الإسراف السعودي في القتل

غرقت المملكة العربية السعودية في اليمن ولم تجد لها من سبيل سوى الإمعان في العدوان والاسراف في القتل وكأنها تقول إن المستقبل لم يعد يعنيها في شيء لذلك تسارع إلى الشر وتستغرق نفسها فيه فهي تغتال الرموز السياسية والأمنية والعسكرية بالطائرات بالليل وتسرف في استهداف كل شيء يدب على الأرض وقد بلغ بها الجنون مبلغه ولم تعد قادرة على تصدير نفسها كقوة سياسية أو ثقافية فالسقوط الأخلاقي والقيمي والقتال من وراء جدر ومن الحصون المشيدة رفع الستائر عن حقائقها الجوهرية لذلك أصبحت تقتل لمجرد القتل وتغتال لمجرد الاغتيال وتهدم لمجرد الهدم ومن فقد القضية والهدف تاه في الفيافي وأصبح يتخبط على غير هدى.
لقد صدرت السعودية نفسها كعدو تاريخي لليمن أرضا وإنسانا ولم تعد في نظر اليمنيين الشقيقة الكبرى بل العدوة الكبرى ولذلك فالحاضر وتفاعلاته سيكون له انعكاسات واضحة وجلية قد تفصح عن نفسها في العلاقات الجيوسياسية المستقبلية والتي حتما ستتخذ لنفسها نسقا ومسارا مغايرا لا يشبه ما قد كان فالقضية اليمنية السعودية بعد العدوان لن تكون كما كانت عليه قبل العدوان فالقتل والدمار وآلة الحرب الحديثة التي تعمل بوتيرة عالية في اليمن لن تخضع الإرادة الوطنية اليمنية ولن تفت في عزيمة أحرار اليمن ولكنها ستعمل على تمتين الأواصر الحضارية والثقافية والتاريخية وتعيد حالة الوصل الحضاري المفقود منذ عقود وتملأ الفراغ الوجداني الذي ظل يشتهي الامتلاء والمملكة بمثل ذلك تكتب نهاية هيمنتها على اليمن وهي تتشبث بتلك الهيمنة بطريقة لم تعد مجدية بعد أن عملت جاهدة طوال ستة أشهر أو أكثر من الزمان على إيقاظ النسق التاريخي والحضاري اليمني وقد خرج المارد من قمقمه ورأت المملكة شدة بأسه وصبره وصموده وقدرته على المقارعة والنزال وبذلك تكون المملكة قد ساهمت في يقضة النسق الحضاري وكتبت نهايتها بيدها وهي نهاية المترف ونهاية المترف لها ما يماثلها في حقب التاريخ المختلفة وقد تحدث القرآن عنها بإفاضة وإسهاب لمن أراد أن يتفكر في سوره وآياته.
وما تقوم به المملكة هذه الأيام من قطع للطرقات وتدمير للجسور ومن اغتيالات واستهداف للأسواق والتجمعات البشرية ومن تكريس إعلامي بصورة نمطية واحدة وهي التباهي والتفاخر بعدد من قتلوا وأبادوا بآلتهم الحربية الحديثة وتلك حالة تتصل بشكل مباشر بنظام القيم وتوزيع نظام القيم في حالة تواشج دائم بالسلطة بأشكالها المتعددة الثقافية والدينية والاجتماعية والسياسية ويجمع المفكرون على أن سوء ممارسة السلطة يطور دائما قيما سلبية تجد من يسعى لانتهاكها.. انطلاقا من رؤية أو منظور معين ويحدث أن تتقاطع وجهات نظر الفاعلين وحالة التقاطع هي التي تشكل باستقطاباتها النسيج الدلالي الأمر الذي يجعل من قضية الالتباس قضية احتيال في مستوى يمكن التفكير فيه فحقل الاحتمالات الدلالية المتشعب عنها يفصح عن قصور وعجز في التفسير والتأويل وتحديد المآلات وهنا ينشأ – كما يقول المفكرون نوع من التضاد الذي يتعمق كلما استمر سوء الفهم فالذين يمارسون ازدواجا ظاهرا في شلالات الإيحاءات هم أكثر حرصا على إرسال رسائل مشبعة بالرموز والقرائن يهدفون من خلالها إلى تحقيق غايات ومقاصد في نفوسهم والوقوف أمام تلك الإيحاءات والقيام بتنفيدها والتأمل فيها يجعلها قابلة للفهم في كونها اتجاها لا ينتج عنها إلا قيما سلبية وقاتلة .. ولعل العدوان السعودي الذي يسعى بين الفنية والأخرى إلى إرسال رسائل مشبعة بالرموز والقرائن وقد وقع في بؤرة الازدواج الظاهر في شلالات الإيحاءات فهو يشعر بالهزائم في جبهات القتال وفي ميادينها ولكنه يحاول أن يرسل رسائله إلى شعبه وتلك الرسائل مزخرفة بهرج الانتصار وقد سمعنا في وسائله الإعلامية خبرا يقول باستدراج كتيبة حوثية في جبهة نجران إلى العمق السعودي وقد قامت القوات المسلحة السعودية بقتل العشرات وأسر المئات ونحن نعلم أن العمليات العسكرية التي تحدث في الحدود لا يقوم بها المئات ولا العشرات وإلا لكانوا عرضة للإبادة الجماعية بالطيران السعودي وليس بالعمليات النوعية التي يدعونها ومثل تلك الإشارات والرموز التي يبعثها الإعلام السعودي دالة على الازدواج وقد قال الأسير السعودي العريف محمد الحكمي ما يفصح عن قصور وعجز في معرفة الواقع وتحديد المآلات التي تنتظر المملكة جراء عدوانها على اليمن.
لقد أسرفت السعودية في القتل والتدمير وفجرت في خصومتها مع اليمن ولا أراها إلا عاجزة عن فهم المآلات وإن غدا لناظره لقريب.

قد يعجبك ايضا