التحدي الكبير
د. أحمد صالح النهمي
استطاع اليمنيون أن يجترحوا المعجزات ويقهروا الطبيعة ويستفيدوا من سنن الكون وحقائق العلم في بناء السدود وتوفير أسباب الاستقرار والتحول من بدائية الحياة وقبليتها إلى بناء شعب وتأسيس حضارة استطاعت أن تضاهي الحضارات التي قامت على ضفاف الماء في حوض النيل وبلاد الرافدين فيما ظل غيرهم من أعراب الشمال يرتحلون بصحبة الخيمة والشاة بحثا عن مساقط الغيث ومواضع الكلأ.
ومثلما استطاعوا مواجهة الطبيعة الحسية والتفوق عليها فقد استطاعوا أيضا التعاطي بإيجابية في التمييز بين أنوار الحق وشبهات الضلال فاستجابوا لنداء السماء ودخلوا في دين الله أفواجا ليحملوا مشاعل النور وألوية الهدى في مشارق الأرض ومغاربها تاركين على كل مدينة وصلوا إليها أو قرية أو مروا بها أشذاء من عبير شهادة “الإيمان يمان والحكمة يمانية” التي صاغها النبي الأعظم وساما على صدورهم يعكس مصداقية عقيدتهم الإيمانية وخصوصية طبيعتهم الحضارية فيما كانت قريش والأعراب من حولها يعاندون أنوار الحق ويحشدون الحشود لمحاربة الدعوة وإطفاء أنوارها.
صور التحدي الخالدة التي يسطرها اليمنيون اليوم في مواجهة العدوان هي التي استدعت الحديث عن لمحة من صور التحدي التي خاضها أجدادنا قديما كامتداد لها وانبثاق عنها.
فاليمنيون اليوم يتسابقون جنودا ومواطنين بأعداد كبيرة تبلغ خانة الأصفار الستة في الالتحاق بجبهات القتال لمواجهة العدوان الغادر التي تولت كبره السعودية ومرتزقتها في الداخل والخارج فيما الكيان السعودي يفشل في إقناع جنوده الفارين من المعركة بالمرابطة على الحدود والالتحاق بصفوف المعركة بالرغم من العروض المالية والمعنوية المغرية التي تبثها وسائل إعلامهم كالإعلانات التجارية فذهب يتسول جنودا من دول الارتزاق والاتجار بالبشر في صورة مخزية تشهد على عقلية النفط التجارية وتفكير البترودولار الانتهازي.
و اليمنيون اليوم من الجيش واللجان الشعبية يقودون معاركهم مع العدوان السعودي على الحدود بأخلاق الفرسان التي يجسدونها في اقتصار هجماتهم على المواقع العسكرية والقواعد الجوية وعدم استهداف المدن والمدنيين كما تتجسد فروسيتهم في تعاملهم الحسن مع الأسرى وعدم ملاحقة الفارين وسوى ذلك من الصور الحربية التي تشهد على نبل اليمانيين في إدارة حروبهم فيما طائرات العدوان السعودي لم تتوان منذ قرابة أربعة أشهر متتالية في استهداف المدن والمدنيين وقتل الأطفال والنساء وتدمير الطرق والمطارات والمدارس وسائر المنشآت الحيوية ولم تسلم من عدوانهم حتى المستشفيات ودور العبادة في صورة تعكس خساسة قادة العدوان ونذالتهم التي تتقاطع مع شرائع الأرض والسماء وتتفوق على جرائم الكيان الصهيوني .
التحدي الكبير الذي يجب أن ينتصر فيه اليمنيون في هذه الظروف هو توحيد الجبهة الداخلية في مواجهة العدوان الخارجي وقطع الطريق على خططه التي تهدف إلى إشعال الفتن الداخلية وتحويل اليمنيين إلى أجنحة متصارعة فيما بينها وتشجيع الاقتتال اليمني اليمني تحت ذرائع مناطقية ومذهبية لا يعرفها المجتمع اليمني .
إن أولى الخطوات في مواجهة هذا التحدي الخطير هو تكوين جبهة يمنية محايدة تقودها نخبة من الكفاءات اليمنية المشهود لها بالنزاهة والوطنية والشجاعة ليكون مهمتها التواصل مع الأطراف المتصارعة وتشخيص المشكلة اليمنية ووضع الحلول العادلة لها بما يكفل للجميع حقوقهم المتساوية تمهيدا لإطلاق صيحات السلام الداعية إلى إيقاف نزيف الدم اليمني في سائر ربوع الوطن.
إن هذا التحدي يتطلب تقديم التنازلات من الجميع وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية وإشاعة أجواء العفو والتسامح وإطلاق الأسرى والمعتقلين وإتاحة الفرصة أمام القوى التي تماهت مع العدوان والإرهاب في المرحلة السابقة لمراجعة مواقفها وتصحيح أخطائها فمن ثاب إلى رشده فإنه يصبح جزءا من القوى الوطنية له ما لها وعليه ما عليها سواء بسواء ومن سيظل منها مرتهنا للخارج وأداة بيد قوى العدوان والإرهاب فإن من الواجب فضحه وبيان خيانته للوطن وعمالته للأعداءلتطهير البلاد من شره فيسهل بذلك مواجهة العدوان الخارجي والانتصار عليه.