأدبية، لينتجوا لنا من خلال هذه الدعوة أدباً هجيناً لا ينتمي لأي فن من الفنون الأدبية، فلا هو بالشعر ولا بالقصة ولا بالمسرحية ولا بالمقالة ولا بالرواية، بل هو نص أدبي فقط!!
وقد صدرت مجموعات من هذا النوع ولا تزال في كل أقطار الوطن العربي وليس اليمن فحسب، تحمل اسم (نصوص).. هروباً من سهام النقاد ولعجز مؤلفيها قبل غيرهم عن تصنيفها تحت يافطة أي فنٍّ أدبي، فكانت هذه التسمية (نصوص) هي المَخرَج الوحيد للهروب من أزمة التصنيف.
وإذا كان بإمكاننا إغفال هذه النصوص العائمة فإننا لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال إغفال القصة القصيرة التي يتم طباعة مجموعات كثيرة تحت يافطتها، ومن هنا حُقَّ لنا أن نطلق عليها سهام النقد لتستوي في طريقها الصحيح، فيما النصوص العائمة لا تستحق نقدها البتة لانعدام التوصيف والتصنيف المناسب لها ضمن الفنون الأدبية.
وفي حين ظلّت القصة القصيرة طوال الفترة السابقة تتنوع بتشكيلاتها ومواضيعها في إطار بنائها الفني لتنتج لنا قصصاً ساخرة وواقعية وصحفية معبرة وذات رسائل محددة، جاءت الألفية الثالثة لتبرز لنا قصة قصيرة تنعدم فيها غالباً الفكرة المعبرة التي تنقل للمتلقي تجربة شخصية أو تعالج موضوعاً أو قضية ساخنة أو تنتقد سلوكاً مجتمعياً لإيصال رسالة هادفة، فجاءت القصة القصيرة لجيل الشباب الألفيني ضاجة بالصور الفنية البديعة مفتقرة للفكرة الجوهرية. أو لنقل أنها حذت حذو شعراء البديع في فترة الانحطاط الذين أغرقوا الشعر بالمحسنات البديعية وأفسدوا جوهرَه وأفقدوه معانيه السامية وتأثيراته في المتلقين.
وبالمثل سار كُتَّاب القصة القصيرة من الجيل الألفيني وتنافسوا على الإتيان بأكثر الصور والطلاسم في نصوصهم ليتفاخروا في أيهم الأكثر إعجازاً بصنع الدهشة لدي المتلقي، ولكنهم للأسف تنافسوا في الحقيقة على أيهم يكون الأكثر ابتعاداً عن المتلقي وأكثرهم انعداماً للأثر في وجدان كل القُرَّاء.
وها نحن نرى كل يوم مجموعات قصصية تصدر تباعاً في عرض البلاد وطولها، لكن الأندر منها هو ما يتركُ أثراً في الوجدان، بحكم إدراك صاحبه لما يود طرحه، وللقضايا التي يود معالجتها أو الرسالة التي يود إيصالها.
لهذا لم نعد نجد في المحافل والمنابر الثقافية أسماء أدبية لكُتَّاب قصة بارزين تتردد على الألسُن أو لها حضور في كتابات النقاد، إلا ما ندر وهي غالباً ما تكون بدافع الصداقات والإحراج من كُتَّابها.
لهذا ندعو كُتَّاب القصة القصيرة لتجاوز ذلك الخلل، وهم كُثر ولديهم مقدرة فائقة على الإتيان بنصوص سردية قصيرة تصنع الدهشة وتترك أثرَها في المتلقي وتدفعه للبحث عن المزيد من قصص هذا الأديب أو ذاك. ما لم فستظلون مكانكم لا تبرحون أماكنكم ولا تقرؤون إلا لبعضكم دون أن يكون لكم أي دور في المجتمع.
ويكذب عليكم من يوهمكم أن الفن للفن والقصة تُكتب لذاتها وليس للمتلقي، لأن الأمر إذا ظل كما تتصورونه هكذا فلتكتفوا بالقراءة لبعضكم ولا تلوموا المجتمع إن لم يتفاعل معكم أو يناصر قضاياكم أو يستقبل رسائلكم، لأن صاحب القضية العائمة والرسالة المشوشة لا أحد ينظر إليه أو يعيره اهتماما.

faiz444888@gmail.com

قد يعجبك ايضا