وثيقة الشرف القبلية والعزل الاجتماعي

يحيى يحيى السر يحي
حدثني صديق لي ثقة عن واقعة لأحد المغتربين اليمنيين في أمريكا والذي كان يشغل منصب مدير تنفيذي في شركة خاصة بمدينة مانهاتن، فبعد سنوات مضنية من الكد والتعب والإخلاص حاز على تلك المنزلة الرفيعة في الشركة ، وفي إحدى سفرياته المتكررة لليمن لقضاء إجازته السنوية بين أهله وذويه لفت نظر الأمريكي ساعة في يد صاحبنا اليمني نالت إعجابه ورغب في مثلها وحين أراد اليمني خلعها من معصمه وتقديمها هدية لرب عمله أبى الأمريكي مكتفيا بوعد شراء مثلها في زيارته القادمة لليمن، وتم ذلك بالفعل، وحين قدم اليمني تلك الساعة للأمريكي سأله: كم دفع جمارك لها وأردف قائلا لا شك أن مبلغ الجمرك كبير خاصة والساعة قيمة وماركة عالمية. فرد عليه اليمني انه لم يدفع سنتاً واحداً وكل الذي فعله أن وضعها في يده الأخرى وقضي الأمر ولما سمع الأمريكي ذلك الخبر استشاط غضبا وقال له: فعلا قضي الأمر عليك وليس لك لقد خنت بفعلتك تلك البلد الذي يؤويك والشعب الأمريكي بأسره ، لقد حرمت الأمريكيين من حق لهم ولو كل أمريكي أو أجنبي دخل الولايات المتحدة ومعه ما يستوجب الجمارك عليها واحتال وتهرب من الجمارك لأفلست خزينة الدولة ولما حصل الأمريكيون على أي من الخدمات الضرورية التي تقدمها لهم الدولة ، فما كان من الأمريكي في نهاية الأمر إلاّ أن جرد اليمني من منصبه وطرده خارج شركته ..
هذه الواقعة نستشف معنى وحقيقة الولاء والانتماء وحب الوطن فعلا لا قولا، ولعل هذا أحد أسباب ارتقاء تلك الأمم وتقدمها وليس كحال بعضنا الذين مسخوا من المبادئ والقيم وعطلوا مبادئ ديننا الإسلامي وتعاليمه التي تحض على حب الوطن وحقن دماء الناس ونشر البناء والعمران بدلا من القتل المستشري اليوم في اغلب بلداننا العربية والإسلامية والهدم والدمار ، ثم أن ما يحدث من تبعية وارتهان للخارج قد جعل الأنفس تهون على أصحابها والأوطان على أبنائها وأساء البعض ممن نصبّوا أنفسهم وكلاء لله أساءوا لدين الله وشرع محمد بن عبدالله فأضحى سفك الدماء المحرمة سمة من سمات البلاد العربية وحل الرعب والخوف بدلاً عن الأمن والأمان، وحل الخراب والدمار بدلاً من البناء والإعمار، ومن الجهل، والتخلف بدلاً عن العلم والتقدم ، في الوقت الذي ديار اليهود والنصارى عامرة ودماء شعوبهم محقنة ومحصنة وعيشتهم رغيدة وآمنة مستقرة .. لقد بات الوطن عند أولئك المتهاونين في الولاء اللاهثين وراء مصالحهم الشخصية والمال الحرام بات الوطن عندهم ليس أكثر من بلاستيشن أو سلعة يقامر به وعليه مع أن الدين والوطن متلازمان، بل إن الدين يزيد في حب الوطن ويعمق في النفوس الانتماء والتضحية والفداء وليس كما يحدث اليوم من تدليس وتلبيس لتلك الافعال الإجرامية من قتل ودمار باسم الدين والله، والله ورسوله منها براء .
*وثيقة الشرف القبلي في المجمل وثيقة ممتازة بما احتوته من مبادئ قيمة والعبرة دائما بالتنفيذ والفعل، وما شدني في تلك الوثيقة المبدأ الرابع من مبادئها التسعة ـ العزل الاجتماعي ـ والذي يعد من وجهة نظري بمثابة حجر صحي لأولئك المرضى وطنيا وتلك الشرذمة ممن تحالفوا مع الشيطان وحلفائه المعتدين على يمن الإيمان أرضاً وإنسانا، كتلك الجراثيم البكتيرية المتواجدة في الرياض وتركيا والإمارات وغيرها من الدول ممن أيدوا العدوان وتآمروا على الوطن والشعب اليمني وقبضوا الثمن ، أو ممن وقف في صف العدوان في الداخل ولزم جيشه ومرتزقته ، أو أولئك الذين يمدون العدو بالبيانات والإحداثيات والمعلومات التي تضر بمصلحة الوطن وتهدد حياة المواطنين ، وأيضا ممن يعملون في الطابور الخامس لصالح العدوان وينشرون الأكاذيب والأباطيل ويبثون الشائعات المرجفة بغرض بث الوهن في نفوس الشعب والنيل من عزيمته، كل أولئك قد تكفلت وثيقة الشرف القبلي بعقابهم العقاب المباشر وحددت نوعية العقاب في مختلف التعاملات الاجتماعية والاقتصادية بين نسيج المجتمع الواحد ويظل عقاب الدولة لا غنى عنه حسب القوانين النافذة في البلاد وأي تهاون في إنزال العقاب الصارم والرادع ضد أولئك المجرمين الخونة أو محاولة التماس العذر لهم أو التعلل باسم المصالحة الوطنية أو أي مسمى من المسميات في حال توقفت الحرب فإن الجميع في الخيانة سواء ودماء الشهداء الأبرياء والوطن الذي دمر في عنق كل من تقاعس وتخاذل في أداء واجبه تجاه أولئك الخونة العملاء، ولن ينجو الجميع حينها من عقاب رب السماء .
حفظ الله اليمن وجيشه وشعبه.

قد يعجبك ايضا