لماذا ينبغي أن ينتصر «أنصارُ الله» ؟!
صلاح الدكاك
تمزقت وفقدت قابلية الاستقطاب يافطةُ العناوين العريضة التي باشر التحالف السعودي الأمريكي عدوانه على اليمن تحتها..
ما يزيد على مائتي يوم استغرقتها هذه الكوميديا السوداء ولا تزال فصولها المأساوية والهزلية في آن مستمرةً ولا يزال سؤال البدء مطروحاً مع تحوير بسيط:
ما الذي أراد تحالف العدوان السعودي تحقيقه بمنأى عن يافطة العناوين المعلنة ؟! وكيف أخفق ويخفق؟!
ثمة متغير واحد ونوعي وبالغ الأهمية والخطورة أربك حسابات «الرياض» و»واشنطن» خلال العقدين الأخيرين في اليمن:بروزُ حركة «أنصار الله» المثابر إلى الساحة اليمنية مهدداً توازنات المعادلة السياسية المحلية الداجنة لجهة الإذعان للمركزين الإقليمي والدولي الآنفين!!
«الخطاب المناهض للصهيونية والهيمنة الأمريكية» والذي تبناه الشهيد المؤسس «السيد حسين بدرالدين الحوثي» بدا منذ الوهلة الأولى «راديكالياً» وغير مقبول في نظر مركز الأحادية القطبية ومهندسي النظام العالمي الجديد ووكلائهم في الداخل. و قد تجلَّى عدم القبول الأمريكي بخطاب الحركة في صورة اضطهاد واعتقال وقمع منتسبيها في مهد التكوين و بالتزامن مع ولوج السلطة في اليمن حلبة «مكافحة الإرهاب رسمياً «1999 – 2000» ؛ وصولاً إلى ست حروب شنتها السلطات اليمنية على صعدة لـ «اجتثاث الحركة» إحداها بمشاركة سعودية عسكرية مباشرة جميعها أخفقت .
واليوم فإن ثورة 21 أيلول وتداعياتها من الإطاحة بمنظومة سلطة الوكلاء وتقويض الأوكار والحواضن العسكرية والأمنية «للقاعدة» في الشمال وإحباط مخطط الأقلمة على أسس طائفية ومناطقية .. كل ذلك يمثل براهين مادية على المخاوف الأمريكية المبكرة وثماراً مرة لنبتة لم تفلح قوى الهيمنة في اقتلاعها فتجذرت لتصبح ماهي عليه من قوة وحضور.
على ضوء جملة التداعيات الآنفة يتكشف الهدف الموارب خلف يافطة «إعادة الشرعية ودحر الانقلاب» التي استظل بها التحالف السعودي الأمريكي ليباشر عدوانه على اليمن..إنه الهدف القديم الجديد ذاته ((القضاء على الحركة وخطابها الراديكالي» ،أما ثمن الإخفاق مجدداً في تحقيقه فسيكون هذه المرة؛ خسارة اليمن كقوة داجنة في حظيرة الوصاية،والتحاقها بمحور المقاومة كقوة فاعلة على مصاف الريادة والأهلية.
يدرك تحالف العدوان أن السيطرة على الجنوب اليمني،ليست نصراً مع بقاء قوة «أنصار الله «وتماسك أطرها وقدرتها على إذكاء الحس الوطني والقومي والديني ؛ بخطاب ثوري إنساني عابر لزنازين الإثنيات والأعراق والطوائف. وهو نشاط وتوجُّه باتت تحظره أدبيات ما بعد «أوسلو» بوصفه تهديداً للسلم العالمي.
لا ينبغي أن يفهم ذلك كتبخيس من قيمة الجغرافيا اليمنية وقيمة و رصيد المكونات الوطنية الأخرى في حساب مناهضة العدوان ؛ فعلى النقيض من هذا الفهم يبقى نجاح التحالف السعودي الأمريكي في القضاء على كل هذا الغنى الجغرافي والتاريخي والوطني ،مرهوناً بالقضاء بدءاً على حركة «أنصار الله»التي تجسد اليوم بالنظر- لجملة عوامل ذاتية وموضوعية- الرافعة الأكثر صلابة وأهلية لكل ذلك الغنى اليمني على شتى المصافات.
تمكّنت «الحركة» بوصفها القيادة الطليعية لثورة 21 أيلول من إعادة اللحمة إلى بنية الجيش اليمني بعد أن مزقته «الهيكلة» ؛ فقلصت على مصاف الدفاع منسوب الخسائر في الأرواح والعتاد التي كانت ستنجم عن عدوان عسكري إقليمي ودولي هو الأشرس في تاريخ اليمن والمنطقة.
كما أعادت تأهيل وحماية المنظومة الصاروخية ومنصات التوجيه والإطلاق بتفعيل الكوادر العسكرية النوعية في الجيش ليغدو في غضون أشهر من بدء العدوان – قادراً- على تبادل الرد هجومياً مع العدو وتسديد ضربات دقيقة ومحسوبة في العمق السعودي طالت إحداها قاعدة «السليِّل العسكرية» في منطقة «الرياض»..
إلى ذلك فإن الحركة تتولَّى باقتدارعملية التعبئة الحربية على نحو تبدو معه اليوم تجربة اللجان الشعبية بمثابة عمود فقري للجيش النظامي أكثر من كونها عملية إسعافية اعتيادية.
على عتبات العدوان- وتحديدا قبل اندلاع ثورة 21 أيلول- كان لدينا – سياسيا- مكونات تقليدية مروَّضة أمريكيًاً في غالبيتها ولا تؤلف في المجمل تحدياً حائلاً أمام مشاريع تقويض الوجود الوطني اليمني الموضوعة قيد التنفيذ حينها . وبالنسبة للمكونات التي كانت تمتلك الرغبة في التصدي لمشاريع التقويض فإنها لم تكن تمتلك الجرأة ولا نضج الإرادة الكافي للشروع في مجازفة باهظة الكلفة بحساب أصفاد السجال التقليدي المنتمية لحقبة ماقبل أيلول 2014م
أمنياً قدمت «حركة أنصار الله» تجربة فذة وناجعة باقتحامها قلعة «الدراكيولا الأمريكي» المسمى القاعدة غير آبهة بمحددات مكافحة الإرهاب الموقوفة حصراً على رؤية وتأويل كواليس «واشنطن» الاستخباراتية ؛ فأنجزت خلال أشهر ما لا تجرؤ الإدارة الأمريكية على إدعاء إنجازه خلال أكثر من عقد هو عمر نشاطها المفتوح في هذا المضمار في اليمن.
من اليسير اليوم وعلى ضوء سياق الإخفاقات الأمريكية الآنف – إدراكُ كم هي الجغرافيا الجنوبية التي يسيطر عليها تحالف العدوان اليوم عبءٌ أكثر منها مكسباً ؛ بالنظر إلى عجزه عن تحقيق الهدف الموارب والمتمثل في «اجتثاث أنصار الله بنية وخطاباً»..
لقد خيبت الحركة رهان مطابخ العدوان في 2014م فلم تكبح جماح نشاطها الوطني المشروع على «تماس جغرافي طائفي» عوَّلت تلك المطابخُ أن تسجن الحركة نفسها فيه مقابل إضفاء المشروعية أمريكياً عليها والقبول بها دولياً كمكون رئيس في المعادلة السياسية في اليمن..
يفسِّرُ إخفاقُ تلك الصفقة المضمرة استماتةَ تحالف العدوان اليوم في محاولات السيطرة على «تعز كهوية سنية متخيلة» يسعى من خلالها قسرياً لزنزنة «الحوثي المجوسي» عقاباً على رفضه زنزنة نفسه طواعيةً في «هوية جغرافية زيدية متخيلة»هي الأخرى ؛ و مُضيَّاً في مشروع تقطيع الأوصال ذاته.
إن الطائفية هي مشروع يحاول تحالف العدوان تدشينه وتكريسه في اليمن من جهة و تقاومه «حركة أنصار الله»على سدة قيادة القوى الوطنية الثورية من جهة مقابلة ؛ طموحاً في وطن مستقل ومتعافٍ وجيد التهوية.
إن إصبع المقاتل الثوري هي المستهدفة لا زناد البندقية ورأس المقاتل لا الخوذة وصواريخ التوشكا وسكود. فبقاءُ الإصبع كفيلٌ باختراع الزناد و بقاءُ الرأس كفيلٌ ليس بتحرير الجنوب اليمني المحتل – فحسب – بل و الذهاب صوب تحرير الأقصى.
لماذا ينبغي أن ينتصر/إبراهيم الفقيه/ج7